هل يمكن أن يختفي برج طوكيو في اليابان، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، وقصر باكنغهام في بريطانيا؟ الإجابة ببساطة تتوقف على سلوك البشرية في السنوات القادمة، فإذا ما تحلت الحكومات بالشجاعة و«الحكمة السياسية»، و«السمو الأخلاقي» واتخذت إجراءات حاسمة للحفاظ على الأرض من الانبعاثات الكربونية، فلن تختفي مدن جميلة مثل لندن وبريستول يهددها ابتلاع مياه البحر في حال استمرار ذوبان الجليد نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وفق ما توصلت إليه دراسة مركز «كلايمت سنترال» البريطانية
ويحتاج مؤتمر الأطراف حول المناخ cop26، الذي يضم الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ الذي يبدأ في 31 أكتوبر الجاري بعد تأجيل لمدة عام بسبب جائحة كورنا، وتستضيفه مدينة جلاسكو، المهددة بالاختفاء وفق دراسة كلايمت سنترال، ويحتاج إلى أن «يشق طريقاً واضح المعالم لرسم «خريطة طريق» نحو تحقيق الأهداف والأماني التي وضعتها اتفاقية باريس في أكتوبر 2015، والمتمثلة في حصر ارتفاع درجة الحرارة بـ1.5 درجة مئوية، وهو أمر غير مضمون تحقيقه في جلاسكو، في ظل الضغوط التي تتعرض لها الدول نتيجة «عدم اليقين» حول نهاية جائحة كورونا، وحاجة الدول لتحقيق تعافي اقتصادي، لكن سيكون على المجتمعين في جلاسكو أن يختاروا بين «إنقاذ العالم أو الحكم على البشرية بمستقبل جهنمي» كما قال أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته التي وجهها هذا الشهر لـ50 وزيراً شاركوا في الاجتماع التمهيدي لمؤتمر الأطراف في ميلانو.
وهناك قلق من ارتفاع حرارة الأرض بنسبة 1.5 درجة مئوية قبل عام 2030 إذ لم تتخذ خطوات جادة في قمة «مؤتمر الأطراف كوب 26» نهاية هذا الشهر في جلاسكو، وهو ما سيفاقم الآثار السلبية للحياة على الأرض، فكل ما شاهدناه هذا العام من حرائق للغابات وفيضانات وسيول كانت نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض درجة مئوية واحدة، وفق تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في أغسطس الماضي، لذلك سوف يكون الطلب الرئيسي للدول الفقيرة في مؤتمر «جلاسكو كوب 26»من الدول الغنية هو الوفاء بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدتها على التخلص من الكربون من شبكاتها الكهربائية والتكيف مع تغير المناخ، فما المخاطر والمحفزات التي تحيط بقمة «جلاسكو كوب 26»؟
تهديد الاستقرار العالمي
أكثر المخاطر التي يمكن أن تهدد قمة «جلاسكو كوب 26» هو انكفاء بعض الدول على ذاتها ومصالحها الخاصة دون النظر لمشاكل الأرض والأجيال القادم، ولهذا أكثر ما يحتاجه العالم من «كوب 26» هو «السمو على الذات» حيث لا تتوقف المخاطر المناخية على الفيضانات والحرائق بل قد تهدد «الاستقرار العالمي» الذي قد ينتج عن قلة المياه وحركات الهجرة بعد 2030، كما أن توتر الأوضاع الجيوسياسية سيتفاقم بسبب الخلافات بين الدول حول وسائل تحقيق أهداف اتفاق باريس، بالإضافة إلى أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي سوف يرفع من «المنافسة الاستراتيجية» للوصول إلى موارده الطبيعية، وفق تقرير صادر عن المخابرات المركزية الأمريكية هذا الأسبوع.
آمال تلوح في الأفق
لكن على الجانب الأخر ثمة مجموعة من المؤشرات الإيجابية، أبرزها تأكيد أكثر من 100 زعيم حضورهم قمة جلاسكو، وفق ما قاله ألوك شارما رئيس «كوب26»، ورغم إعلان الصين عدم حضور الرئيس شين جين بينج، فإن الرئيس الصيني تعهد العام الماضي بتحقيق «الحياد المناخي عام 2060، كما تعهدت الصين بوقف العمليات الجديدة لإنتاج الكهرباء من الفحم، فضلاً عن إعلان الرئيس بايدن عن مضاعفة مساعدات واشنطن الخارجية المخصصة للمناخ، وأنها سوف تصل للحياد الكربوني في 2050، وبحلول 2030 سوف تتمكن الولايات المتحدة من تخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 50%، ولهذا تكتسب الإجراءات التي تقوم بها الصين والولايات المتحدة أهمية خاصة لأنهما معاً يسهمان بـ50% من الانبعاثات الكربونية، وفق دراسة نشرها البنك الدولي، ولهذا دعا بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة والمتحدث باسم حكماء وزعماء العالم السابقين، إلى ضرورة اجتماع الرئيس الصيني ونظيره الأمريكي قبل قمة جلاسكو، ويعتمد رؤية بان كي مون على أن التوصل لاتفاق باريس 2015 كان ثمرة لاجتماع جمع الرئيس شي مع الرئيس أوباما، وهنا لا بد من التوقف أمام النموذج العربي الطموح، والذي يعد نموذجاً في السمو السياسي والمسؤولية الدولية «وهو الذي أعلنته دولة الإمارات العربية المتحدة خلال إحدى فعاليات إكسبو دبي 2020 بإطلاق المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي بحلول 2050».
كما يأتي التفاؤل أيضاً بقمة جلاسكو لأنها سوف تأتي مباشرة بعد قمة العشرين في روما، حيث تعهد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي بأنه سيقنع الدول صاحبة أكبر 20 اقتصاداً في العالم بتنفيذ أهداف اتفاقية باريس.
الأفعال وليس الأقوال
في كل يوم يقوم الأمير جورج الابن الأكبر للأمير وليام، دوق كامبريدج، بجمع القمامة من مدرسته «توماس باترسي» جنوب غرب لندن، لكنه يعود في اليوم التالي ليجد القمامة في نفس المكان، وهو ما دفع الأمير الطفل للإعراب عن إحباطه لأبيه دوق كامبريدج، وهذا بالضبط ما يطرح التحدي الأكبر الذي يتعلق بعدم التزام الدول بمقررات باريس أو التي ستخرج من «جلاسكو كوب 26»، وهو إحباط لم يعبر عنه فقط الأمير جورج، بل عبرت عنه جدته الملكة إليزابيث الثانية التي استنكرت الحديث الإيجابي عن المناخ من بعض الدول من دون الالتزام بمقررات باريس، وهو تحدٍّ يحتاج أن يتوصل المجتمعون في جلاسكو إلى صيغة تكون أكثر تحفيزاً للقيام بالأفعال وليس الأقوال، وكل ذلك يجعل قمة «جلاسكو كوب 26» هي «الفرصة الأخيرة» لكنها أيضاً «الفرصة الأفضل» لحشد طاقات العالم نحو حماية كوكب الأرض.