الموانئ نقاط رئيسية للربط الاقتصادي بين أسيا وأفريقيا وأوروبا
ثقل المنطقة يظهر بجلاء خلال الأزمات التي تضرب العالم
الحرب الأوكرانية توجه البوصلة الدولية للخليج لإعادة التوازن الاستراتيجي
يشتعل السباق العالمي نحو تشكيل تحالفات عالم ما بعد الحرب الأوكرانية، فمختلف دول العالم تبحث عن موضع قدم في هذه التحالفات لاسيما منطقة الخليج بعد أن استطاعت جذب انتباه الأقطاب الدولية، في خضم منافساتهم على صُعد أخري،وأعادت للأذهان ثقل الدور الخليجي داخل المنظومة الدولية، لاسيما في ظل سياساته التنموية التي برهن خلالها على تمسكه بسياسات متوازنة، وحيادية، تحترم القوانين، والمواثيق الدولية.كما تشكل منطقة الخليج العربي مركز ثقل إقليمي توفرها جغرافيته وموارده الطبيعية،الأمر الذي ظهر بوضوح خلال الأزمة الأوكرانية الأخيرة، إذ ساهمت التداعيات العالمية الناتجة عن الأزمة في إعادة تحويل البوصلة الدولية، نحو الخليج لإعادة التوازن الاستراتيجي، لعدة موضوعات أبرزها الطاقة، وما يرتبط بها من ممرات استراتيجية، وقوة دفاعية لطالما حذرت دول الخليج من التلاعب بها.
ممرات مائية.. الطريق إلي الطاقة
ترتفع قيمة الممرات المائية، نظراً لحجم البضائع المتداولة خلالها، لاسيما إذا كانت تلك البضائع تتعلق بتشغيل الصناعة التي يعتمد عليها الغرب بصورة رئيسية، إذ أصبحت بعض موانئ دول مجلس التعاون الخليجي نقاط رئيسية للربط الاقتصادي بين أسيا وأفريقيا وأوروبا. ووفقا لبيانات حديثة فإن دول الخليج تعتمدعلى مضيق هرمز لنقل أكثر من %85 من نفطها إلي أسيا والولايات المتحدة وأوروبا. كما تأتي واردات دول الخليج عبر سفن شحن تمر من خلال المضيق نفسه، سيما تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وعلي جانب القيمة الاستراتيجية للمر الملاحي للخليج عالمياً.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى مضيق باب المندب، فمع اكتشاف البترول في الجزيرة العربية في ثلاثينات القرن الماضي ازدادت أهمية باب المندب مرة أخرى حيث إنه يربط منطقة الانتاج -الجزيرة العربية- بمناطق الاستهلاك في أوروبا والولايات المتحدة، ورغم أنه لا يدخل ضمن المياه الإقليمية لدول الخليج إلا أن أمنه يكتسب أهمية مزدوجة من الأسواق المستهلكة والمنتجة للنفط، كونه منفذ الخليج على أسواق النفط الأوروبية والأميركية، بدليل ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً بعد مهاجمة ناقلتي نفط سعوديتين 2018 في المضيق وتوقف الأخيرة مؤقتاً عن نقل النفط عبر المضيق. رئيس مركز سيرس للدراسات الاستراتيجية في باريس، دكتور عمر الزبيدي، يري أن دول الخليج توفر حماية الممرات المائية في الخليج العربي والبحر الاحمر، ما يفتح قائمة المواجهة لتشمل جماعات تؤثر على الاستقرار العالمي وحرية الملاحة بما في ذلك جماعة الحوثي والعصابات الصومالية، بالإضافة إلي الجماعات المخلة بالأمن العالمي وغسيل الأموال، مشدداً على أن تماسك الخليج يشكل قوة لمواجهة المؤامرات المخلة بالاستقرار مثلما حدث في إسقاط ما يدعى بالربيع العربي. في السياق ذاته يشير العميد البحري السعودي المتقاعد، عمرو العامري،إلي أن الممرات المائية تحكمها أنظمة وقوانين دولية،لذا فإن التعدي عليها بمثابة تعد على القانون الدولي يحتاج إلي عمل سياسي منظم لوقف العبث بها، لاسيما في ظل أفعال إيران الحالية الخاصة باختطاف بعض سفن النفط الأجنبية.
