أفرزت نتائج الانتخابات النيابية في لبنان واقعاً سياسياً جديداً، بما حملته من مفاجآت أطاحت بحزب الله وحلفائه من المستقلين، والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون، من السيطرة على الأكثرية النيابية.وجاء انسحاب تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري من الانتخابات، ليفتح الباب أمام ظهور مكونات جديدة في البرلمان، أبرزها رموز حراك 2019، وعدد من ناشطي المجتمع المدني، والمعارضين لسياسات حزب الله وحركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان المنتهي نبيه بري، والذي تصاعدت الشكوك حول قدرته على الاحتفاظ بمقعد رئاسة البرلمان. ويتخوف مراقبون للشأن اللبناني من سيطرة الخلافات بين الكتل النيابية لتعرقل إنجاز باقي الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس البرلمان، ورئيس الجمهورية، واختيار رئيس جديد للحكومة، خلفاً لنجيب ميقاتي.
تراجع حزب الله وحركة أمل
ويرى المحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز، أن الانتخابات النيابية أظهرت انقلاب معظم التوقعات والاستطلاعات التي أجمعت على أن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) سوف يحصدان أغلبية ملحوظة، وأن تيار المعارضة سوف يكافح للوصول إلى ربع أعداد المقاعد النيابية، أو إلى ثلثها على أحسن تقدير.قال الرز «ما حصل هو حصول المعارضة بمختلف تشكيلاتها على أغلبية تقارب سبعين مقعداً، مقابل حصول الثنائي (حزب الله وحركة أمل) وحلفائه على 58 مقعداً، وهذا تقدير أولي حتى تشكيل التحالفات الجديدة داخل البرلمان».وتابع «خسائر الثنائي تحققت في دوائر الجنوب والبقاع وبيروت، إضافة إلى مناطق الشمال والجبل، وبالتالي فإن معظم حلفائه إما رسبوا أو تقلص تمثيلهم، كحال التيار الوطني الحر، الذي تراجع عدد مقاعده من 26 إلى 18 مقعداً، رغم أنه يحاول استقطاب نواب مستقلين، عبر وعدهم بتولي حقائب وزارية، لكن هذه المحاولات لم تنجح.
شكوك حول نبيه بري
وتتضاءل فرص زعيم حركة أمل، نبيه بري بالفوز بمنصب رئيس البرلمان، الذي يسيطر عليه منذ عام 1992، في ظل دخول كتل جديدة للبرلمان، وتراجع عدد المقاعد التي حصل عليها الحليف المسيحي، التيار الوطني، مقابل صعود خصم حزب الله، حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع. وأضاف الرز أن المجلس النيابي الجديد سوف تختلف سياساته عما قبل، إذ لم تعد فيه ثوابت مكرسة، ولعل الحديث اليوم عن بديل لرئيس مجلس النواب منذ عام 1992 نبيه بري قد بدأ يتصاعد، إضافة إلى وجود معايير جديدة لتشكيل الحكومة ومتغيرات حتمية بالنسبة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد خمسة أشهر.
رياح التغيير تهب على لبنان
وأشار الرز إلى أنه لا يمكن استثناء رأي رموز ثورة 17 تشرين، التي رفعت شعار «كلن يعني كلن» عن التأثيرات المقبلة، بعد أن حصدوا 17 مقعداً، وأصبح بالإمكان القول إن طريق التغيير قد فتح في لبنان، وهو مرشح للتوسع أكثر خلال الفترة المقبلة. وتوقع الرز أن يشهد لبنان مزيداً من التوترات، بعد نتائج الانتخابات، ربما تصل إلى الصدامات، إضافة إلى تدهور أكثر في الوضع الاقتصادي والمالي، لكن الصحيح أيضاً أن لبنان لن يترك في مهب الفوضى والاقتراب من حرب أهلية، وذلك بقرار عربي ودولي، مؤيد من القوى الوطنية المستقلة، التي تسعى لتحقيق الإصلاح ومنع الفساد وتعزيز علاقات لبنان بمحيطه العربي والتركيز على تطبيق الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف للوفاق الوطني.
خطة إنقاذ
السيناريو الأقرب للتحقق، والذي يقتضي التدخل العربي والدولي وخاصة الفرنسي، هو تنفيذ خطة إنقاذ شاملة للبنان، حسبما يرى الرز، وهذه الخطة كان ألمح إليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عندما تحدث قبل عدة أشهر عن خارطة طريق خليجية وعربية وفرنسية، لانتشال لبنان من التدهور الواقع فيه، وتثبيت مقومات دولته الوطنية. ورجح الرز، أن يبدأ تنفيذ هذا السيناريو قبيل موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، نهاية العام الجاري، بحيث يأتي مواكباً لعملية التغيير والتصحيح والإنقاذ.
مفاجأة النتائج
وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية، الثلاثاء، النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي أظهرت خسارة قوى ما كان يعرف بالثامن من آذار الأغلبية البرلمانية التي حظوا بها طيلة سنوات.وخلال الانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2018، فاز حزب الله والمتحالفون معه (وعلى رأسهم التيار الحر) بأغلبية 71 مقعداً في البرلمان، ووفق النتائج النهائية الرسمية لاقتراع الأحد الماضي، فقد تعادل حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بعدد النواب الذي حصل عليه الحزبان (18) لكل منهما، في حين احتفظ حزب الله وحركة أمل بكل المقاعد الشيعية (30)، وحقق المجتمع المدني اختراقاً، للمرة الأولى، بـ12 مقعداً في البرلمان من مجموع 128 عضواً في المؤسسة التشريعية، وأظهرت النتائج أيضاً حصول كل من الحزب التقدمي الاشتراكي على 9 مقاعد، وحزب الكتائب على 4 مقاعد، وكل من حزب الطاشناق وتيار المردة على مقعدين لكل منهما.