الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

«الخليج رقم صعب».. بعثات طرق الأبواب تفتح باب المكاسب القصوى

«الخليج رقم صعب».. بعثات طرق الأبواب تفتح باب المكاسب القصوى

وحدة الصف الداخلي تعزز القدرة التفاوضية مع القوى الدولية

القيادات الشابة لديها الرغبة في الانفتاح على الشرق والغرب

تتبنى رؤى تنموية بعيدة المدى تعتمد على توطين التكنولوجيا الحديثة

أعادت الحرب الأوكرانية التي دخلت في شهرها الرابع، بعثات طرق الأبواب إلى منطقة الخليج، في محاولة لكبح أسعار النفط التي ارتفعت بصورة تفوق قدرات عدد من الدول الأوروبية، الأمر الذي دفع البعض للتأكيد على أن منطقة الخليج أصبحت أحد الأرقام الصعبة في معادلة تشكيل التحالفات العالمية. خبراء أكدوا لـ«الرؤية» أن دول الخليج تستطيع تحقيق التوازن الاستراتيجي بين الدول كافة، لحماية نفسها من العلاقات السلبية، التي ربما تنتج من علاقة مكونة مع دولة واحدة فحسب، وشددوا على أنه ليس لديها تطلعات توسعية سواء على المستوى السياسي، أو العسكري، بل ترغب في تنمية منطقتها ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، ورجحوا تحقيق تلك النقلة في ظل الاهتمام العالمي بالخطط الطموحة لدول الخليج.

النفط.. ورقة سياسية

رئيس مركز الخليج للأبحاث، دكتور عبدالعزيز صقر يوضح أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست بمعزل عن التطورات الدولية إذ تعد جزءاً من المجتمع الدولي، فضلاً عن كونها مصدرة للنفط والغاز، وأيضاً مستوردة للغذاء والسلاح وأدوات الصناعة، لذا يصعب أن تتقوقع أو تعزل نفسها عن مجريات الأحداث الدولية، غير أنها نجحت حتى اللحظة الراهنة في أن تكون أكثر اعتدالاً، وحكمة، وحياداً في التعامل مع تطورات الحرب الروسية- الأوكرانية لما يربطها بعلاقات استراتيجية بأطراف الأزمة، ولدورها المؤثر في سوق الطاقة العالمي، وكونها تتبني سياسة معتدلة وواقعية، لا سيما أنها تعتبر النفط والغاز منتجات اقتصادية مرتبطة بالتنمية وبمصالح الدول المنتجة والمستهلكة معاً وليس ورقة سياسية يزج بها في أتون الحروب والاختلافات السياسية. ويؤكد أن دول مجلس التعاون في مرحلة بناء اقتصادي تقوم على توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتبني رؤى تنموية بعيدة المدي تعتمد على تنويع الشراكات وتوطين التكنولوجيا الحديثة واقتصادات المعرفة مع مختلف دول العالم بما يخدم مصالحها ويؤمن حاجاتها من الغذاء، ويضمن جذب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال بعيداً عن الصراعات الدولية، خاصة التي هي ليست طرفاً فيها، لذلك تتبنى دول التعاون دعم السلام والاستقرار ومبدأ عدم حل النزاعات بالقوة، والمساعدة بكل ما تملك في تحقيق ذلك ولا تدخر جهداً في المساهمة بالقيام بأي جهد يصب في إنهاء الحرب وتثبيت الأمن والسلم الدوليين، مشيراً إلى أنها في هذا الصدد تنحاز بكل وضوح إلى مبادئ القانون الدولي وتطبيقه والالتزام بأحكامه، وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لحل الخلافات الدولية في جميع مناطق العالم، واحترام المنظمات الدولية القائمة وتجنب توريطها في الصراعات للحفاظ على حيادها واستقلالها وهيبتها، ومن ثم تدعو الأطراف المتحاربة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات لإنهاء الحرب عبر التفاوض، خاصة أن الحلول العسكرية تبدو غير حاسمة في إنهائها.

ثقل «طاقي»

أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس، ورئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية، دكتور آلان صفا يرى أن ثقل الخليج في تشكيل تحالفات عالم ما بعد الحرب الأوكرانية ليس ثقلاً ديموغرافياً أو اقتصادياً بقدر ما هو ثقل «طاقي»، خاصة في ظل الحرب الجارية بين أوكرانيا وروسيا والتوجه حول فرض عقوبات وقطع اتصالات الطاقة بين روسيا والغرب وبالأخص أوروبا، منوهاً بأن الزيارات الغربية المتتالية على دول خليجية تحاول خلالها قطع الطريق أمام إقامة أي تحالف مع روسيا، لا سيما فيما يخص الطاقة، بعد انسجام المواقف بين روسيا والدول المنتجة للنفط حول الكميات المنتجة، غير أن المطالب الغربية الخاصة بزيادة الإنتاج لضمان ألا يؤثر سلباً على الأسعار، لا يتوافق ومصالح الدول الخليجية، إذ يساهم ارتفاع أسعار الطاقة في ارتفاع القدرة المالية للدول الخليجية وبالتالي قوتها الاستراتيجية.

