منذ بدء تفشي الفيروس التاجي المستجد كوفيد-19، تضاربت المعلومات والروايات حول أصل الفيروس ومنشئه.
الرواية الأولى التي أطلقتها السلطات الصينية أن الفيروس نشأ في سوق ووهان للحيوانات البرية، وهو ناتج عن حيوان الخفاش، ليظهر بحث آخر يشير أن الفيروس يحتوي على جزء من فيروسات ناتجة عن حيوان آكل النمل الحرشفي.
والرواية الأمريكية تقول إن الفيروس انتشر من معهد ووهان للأبحاث الذي يبعد بضعة أميال عن سوق ووهان.
وأوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً أن حكومته تحاول تحديد ما إذا كان الفيروس خرج من مختبر في الصين، مضيفاً أن «أموراً غريبة كثيرة بدأت تحدث ولكن تحقيقات كثيرة تجري. وسنكتشف ذلك».
وقال مسؤولون في الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي، إن الحكومة الأمريكية تواصل التحقيق فيما إذا كان فيروس كورونا قد تم تخليقه داخل مختبر صيني.
تفسيرات أعادت نظرية المؤامرة إلى الواجهة
اندماج غير طبيعي
وفي تصريح خاص لـ«الرؤية»، أعرب الدكتور وليد الزيود رئيس قسم الهندسة الطبية والحيوية ونائب عميد كلية العلوم الطبية والتطبيقية في الجامعة الألمانية الأردنية وعضو جمعية المهندسين الوراثيين الأردنية عن اعتقاد بأن نظرية تعديل الشفرة الوراثية للفيروس وتسريبه من أحد المختبرات تبدو النظرية الأقوى.
وأضاف أنه من الصعب دمج المادة الوراثية لفيروسين من حيوانين مختلفين في فيروس واحد بصورة طبيعية، فهذه العملية يجب أن تتم في عملية دمج وراثي مختبرياً.
وأشار الدكتور الزيود إلى أن هناك احتمالية كبيرة أن يكون الفيروس مصنعاً كسلاح بيولوجي وذلك بناءً على الأبحاث الأولية التي كشفت أن المادة الوراثية لفيروس كورونا SARS-CoV-2 تحتوي على جينات وراثية من فيروسات مختلفة أحدها فيروس نقص المناعة المكتسبة أو الإيدز HIV.
وعن نظرية أن الفيروس مطور طبيعياً يعتبر الدكتور وليد أن هذه الاحتمالية قد تكون بعيدة ولإثباتها يجب أن تتم دراسات موسعة حول الخفافيش وما إن كان هناك تقارب بينها وبين حيوان آكل النمل (البنغولين)، لكنه لا يتوقع حدوث ذلك لأن الحيوانين من بيئتين مختلفتين تماماً ولا توجد بينهما أي صلة.
وأشار الدكتور وليد أنه عن طريق الهندسة الوراثية يستطيع الإنسان تطوير فيروس ليتحول إلى وباء، من خلال تعديل الغلاف الفيروسي ليصبح مرتبطاً أكثر بمستقبلات الخلايا البشرية.
ويعتقد الدكتور وليد أنه لم يتم حتى الآن تصنيع أي فيروس بشكل كامل من قبل العلماء في أي من معاهد العالم، لكن من يستطيع تصنيع الفيروس باستخدام المادة الوراثية، يمكن أن يكون قادراً على تصنيع الدواء ومعرفة المواد القادرة على تكسير هذا الغلاف وعلاجه.
إعادة تركيب طبيعية
ومن ناحيتها قالت الدكتورة هالة زهر الدين وهي باحثة في مركز علم الجينوم والأنظمة الحيوية في جامعة نيويورك ـ أبو ظبي في تصريح خاص للرؤية، إن الفيروس يكون دائماً بحاجة إلى خلية حية ليتكاثر داخلها.
وأشارت إلى أن الفيروس بشكل عام يتكون من الحمض النووي، وبروتينات تغلف الحمض النووي، بالإضافة إلى غشاء دهني خارجي. وجود هذا الغشاء الدهني يجعل القضاء عليه ممكناً بواسطة الصابون.
وأوضحت أن فيروس SARS-CoV-2 هو من عائلة فيروسات كورونا المعروفة منذ زمن، والتي تضم 7 فيروسات، منها 4 تتسبب بأمراض موسمية بأعراض عادية، واثنان يسببان أعراضاً خطيرة وهما فيروس السارس الذي ظهر في الصين في عام 2003، وفيروس ميرس الذي ظهر في عام 2012.
أما الفيروس الحالي المعروف باسم SARS-CoV-2 والذي يسبب مرض كوفيد-19، فهو أكثر سرعة بالانتشار ولكنه أقل خطورة من الفيروسات السابقة، حيث إن أكثر من 80% من المصابين لا تظهر عليهم أية أعراض خطيرة.
وأما إذا كان الفيروس مصنعاً أو مطوراً طبيعياً، فتشير الدكتورة هالة إلى أن نتائج البحوث العلمية بينت أنه في الغالب نتج طبيعياً، وهو يشبه إلى حد كبير، من ناحية حمضه النووي، فيروسات موجودة لدى حيوانات برية.
وأضافت أن دراسة جينوم الفيروس الحالي أثبتت أنه شبيه بدرجة عالية بفيروس كورونا التاجي الذي مصدره الخفافيش، مع بعض التعديلات بالأحرف الجينية في المنطقة المسؤولة عن إنتاج البروتين التي تحدد الخلية المستقبلة لدى الإنسان وهذا الجزء شبيه أكثر بفيروس كورونا الموجود بحيوان البنغولين.
