انحسر التواجد العسكري الروسي المكثف في سوريا لحساب تمركزات عسكرية إيرانية أكثر كثافة في البلد ذاته؛ وبينما تغادر القطع البحرية الروسية ميناء طرطوس نحو البحر الأسود للمشاركة في الحرب الدائرة بأوكرانيا، يعزز الحرس الثوري الإيراني تموضع قواعده السريَّة لدى سوريا، وتحديداً في قواعد الجيش السوري. وحسب تسريبات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، سيطر الحرس الثوري الإيراني خلال الآونة الأخيرة على عدة مواقع في ميناء دير الزور الجوي، الذي يقع داخل ميناء عسكري جوي، وتعتزم إيران تحويل المناطق التي جرى السيطرة عليها إلى نقاط عسكرية ومستودعات لتخزين الأسلحة، والمسيَّرات، والصواريخ، ونشر منصات صاروخية ومنظومات رادارية داخل وخارج الميناء الجوي.
وتشير التسريبات إلى استخدام عناصر الحرس الثوري الإيراني قواعداً ترفع الأعلام السورية في سريَّة تامة تحت قيادة ضابط إيراني يُدعى الحاج مهدي، وهو الشخصية التي تشغل في الوقت الراهن منصب القائد العام للمليشيات الإيرانية في سوريا، وكان في السابق قائداً للمليشيات الشيعية الموالية لإيران شرق سوريا. ويتحرك الحاج مهدي حالياً على الخط الرابط بين دمشق ودير الزور. وقبل أيام دشَّن القيادي العسكري الإيراني مقراً خاصاً به في ميناء دير الزور، بينما يقيم في منزل بحي الفيلات في المنطقة ذاتها. وحال دخول أو مغادرة مكتبه، يحرص على ارتداء الزي العسكري السوري، فضلاً عن استقلاله سيارة من نوع «أفانتي» في مختلف تحركاته. ويتكوَّن طاقم حراسته من 3 مقاتلين أفغان، فيرافقه دائماً ويتحرك بسيارة من طراز Cerato.
مدرج واحد
ويقع مطار دير الزور جنوب شرق المدينة وعلى بُعد 10 كيلو مترات من وسط المدينة ذاتها. ويضم المطار مدرجاً واحداً للطائرات، ويحوي عدداً من المقاتلات من طراز ميغ 21 و23، فضلاً عن مجموعة من المروحيات؛ بينما تسيطر القوات الروسية على الميناء، وأسست به 3 نقاط عسكرية، الأولى: فصيلة شرطة عسكرية روسية تضم مقاتلين روس وشيشان. الثانية: نقطة تضم الجنود الروس الذين ينتمون إلى الجيش الروسي، وتقتصر مهامها على القتال إلى جانب القوات السورية. أما الثالثة فهي نقطة تضم قوات روسية خاصة تعكف على تأهيل وتدريب قوات محسوبة بشكل مباشر على النظام السوري، ومن بينها مليشيات الدفاع الوطني.
ولا يقتصر التواجد العسكري الإيراني على ميناء دير الزور فقط، وإنما ينتشر التواجد ذاته في مناطق أخرى من ضمنها حي «هرابش»، الذي يقع به مقر قيادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، ويضم مستودعاً ضخماً للوسائل القتالية، ويقع على بعد 2 كيلومتراً من بوابة ميناء دير الزور الجوي الرئيسية، ويستقبل زيارات كافة القيادات الإيرانية، وتدار فيه مباحثات النشاط العسكري الإيراني في سوريا.
أقمار اصطناعية
في المقابل، تغادر سفن وقطع بحرية روسية مينائي اللاذقية وطرطوس السوريين، وهو ما يحرض الحرس الثوري على ملء فراغ التواجد الروسي. ووفقاً لتقرير مطول نشرته شبكة CNN، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية مغادرة سفينة النقل الروسية «ماتروش بوزينتيش»، بالإضافة إلى قطع بحرية حربية روسية أخرى للانضمام إلى الأسطول الروسي بالبحر الأسود، والذي يدير حرباً ضارية ضد قوات معسكر الغرب في أوكرانيا. وتزامنت تلك التحركات مع تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» حول شروع القوات الروسية بالانسحاب من سوريا منذ فترة ليست بالقصيرة.
اقرأ أيضاً.. %66 أيدوا.. الدنماركيون يتجهون لتوثيق العلاقات العسكرية مع أوروبا
ونقل التقرير عن دوائر أمريكية رفضت الكشف عن هويتها تنسيق القيادة العسكرية الروسية مع نظيرتها السورية حول عملية «الانسحاب التدريجي من البلاد»، وهو طرف الخيط الذي تلقفته إيران لتعميق وجودها العسكري في سوريا على حساب الانسحاب الروسي، الذي شمل قاعدة حميحم الجوية الروسية في ريف اللاذقية، التي تتضمن أيضاً وحدات من سلاح المشاة، والهندسة، فضلاً عن سلاح الجو. ووفقاً لمصادر الصحيفة الأمريكية، طلبت قوات الأسد ملء الفراغ الروسي بمليشيات محلية وأخرى إيرانية خوفاً من استغلال الفراغ لفرض تغييرات غير مرغوب فيها على الأرض. وأضافت المصادر أنه جرى اتخاذ قرار «الانسحاب التدريجي الروسي» في مقر الكرملين بهدف تعزيز جبهة القتال الروسية في أوكرانيا. وظلت المعلومات المتداولة حول إشكالية الانسحاب الروسي سريَّة أو غير موثقة على الأقل حتى نشرتها صحيفة «موسكوفا تايمز» الروسية قبل ساعات.