رغم الضجيج العالمي حول إدارة منظمة الصحة العالمية لأزمة جائحة كورونا منذ بداية تفشي الوباء، يبدو مقر المنظمة في جنيف هادئاً من الخارج، حيث تنتصب تماثيل وصور كبيرة تلفت انتباه الزوار إلى جهودها للقضاء على مختلف الأمراض والأوبئة، فيما يدلف أشخاص قليلون بين الفينة والأخرى إلى داخل المبنى حيث تصنع قرارات إدارة «صحة العالم».
وفيما يتصاعد صخب مناهضي تلقي لقاحات كورونا في عدة دول أوروبية بما فيها سويسرا حيث يقع مقر المنظمة، تواصل «الصحة العالمية» التشديد على أن اللقاحات التي وافقت عليها المنظمة «آمنة وفعَّالة ضد كورونا».
وحتى الآن ما زالت قطاعات وأقسام في مقر المنظمة تزاول عملها عن بُعد، رغم ذلك ومع ما واجهته من انتقادات منذ بدء تفشي الجائحة، تصر المنظمة على مواصلة تنسيق جهود مكافحة الوباء، وفق ما أكده لـ«الرؤية» الناطق الرسمي باسم المنظمة في جنيف طارق جسارفيتش.
وأوضح جسارفيتش أنه وفي الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي، شهدت حالات الوفاة والإصابة بكوفيد-19 التي تم تبليغ منظمة الصحة العالمية عنها انخفاضاً للمرة الأولى في أكثر من شهرين.
وأوضح أن المنظمة إذ ترحب بهذا التطور، فإنها تؤكد في الوقت ذاته أن الأمر لا يعني الكثير في المعركة المستمرة ضد الجائحة، حيث إن دولاً عديدة ما زالت تشهد مستويات ارتفاع متواصل في عدد الوفيات والإصابات بالفيروس ومتحوراته.
وأضاف أنه حتى الآن أكدت المنظمة تسجيل أكثر من 217 مليون حالة إصابة بكوفيد-19، وأكثر من 4.5 مليون حالة وفاة حول العالم.
طارق جسارفيتش:أغسطس الماضي انخفضت الوفيات والإصابات للمرة الأولى في شهرين.
وأكد أن المنظمة تسعى للتغلب على نزعة «اكتناز» لقاحات كورونا من طرف بعض الدول الأكثر ثراءً، موضحاً أنه تم تقديم أكثر من 5 مليارات جرعة لقاح حول العالم، لكن نحو 75% منها أعطيت في 10 دول فقط.
وفيما حصلت نسبة 2% فقط من البالغين في الدول الأقل دخلاً على جرعات اللقاح التامة، بلغت النسبة في الدول الأعلى دخلاً 50%.
منشأ الفيروس
وحول التحقيق في أصل فيروس كورونا، أفاد المتحدث باسم «الصحة العالمية» بأن المدير العام للمنظمة الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس أبلغ في 16 يوليو الماضي الدول الأعضاء بالخطوات المقترحة لدراسات منشأ الفيروس.
وقال جسارفيتش لـ«الرؤية» إن المدير العام للمنظمة شدد في تحديث للدول الأعضاء في 19 أغسطس 2021، على أن خبراء المجموعة الاستشارية العلمية الدولية لأصول مسببات الأمراض ستلعب دوراً مهماً في دراسة ظهور مسببات الأمراض الجديدة، بما في ذلك أصول فيروس كورونا المستجد، مؤكداً أن المنظمة تسعى لتطوير الخطط التشغيلية والاختصاصات للسلسلة التالية من الدراسات حول أصول الوباء الجديد بالتعاون والتشاور مع الدول الأعضاء والمجتمع العلمي الدولي.
وأكد أن الأولوية الحالية هي لعمل «العلماء للبناء على المرحلة الأولى من الدراسات، وتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير مارس 2021 وتسريع الجهود العلمية لبحث جميع الفرضيات».
مظاهرات في برن لمناهضي تدابير احتواء كورونا. (الرؤية)
آلية كوفاكس
وأكد جسارفيتش أن المنظمة منحت موافقات على لقاحات استرازنيكا / أكسفورد، يانسن، مودرنا، فايزر / بيونتك، سينوفارم، سينوفاك، مؤكداً أنه تم تصنيف جميعها على أنها آمنة وفعَّالة في الوقاية من كورونا المستجد.
وأوضح أن التفاوت في توفير اللقاحات يمثل أحد أبرز تحديات القضاء على الوباء، مؤكداً أنه تم إعطاء 19.7% من اللقاحات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل والتي يسكنها 51.2% من سكان العالم، مضيفاً «أن عدم المساواة آخذ في التناقص»، لكن البلدان مرتفعة الدخل قدمت «61 مرة جرعات أكثر لكل فرد من نظيرتها منخفضة الدخل».
ولفت إلى أنه ولتحقيق المساواة في توزيع اللقاح عالمياً «نحتاج إلى تعاون الجميع، لا سيما من الشركات والبلدان التي تتحكم في الإمداد العالمي باللقاحات، وهنا تلعب مجموعة العشرين دوراً قيادياً حيوياً باعتباره تضم أكبر منتجي ومانحي اللقاحات.
وحول آلية «كوفاكس» العالمية لتأمين اللقاحات للدول الفقيرة، قال جسارفيتش، إن الآلية شحنت أكثر من 232.1 جرعة إلى 139 دولة حتى مطلع مارس الجاري، وهناك 41 دولة مشاركة أطلقت حملاتها الأولى للتطعيم بفضل «كوفاكس».
وأكد أن المنظمة ترى أن هذه الآلية هي الأكثر فعالية في إدارة الجائحة على المستوى الدولي، عبر اتباع خريطة تدخل عالمية بدلاً من الانزواء في زاوية المصلحة الذاتية الوطنية.
متحورات الفيروس
وأوضح جسارفيتش أن مسألة ما إذا كان الفيروس سيصبح مستوطناً على المدى الطويل أم سيتم القضاء عليه، تعتمد على مجموعة عوامل، من أهمها مستوى المناعة الجماعية المكتسبة، سواء من خلال التطعيم أو العدوى السابقة.
وأضاف أن تطور الفيروس وظهور متغيرات جديدة سيلعب دوراً مهماً في هذه المسألة على المدى الطويل، و«هذا ما يجعل من المهم جداً السعي لتقليل طرق انتقال العدوى بحيث تقل فرص تحور الفيروس، لدينا الأدوات لتقليل الوفيات عن طريق دفع انتقال العدوى إلى مستويات منخفضة جداً، ويجب علينا استخدامها بحكمة».
وأكد أنه في العديد من البلدان، تُظهر دراسات الانتشار المصلي أن جيوباً مختلفة من السكان لديها مستويات مناعة مختلفة ضد الفيروس، فيما يتوقع أن تشهد الأماكن التي أصيب عدد أكبر من سكانها في السابق وترتفع فيها نسبة التطعيم، انخفاضاً في مستوى التأثر مستقبلاً بتداعيات الجائحة، مضيفاً أنه، في الوقت ذاته "تشير الأدلة الحالية إلى أن مستويات الحماية حول العالم لا تزال منخفضة وأن معظم الناس لا يزالون عرضة للإصابة بالفيروس وهذا هو السبب في حرص المنظمة على التشديد على ضرورة الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي والنظافة، وارتداء القناع وتجنب الأماكن سيئة التهوية.