لا تزال القارة الأوروبية بطيئة جداً في حملات تطعيم السكان ضد فيروس كورونا، ويمر الاتحاد الأوروبي بوقت عصيب منذ اندلاع الوباء، حيث تعتمد القارة في ازدهارها على التعاون السياسي وسلاسل التوريد الميسرة وعبور غير معقد بين الحدود، لكن الوباء وضع البلدان في مواجهة بعضها البعض، كما كان فرض تقييد الحركة بمثابة تحدٍّ للقارة.
شبكة «سي إن إن» الأمريكية، قالت إن برنامج التطعيم في أوروبا، قدم لواحد من «ألد أعداء» القارة فرصة ذهبية لتحقيق نصر دبلوماسي جاد، ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، تناقش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحصول على جرعات من اللقاح الروسي «سيبونتك-V».
ووفقاً للكرملين ناقش الثلاثي احتمال تسجيل لقاح «سيبونتك-V» في الاتحاد الأوروبي، والكميات المحتمل تسليمها، والإنتاج المشترك للقاح في دول الاتحاد الأوروبي.
وأضافت الشبكة أن الاجتماع أثار ردود فعل غاضبة لدى بعض المسؤولين الحكوميين وكبار المشرعين الأوروبيين.
وكان برنامج التطعيم التابع للاتحاد الأوروبي بطيئاً جداً، وشهد مشكلات من ناحية الإمداد، وبات العديد من قادة الاتحاد الأوروبي اليائسين يرون أن روسيا هي الطريق للخروج من الأزمة.
ووجد التحليل الأخير الذي تم نشره في صحيفة ذا لانسيت الطبية، أن اللقاح الروسي فعال وآمن للغاية، وفي الوقت الحالي تدرس وكالة الأدوية الأوروبية الموافقة على «سيبونتك-V».
دوافع خلف اللقاح
أشارت شبكة «سي إن إن» في تقريرها، إلى أن بعض الزعماء الأوروبيين يشككون في الدوافع الروسية الحقيقية، ويرون أن تقديم جرعات من اللقاح الروسي لأوروبا التي هي بأمس الحاجة إليها، يمثل فرصة لبوتين لتقسيم القارة بشكل أكبر.
ويقول دبلوماسيون من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد السوفيتي السابق، إنهم لا يعتزمون استخدام أي لقاحات أخرى سوى التي اشترتها وكالة الأدوية الأوروبية، ويخمنون بأن اللقاح الروسي يمكن أن يكون أداة لتقسيم الاتحاد وحلفائه، ويخشون أن تستخدمه موسكو كوسيلة لأنشطة شائنة أخرى.
علاج أم سلاح؟
من المنظور الأوروبي يبدو أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي تشعر بالراحة بشكل ملحوظ بشأن الاجتماع الأخير بين ميركل وماكرون وبوتين.
وتمضي بعض الدول الأوروبية قدماً بالفعل للتعامل مع موسكو من أجل الحصول على جرعات من لقاح «سيبونتك-V»، على الرغم من أنه لم تتم الموافقة بعد على اللقاح من قبل وكالة الأدوية الأوروبية، ولا يزال ليس من ضمن برنامج اللقاح المركزي للكتلة، حيث اشترت المفوضية الأوروبية الجرعات المعتمدة لدى الاتحاد بالنيابة عن جميع الدول.
وتقدمت كل من المجر وسلوفاكيا بطلب 4 ملايين جرعة من اللقاح، بينما تستعد دول أخرى ومن بينها النمسا لتقديم طلب لموسكو والحصول على جرعات من اللقاح.
كما أوضحت الشبكة أن إيطاليا ودولاً أخرى تجري محادثات لإنتاج جرعات لقاح «سيبونتك-V» في دول الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن ختم النمسا بالموافقة على لقاح سيبونتك يعد بمثابة لكمة شريرة خاصة لبروكسل، وكان المستشار النمساوي سيباستيان كورتس قد اتهم المفوضية الأوروبية علناً بتوزيع جرعات اللقاح بشكل غير عادل على الدول الأعضاء.
وفي المقابل قالت إنغريدا سيمونيتو رئيسة وزراء ليتوانيا، إن بوتين لا يهتم باستخدام لقاحه كعلاج للشعب الروسي، إنما يقدمه للعالم كسلاح هجين آخر للتقسيم والحكم.
ولكن رأي إنغريدا والآراء المشابهة له تعد ضمن الأقلية بين قادة الاتحاد الأوروبي، في حين أن اثنين من أقوى دول زعماء الكتلة أجروا مناقشة مع بوتين بشأن اللقاحات، مما أثار قلقاً عميقاً لبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق.
ويشعر معظم قادة الاتحاد الأوروبي بالارتياح حيال المبادرة الفرنسية الألمانية مع موسكو، ويعتقدون أن الخوف مبالغ فيه.
كسب معركة القوة الناعمة
قال مسؤول حكومي بريطاني كبير لشبكة سي إن إن، إنه من السذاجة للغاية مناقشة أمر لقاح سيبونتك، معتبراً أن روسيا تستخدم لقاحاتها كأداة دبلوماسية.
وقال توم توجندهات من لجنة الشؤون الخارجية في بريطانيا: «استخدام اللقاحات لإحداث فجوة أعمق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وبين دول الاتحاد الأوروبي مثل لتوانيا وغيرها من الدول الأكثر استعداداً لذلك، يغذي مصلحة روسيا فقط».
وأضاف أنه سواءً كانت هذه هي النية الأساسية أم لا، فإن تقسيم الغرب أمر مرحب به دائماً في الكرملين.
ويقول أوليغ إجناتوف وهو كبير محللي الشؤون الرئاسية في الأزمات الدولية، إن الهدف الرئيسي لموسكو كان كسب معركة القوة الناعمة من خلال الحصول على لقاح معترف به في أوروبا، مما يجعل روسيا أكثر قبولاً للمواطنين الأوروبيين.
وتسبب الوباء بالفعل في العديد من الأمور المروعة في الدبلوماسية الأوروبية الداخلية، بالإضافة إلى مزيج من مشكلات إمدادات اللقاح غير المتوقعة.