ويضيف أن الدول الخليجية تستطيع إيجاد توازن بين الدول التقليدية القوية التي تتمتع بنفوذ داخلها، وبين الدول الناشئة التي تطمح في أن تجد لذاتها نفوذ داخل المنطقة، فالمصلحة الخليجية تكمن في إيجاد نوع من التوازن بين تلك الدول بما يضمن الحفاظ على إيجابياتها المكتسبة من العلاقات مع دول غربية ودول أخرى ناشئة، وفي الوقت نفسه حماية نفسها من العلاقات السلبية التي ربما تنتج من علاقة مكونة مع دولة واحدة فحسب، مؤكداً أن هذا التوازن الاستراتيجي يعد الأمثل لدول الخليج من أجل تسجيل نقاط إيجابية في تشكيل العالم الجديد بعدما حدث خلال الحرب الأوكرانية وما متوقع حدوثه خلال السنوات المقبلة.

قيادات خليجية شابة

أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، دكتور أسعد جوهر، يوضح أن الدور الخليجي خلال العقود الماضية اقتصر على كونها مستودعاً للطاقة، خاصة أنها تملك أكبر احتياطات من النفط المؤكد في العالم مع دور سياسي واقتصادي محدود للغاية، غير أن تلك المعادلة تغيرت تماماً في ظل بروز قيادات خليجية شابة لديها العلم والثقافة والنظرة الشمولية في جميع مناحي الحياة من اقتصاد وبيئة وخلافه، منوهاً بأن تلك القيادات لديها الرغبة السياسية في الانفتاح على العالم - الشرق والغرب- وبناء علاقات متوازنة تقوم على الندية في المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتبادلة، لافتاً إلى أن الموقف الخليجي من الأزمة الأوكرانية يوضح حجم الثقل الذي تملكه دول الخليج، جنباً إلى جنب مع الرغبة في المساهمة عالمياً في حل تلك الأزمة دون التحيز إلى أي من المعسكرين.

اقتصادياً، تبنت دول الخليج خطط نمو وتحول اقتصادي ضخمة تقوم على الاستثمار داخل مجالات عدة، ما فتح المجال أمام تنافس كبري الشركات في الشرق والغرب لوضع موطئ قدم داخل الخليج، خاصة أن الدول الخليجية لم تعد استهلاكية وإنما تدخل في شراكات استثمارية تنقل التقنية وتطورها بحسب «جوهر»، مشيراً إلى أن الدول الخليجية لم تعد تعتمد كما في السابق على اتفاقيات أمنية مع قوى أخرى لحمايتها، بل باتت تعمل على نقل التقنية العسكرية المتقدمة، بما يضمن تطوير مهاراتها العسكرية لحماية مكتسباتها الاقتصادية والسياسية، مشيراً إلى أن رغبة الصين في تطوير علاقاتها مع دول الخليج آثار غيرة الغرب، بدليل الزيارات المتتالية التي جاءت بعد فترة من التهميش، بما يبرهن أن الدول الخليجية أصبحت تمثل مركز ثقل اقتصادي وسياسي يجب أن يؤخذ في الاعتبار، معتقداً علو شأن الدول الخليجية وفق الخطط الاقتصادية والتنموية المتطورة، مشدداً على أنها ليس لديها تطلعات توسعية سواء على المستوي السياسي أو العسكري، بل ترغب في تنمية منطقتها ونقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، مرجحاً تحقيق تلك النقلة، لا سيما في ظل الاهتمام العالمي بالخطط الطموحة لدول الخليج.

إعادة رسم الخرائط

في السياق ذاته يؤكد رئيس مركز طروس للدراسات الكويتي، محمد الثنيان، أن العالم يعاد رسم خرائطه وتوازناته حتى من قبل الحرب الأوكرانية الروسية، لافتاً إلى أن إرهاصات تلك التغيرات بدأت وفق مؤشرات عديدة تدعم بعضها، مشدداً على أن التساؤل الفعلي حول تلك المتغيرات يرتبط بنقطتين مهمتين: أولهما؛ ما الجهة التي ستحافظ على قوتها وتسيطر على المنظومة الدولية الجديدة «النظام العالمي» وهل تستمر سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب أو نشهد «ميلان الكفة» لصالح الشرق في آسيا (الصين - الهند) وروسيا، أما المتغير الثاني يرتبط بزمن استمرار التجاذب وتغيير الخرائط حتى يتحقق التوازن الدولي، منوهاً بأن حالة الاستقطاب الدولي واضحة في ظل تشكل محاور دولية يسعى كل منها لجذب بقية الفواعل الدولية لصالحها، ما يوضح أهمية منطقتنا ككل ومنظومة «دول مجلس التعاون» بشكل خاص.