السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

تحليل إخباري | قمة القاهرة.. جبهة موحدة في مواجهة ارتدادات الأزمات العالمية

تحليل إخباري | قمة القاهرة.. جبهة موحدة في مواجهة ارتدادات الأزمات العالمية

الزعماء الثلاثة ولي عهد أبوظبي والرئيس المصري والعامل الأردني في القاهرة

يقول الفيلسوف البريطاني الشهير أرنولد توينبي، أن عظمة وقوة الأمم والشعوب تتجلى عندما يكون لديها قادة حكماء يستطيعون الاستجابة أمام التحديات، سواء أكانت هذه التحديات طارئة أم مستدامة، ومن يقرأ دفتر أعمال القمة الثلاثية الإماراتية – المصرية- الأردنية التي جمعت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجلالة الملك عبدالله الثاني عاهل المملكة الأردنية الهاشمية، في ضيافة وإفطار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يتأكد له أن القيادة الحكيمة والتنسيق الدائم والعمل المشترك والقراءة الواحدة هي عناوين هذه القمة الثلاثية التي تكررت في أقل من شهر، بعد القمة الرباعية الأخيرة التي جمعت الزعماء الـ3 مع رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي في ضيافة الملك عبدالله الثاني في العقبة في 25 مارس الماضي.

فالأرقام لا بد أن تترك علامة على الباب، كما يقول المغني الأمريكي الشهير بول سايمون، فاجتماع الزعماء الـ3 مرتين خلال أقل من 30 يوماً، يؤكد من جديد على الإرادة السياسية المشتركة لدى الدول الـ3 في بناء منهج سياسي واقتصادي في المنطقة يكون شعاره التحرك الاستباقي، والعمل كقرون استشعار للتصدي للأزمات والتحديات الدائمة والطارئة ومنع تفاقمها من خلال تعزيز التعاون الجماعي، والمرونة الاقتصادية التي تهدف لمنع وقوع أزمات اقتصادية أو توترات سياسية في المنطقة نتيجة لارتدادات وتداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية، ومنع عدم الاستقرار الذي تعاني منه الأراضي المحتلة، التي قال بيان الزعماء الـ3 أنهم توافقوا على ضرورة منع كل الإجراءات التي تقوض العملية السلمية أو حل الدولتَين.

فما هي الرسائل التي جاءت في قمة الحكمة الثلاثية؟ وكيف يمكن البناء على النهج والأدوات والأهداف التي رسختها قمم زعماء الإمارات ومصر والأردن؟

قراءة استباقية

من يقرأ البيان الصادر عن قمة العقبة في مارس الماضي، أو بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، الأحد، يتأكد له أن الزعماء الـ3 لهم قراءة مشتركة ونهج واحد وأهداف متطابقة للتعامل مع الأزمات، سواء القائمة منذ عقود في منطقة الشرق الأوسط، مثل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو في التعامل مع التحديات والأزمات الطارئة، مثل جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، وأرسل الزعماء الـ3 من قصر الاتحادية بالقاهرة رسائل هامة للمنطقة والعالم منها:-

علاقات راسخة

أولاً: إن العلاقات بين الدول الـ3 قوية وراسخة ومتشعبة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو أمر طبيعي في ظل العلاقات الوثيقة والتاريخية التي تجمع البلدان الـ3 على المستويَين الرسمي والشعبي، والتشابك الحضاري الممتد بينها.

كما كشفت القمة أن الدول الـ3 تستعد لمرحلة جديدة لتعزيز التعاون البناء بين شعوب الدول الـ3، والانطلاق معاً نحو آفاق واسعة من الشراكة الاستراتيجية التي تؤسس لعلاقات ممتدة، وتحقق المصالح المشتركة، وتصب في خانة تعزيز العمل العربي المشترك.

فالنهج الذي تقوم عليه مثل هذه القمم والتي يتوقع لها أن تضم زعماء آخرين في المستقبل، كما كان في قمة العقبة، يؤكد الاقتراب الشديد من معادلة راسخة تعزز الأمن القومي العربي بمفهومه الواسع، الذي يشمل ملفات اقتصادية واجتماعية، وذلك لمصلحة الشعوب الشقيقة في الدول الـ3، وبما يعظم استفادتها من الفرص والإمكانات الكامنة في علاقات التعاون بينهم، ويضيف مزيداً من الزخم إلى هذا التعاون المثمر في القطاعات المختلفة، ناهيك عن أن هذه العلاقات، تمثل حجر الأساس للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، وإعادة التوازن للمنطقة، وذلك في ضوء الأهمية المحورية للإمارات ومصر والأردن إقليمياً ودولياً.

