«نحن الشعب».. عبارة شهيرة اُستهل بها الميثاق الدستوري الأشهر المُوقع عام 1787 في مدينة فيلادلفيا الأمريكية (العاصمة الاتحادية آنذاك)، على يد «الآباء المؤسسين» للولايات المتحدة الأمريكية.
الأسبوع المنصرم احتفل الأمريكيون بمرور 234 عاماً على توقيع هذا الدستور يوم 17 سبتمبر. وبهذه المناسبة، طُرحت نسخة أصلية نادرة جداً من الدستور الأمريكي في مزاد في نيويورك بقيمة مقدّرة بين 15 و 20 مليون دولار، بحسب ما أعلنت دار «سوذبيز».
ورغم أجواء الاستقطاب السياسي التي تواكب الحدث، أقام مركز الدستور الوطني، وهو متحف تأسس في فيلادلفيا يوم 17 سبتمبر عام 2000، عدداً من الفعاليات والبرامج، وزعت خلالها حلوى طبعت بالعلم الأمريكي، وكتبت عليها تهنئة بيوم الدستور.
وعلى 3 لافتات ضخمة عرضها المتحف، الذي يبلغ عدد زواره سنوياً 817 ألف شخص، دُعي الجمهور للتوقيع على الدستور «العملاق»، المؤلف من مقدمة و7 مواد و27 تعديلاً. فما قصة الدستور الأمريكي؟
بعد نيل الولايات المتحدة الأمريكية استقلالها خلال الحرب الثورية (1775-1783)، بدأت تواجه مشاكل تتعلق بكيفية حكم الدولة في زمن السلم. كان عليها أن تسن القوانين، وتنفذها، وتشيع النظام، وتجبي الضرائب، وتسدد ديناً حكومياً كبيراً. كما كان عليها أن تتعامل مع قبائل السكان الأصليين.
من هنا، بدأ زعماء بارزون مثل جورج واشنطن وأليكساندر هاملتون ببحث إنشاء حكومة قومية قوية بموجب دستور جديد.
وفي ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وتحديداً في أكبر مدنها فيلادلفيا، جرت سجالات عنيفة تُوجت بوضع «الآباء المؤسسين» للولايات المتحدة الأمريكية، ومن بينهم جورج واشنطن، وبنيامين فرانكلين، وجيمس ماديسون، نسخة «أولى مطبوعة رائعة من دستور الولايات المتحدة».
«طُبعت (هذه النسخة) على الأرجح مساء 16 سبتمبر» 1787، بحسب سيلبي كيفر، المؤرخ المتخصص في المخطوطات والكتب القديمة، متحدثاً عن النسخة المعروضة في المزاد.
وجرى توقيع المستند «النادر جداً» في المبنى الحكومي الذي شهد قبل ذلك إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776، في القاعة المعروفة الآن بـ«قاعة الاستقلال». وتعد الوثيقة النادرة بمثابة أقدم دستور مكتوب في العالم، صادقت عليه حينها 9 ولايات أمريكية من أصل 13، قبل أن تتوالى مصادقات سائر الولايات.
ويبدأ النص الدستوري بالجملة الشهيرة: «نحن شعب الولايات المتحدة، نقوم بغية تشكيل اتحاد أكثر كمالاً.. بالإعلان عن هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية».
اُستوحيت مواد الدستور الأمريكي من الفلاسفة البريطانيين جون لوك، توماس هوبز، وإدوارد كوك، فضلاً عن الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، ملهم الثورة الفرنسية في عصر التنوير.
ويقيم الدستور الأمريكي «نظاماً فيدرالياً تتوزع فيه السلطات بين حكومات الولايات والحكومة القومية. كما ينشئ حكومة قومية متوازنة وذلك بتوزيع السلطة على 3 فروع مستقلة هي: الفرع التنفيذي والفرع التشريعي والفرع القضائي».
تطور الدستور وتوسع عبر السنين ليفي بالحاجات المتغيرة للولايات المتحدة. كما أجريت له العديد من التعديلات، التي وصلت بحلول عام 1992 إلى 27 تعديلاً.