وأشارت الدكتورة هالة إلى أن فيروس كورونا الحالي ناتج عن إعادة تركيب بين الفيروسين من حيوانين مختلفين، وعملية إعادة التركيب هي إجراء طبيعي يحدث في الطبيعية بين الفيروسات، وليس من الضرورة أن يكون مفتعلاً مخبرياً.
وتحدث عملية التركيب طبيعياً بوجود احتمالين، الاحتمال الأول إصابة حيوان البنغولين بفيروس من الخفاش أثناء اصابته بفيروس آخر ما أدى الى اندماج الفيروسين داخل الخلايا الحية، ومن ثم انتقل للإنسان.
والاحتمال الآخر هو إصابة إنسان بفيروس من الخفاش وفيروس آخر من البنغولين، ليندمج الفيروسان داخل الإنسان، ولا يزال العلماء يبحثون في النظريتين للوصول إلى نتيجة شافية، إلا أنه حتى الآن لم يجد العلماء ما يشير إلى أن عملية إعادة التركيب جرت بطريقة صناعية عن قصد، ويرجحون أنه تم تطويره بفعل عوامل الطبيعة، ولا توجد دراسة جدية تثبت العكس.
وما يثبت ذلك عدم تعارف نماذج الحواسيب التي يستخدمها العلماء لتعديل البروتينات الفيروسية بالتغييرات الموجودة في الفيروس الحالي.
وأوضحت في نفس الوقت أن العلماء يمتلكون التكنولوجيا والمعرفة التي تسمح لهم بتعديل أو إنشاء فيروسات جديدة، لكنهم يستخدمونها لأسباب وجيهة ومفيدة مثل العلاج الجيني، وفهم الانتقال الفيروسي للوقاية من الأمراض وما إلى ذلك.
وهذه التكنولوجيا مهما تطورت تظل أقل كفاءة من الانتقاء الطبيعي بفعل التطور والتأقلم لدى الحيوانات والفيروسات التي تحويها في آن، وفي معظم الحالات، ستكون عملية إنشاء فيروس مفتعل غير ناجحة لأن عملية التكيف مع مضيف جديد والقدرة على الانتشار معقدة للغاية.
وأشارت إلى أن العلماء يستطيعون التمييز بين الفيروس الطبيعي والمصنع من خلال المقارنة مع تسلسلات الجينوم (الشفرة الوراثية) للفيروسات التاجية والفيروسات الأخرى الموجودة في قواعد البيانات التي تساعد على تحديد أصل الفيروس، ويستطيع العلماء خلالها برصد أي تغير مختلف تماماً عن الظهور الطبيعي.
قدرة مستبعدة
ومن جهتها أكدت الباحثة والعالمة الأردنية الدكتورة رنا الدجاني وهي أستاذ دكتور في البيولوجيا الجزيئية في الجامعة الهاشمية - الأردن وزميلة في معهد راد كليف للدراسات المتقدمة للرؤية أن أشكال الفيروس موجودة في الطبيعة وفي الحيوانات، وتستطيع الانتقال من كائن حي إلى آخر، كما أن الفيروس دائماً ما يقوم بتغيرات وحدوث طفرات نتيجة التكاثر بالتالي يتغير نتيجة الانتقاء الطبيعي، وأكدت أن الفيروس تطور بشكل طبيعي بمروره بعدة مراحل وانتقاله من حيوان الخفاش إلى حيوان البنغولين بدون أي تعديل صناعي مخبري، كما أشارت أنها لا تعتقد أن للإنسان قدرة بإنشاء فيروس كفيروس SARS-CoV-2.
وفي تصريح للرؤية قال الأستاذ محمد قسايمة وهو أستاذ مساعد في الهندسة الميكانيكية والطبية الحيوية في جامعة نيويورك ـ أبو ظبي، أن أصل الفيروس التاجي مسألة مثيرة للاهتمام وموضوع نقاش كبير، ومن الصعب للغاية ومن السابق لأوانه إصدار نتائج نهائية بهذا الصدد، إلا أن جميع الدلائل تشير إلى أن الفيروس ناتج عن الطبيعة.
وأشار إلى أنه على الرغم من التقنيات الحديثة التي توصل لها العلم إلا أنه من الصعب للغاية تركيب فيروسات جديدة وكاملة قادرة على التسبب بحدوث جائحة.
وأكد أنه يمكن الكشف عن الفيروس إذا كان مصنعاً أم طبيعياً من خلال دراسة الحمض النووي RNA، ويمكن إنشاء فيروسات من صنع الإنسان من خلال تحديد المواد الوراثية من فيروس طبيعي، ومن ثم يتم عزلها وإدخالها إلى خلية مضيفة أو بكتيريا ليتم تصنيع كميات كبيرة من التسلسل، لذلك سيكون من السهل هندسة الفيروسات بشكل مصنع باستخدام فيروس طبيعي وإضافة بعض التعديلات الممكنة، إلا أنه من الصعب جداً تصميم وتصنيع فيروس كامل من الصفر ودون تتبع التسلسل من الفيروسات المعروفة.
وتشير الدلائل القوية إلى أن بصمة الجينوم الخاصة بالفيروس ليست من صنع الإنسان.
وأوضح أنه في حال تسرب هذا الفيروس عن طريق الخطأ من مختبر، فلا يوجد احتمال لوجود علاج له في الوقت الحالي.