إرادة مشتركة

ثانياً: ما صدر عن القمة، يؤكد أن لدى قادة الدول الـ3 من الحكمة والإرادة السياسية المشتركة، لمواجهة كافة التحديات التي يمكن أن تؤثر سلباً على حياة المواطنين واحتياجاتهم وتطلعاتهم المستقبلية.

فرسالة هذه القمة للشعوب الـ3، ولكل الشعوب العربية، تقول بوضوح أن كافة التحديات وخاصة التي تتعلق بأمن الطاقة والأمن الغذائي، وهي قضايا في صلب اهتمامات الشعوب العربية، تأتي في صدارة أولويات واهتمامات قادة الدول الـ3، ومن يراجع الفترة الماضية منذ ظهور جائحة كورونا، يتأكد له أن الدول الـ3 من أكثر دول المنطقة والعالم، التي تعاملت بحكمة شديدة مع تداعيات أزمة كورونا، وهو ما أشادت به المؤسسات الصحية والاقتصادية الدولية، فوفق وكالة «بلومبيرغ» تصدرت الإمارات قائمة دول العالم التي تعاملت بمرونة مع جائحة كورونا.

الدعم المتبادل

ثالثاً: الدعم المتبادل بين الدول الـ3، فمصر لا تترك مناسبة إلا وتؤكد من خلالها على الارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري، والأمن القومي الخليجي والإماراتي، وأن أمن واستقرار الإمارات هو من صميم الأمن القومي المصري والعربي، وأن مصر تقف في المكان ذاته والخندق نفسه الذي تقف فيه دولة الإمارات، وبالروح نفسها تتعاطى الإمارات مع كل ما يتعلق بمصر، ولهذا لا يمكن لمصر والشعب المصري أن ينسى الدعم الدائم والمستمر من جانب الإمارات، لإرادة الشعب المصري ودعمه في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية. ولهذا شكلت العلاقة بين البلدَين نموذجاً للعلاقات العربية – العربية، القائمة على الوقوف معاً ضد كل التحديات والمخاطر، التي تواجه الأمن القومي العربي، ويمكن القول إن العلاقة المتميزة الآن بين القيادتَين والشعبَين المصري والإماراتي، إنما هي استمرار لمسيرة العلاقات الوثيقة والمتميزة بين البلدَين، وما يجمعهما من مصير ومستقبل واحد، تلتقي معهما وبالقوة نفسها والإرادة مملكة الأردن ورؤية الملك عبدالله الثاني.

إقرأ أيضاً..لبنان.. برلمانيون يرفضون دراسة مشروع قانون «الكابيتال كونترول»

نهج السلام والاستقرار

رابعاً، تأكيد الزعماء الـ3 على أن المنطقة العربية والشرق الأوسط، عانت الكثير من الصراعات والخلافات خلال العقود والسنوات الماضية، وأنه حان الوقت ليحل السلام والاستقرار والابتعاد عن الحلول الأحادية، التي تؤدي لمزيد من التوتر والصراع في المنطقة.

فالدول الـ3 لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ومن خلال بيان الرئاسة المصرية، توافق القادة الـ3 على توجيه رسالة واضحة معناها الوحيد أن المنطقة لا تحتاج مزيداً من التأزم والمشكلات، وأن السلام والاستقرار والبحث عن حلول دبلوماسية وسياسية للصراع، هو المنهج الوحيد الذي تعمل عليه القاهرة وأبوظبي وعمان، من إحلال السلام والاستقرار الدائم، ومنع انزلاق المنطقة إلى توترات ومشاحنات في ظل أن العالم لم يتعافَ بعد من الأزمات الصحية والاقتصادية العالمية، خاصة وأن البيان الرئاسي المصري شدد على التنسيق القائم بين الدول الـ3 في هذا الإطار، وذلك في ظل التطورات التي تشهدها مدينة القدس، وأهمية استدامة الجهود لاستعادة الهدوء في القدس، وضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في الحرم القدسي الشريف، وضرورة إيجاد أفق سياسي للعودة إلى مفاوضات جادة وفاعلة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتَين ووفق القانون الدولي.

المؤكد أن تكرار هذه القمم ووضع تصورات مشتركة للتعامل مع المشاكل والتحديات الراهنة والمستجدة، يصب في صالح ليس فقط شعوب مصر والإمارات والأردن، بل في مصلحة جميع الشعوب العربية وشعوب الشرق الأوسط جميعاً.