الطاقة.. الذهب الأسود
ترتبط الطاقة ارتباطاً وثيقاً بالممرات المائية، إذ أن تأمين الممرات يضمن نقل آمن للذهب الأسود، ووفق لموقع «statista» الألماني المتخصص في بيانات السوق والمستهلكين فإن معدلات إنتاج الدول الخليجية من النفط ارتفعت خلال العقد الماضي (2020- 2010 ) بصورة كبيرة، الأمر الذي ينعكس على حجم تلك الدول في السوق العالمي اقتصادياً واستراتيجياً. تأمين إمدادات النفط دفع الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022 إلي مناقشة توسيع مفهوم الوجود البحري المنسق ليشمل شمال غرب المحيط الهندي، وأكدوا خلال اجتماع عقده المجلس في بروكسل أن الأمن البحري للخليج مصلحة استراتيجية لأوروبا ككل في إطار سعيها للاستغناء عن الغاز الروسي، لاسيما وأن الخيارات الأخري لإمدادات الطاقة سواءً من شمال أفريقيا أو إيران تعد خيارات غير مجدية على المدي الطويل نظراً لأن البنية التحتية للطاقة إما مهجورة أو غير موجودة، عكس الخليج، ما يدفع أوروبا نحو تأمين شراكة تمكنها من الحصول على إمدادات سريعة من دول تتمتع بالقدرة على استقرار سوق الطاقة العالمي، الأمر الذي أكده رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، خلال كلمة ألقاها أثناء القمة العالمية للحكومات في دبي أن أسواق النفط العالمية تشهد إعادة هيكلة ضخمة،منوهاً بأن مرونة إمداد دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تلعب دور حيوي في تهدئة الأسعار خلال الأشهر المقبلة. ويقول «الزبيدي» إن النفط لا يشكل إلا واجهة لموقع منطقة الخليج الاستراتيجي، لاسيما وأن الذهب الأسود يمثل العنوان العريض لموارد أخري كالغاز والمدخرات المالية الكبيرة والمعادن النادرة - اليورانيوم، منوهاً بأن ثقل الخليج يظهر خلال الأزمات العالمية بداية من الحرب على الإرهاب مروراً بأزمة كورونا وصولاً إلي الأزمة الأوكرانية بما يؤكد أنه يمثل قوة توازن واستقرار.
إقرأ أيضاً..«تجميد الحريات».. وثائق تكشف توسيع صلاحيات البيت الأبيض في الطوارئ
حجم التسليح خليجياً
تمثل ميزانية الدفاع لدول الخليج مجتمعة ما يزيد عن 95 مليار دولار سنوياً، لإجمالي الدول الـ 6 الأعضاء داخل مجلس التعاون الخليجي، إذ يتم تجهيز الجيوش بأحدث التقنيات العسكرية، الأمر الذي يرفع من قدراتها الدفاعية واللوجستية. ووفقاً للإحصائيات الصادرة في 2022 عن موقع «غلوبال فاير باور» المتخصص في الشؤون العسكرية، فإن الجيوش الخليجية تمتلك طائرات حربية تبلغ 1953 طائرة، وأكثر من 2214 دبابة وأكثر من 21 ألف عربة مدرعة، فضلاً عن نحو 1046 مدفع ذاتي الدفع، ولديها نحو 2115 مدفع مقطور و 527 قاذفة صواريخ. ويبلغ إجمالي الإنفاق الدفاعي للدول الخليجية مجتمعة 95 مليار دولار سنويا، إذ تمتلك مجموعة قطع بحرية متنوعة تبلغ 415 قطعة، فضلاً عن الاحتياطي الضخم من الذهب والعملات الأجنبية الذي يتجاوز 658 مليار دولار. ولفت «العامري» إلي أن دول الخليج تمتلك مقومات القوة لاسيما في ظل وحدتها السياسية والاقتصادية، وأن المملكة العربية السعودية تسعى إلي بناء قدرات ذاتية خاصة بها، ماضية في خطة تصنيع عسكري طموحة وعقد شراكات وتحالفات مع شركات أبحاث وتصنيع أجنبية في هذا المجال، واضعة في الحسبان أن تصبح أحد الدول الـ 10 المؤثرة في مجال صناعة السلاح والأنظمة الدفاعية خلال 10 سنوات.