تواصِلُ السعودية وإيران استئناف جلسات التفاوض بينهما، للتخفيف من توتر العلاقات بينهما، بعد 6 سنوات من انقطاع العلاقات الدبلوماسية، حيث عقدا جلسة مفاوضات الخميس الماضي، وصفها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، بأنها كانت ممتازة، مضيفاً أنه من المتوقع أن تنتقل للمستوى الدبلوماسي بدلاً من الأمني خلال الأيام القليلة المقبلة، وبعيداً عن التفاؤل العراقي، أوضح محللون سياسيون واستراتيجيون عرب لـ«الرؤية» أنهم يستبعدون إمكانية أن يفضي ذلك الحوار إلى جديد، بسبب سياسة طهران العدوانية.
اختيار العراق
يقول أستاذ العلوم السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور بشير عبدالفتاح، إن هناك حواراً سعودياً إيرانياً بوجه عام في محاولة لتخفيف حدة التوتر، وإيجاد مصالح مشتركة بين الجانبين، ومنع تصاعد التطورات إلى مستوى المواجهة، وتقليص النفوذ الإيراني، فهذا موجود منذ زمن بين الطرفين. وأضاف «العراق ساحة لإمكانية اندلاع تطورات لوجود السنة والشيعة، ولهذا اختيرت لإجراء هذا الحوار، والسعودية لديها رغبة في تقليل نفوذ إيران الإقليمي، والعراق أبرز نقاط تمركز النفوذ الإيراني في المنطقة، ولذا جاء اختيار العراق ليعكس حرص السعودية على أن تعيد العراق للحاضنة العربية مجدداً، من خلال توثيق التعاون السعودي العراقي، وتقليل النفوذ الإيراني، ومن هنا جاء الحوار بين إيران والسعودية، بألّا يتحول العراق لساحة للمواجهة أو حرب بالوكالة بين إيران والسعودية». وتابع: «حاولت السعودية أن تضخ استثمارات ومشروعات، وتفتح مجال للتجارة مع العراق، في محاولة لأن تعرف العراق أن مصالحه بشكل أكبر مع الدول العربية، وأنه لا فائدة من علاقته مع إيران، في ظل تدخل طهران ومليشياتها، التي تعمل على زيادة التوتر في العراق، بينما الدول العربية تضخ استثمارات ومصالح، وبالتالي العراق يعود للحاضنة العربية مجدداً، بدلاً من أن يترك لقمة صائغة لإيران».
نهج إيران في المفاوضات
وأضاف «إيران دائماً في الحوارات تطلق الشعارات، ويكون لها حسابات مختلفة، تقوم بالجولات والزيارات والمفاوضات، لكن الذهنية الإيرانية من الصعب إدراك أبعادها، وفي نفس الوقت نجد أن المفاوضات تفضي إلى لا شيء في النهاية، بدليل أن المفاوضات النووية على سبيل المثال رجعت للمربع رقم 1، ونفس الأمر مع السعودية، تعلن إيران أنها تريد السلام مع السعودية، وتريد الهدوء والسلام والابتعاد عن التوترات، لكن في النهاية نجدها لا تصل لشيء، وغالباً الحوارات والمفاوضات لا تسفر مع الإيرانيين لنتائج إيجابية ملموسة، بقدر كونها استهلاكاً واستنفاذاً للوقت، فالإيرانيون يريدون أن يظهروا وكأنهم دعاة سلام. وأردف: «التعويل على أمر المفاوضات والحوارات لا يأتي بنتيجة، وتصريحات وزير الخارجية العراقي عن أن الحوار السعودي - الإيراني في العراق كان ممتازاً، هي محاولة للهروب للأمام، فالأساس هي الأمور الأمنية، لأن إيران تتدخل في شؤون الدول العربية، وتكوّن مليشيات، ولها نفوذ أمني وعسكري داخل العراق وسوريا في المنطقة العربية، هذا هو الهدف، لكن بالنسبة للحوار على مستوى الدبلوماسية وعقد لقاءات مع سفراء وتبادل المفاوضات، ففي النهاية لن يكون لهذا انعكاس على الوضع الأمني والعسكري، وهذا هو المهم، فالمفاوضات لن تقلل نفوذ إيران في العراق.
الارتباط بالأوضاع الإقليمية والدولية
يقول المحلل السياسي الدولي العراقي عمر عبدالستار، إن الحوار السعودي - الإيراني في العراق، مرتبط بالتفاوض بين إيران وأمريكا فيما يتعلق بالاتفاق النووي، فهم وجهان لعملة واحدة. وفي تصريحات خاصة، أضاف «تقدم الحوار السعودي - الإيراني له علاقة بالملف الإقليمي الإيراني، مثلما التفاوض في الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة له علاقة بالملف الإقليمي، ولذلك طرح موضوع الحرس الثوري الإيراني، فهناك ربما تكون سياسة السعودية متشابه ومتكاملة في هذه النقطة مع سياسة أمريكا، فالرئيس الأمريكي جو بايدن، يريد أن يكسب تأييد الديمقراطيين والجمهوريين، ويفوز حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، لذلك لم يوقع على الاتفاق النووي بعد، والسعودية تريد أن تضغط إقليمياً من أجل أن تقبل إيران بشروطها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، والمملكة ربما تركز اليوم على اليمن». وتابع «الأمر مرتبط أيضاً بتداعيات أزمة أوكرانيا، فهي مهمة للغاية في هذا الموضوع، الذي يرتبط بعلاقة روسيا بالسعودية وبإيران، فموسكو لا تضع كل أوراقها مع طهران، فربما هذا يكون عاملا يؤدي إلى تطور المفاوضات والحوار بين السعودية وإيران بشكل إيجابي، أو عدم تطورها، والأمر الأخر هو أنه مع أزمة أوكرانيا لا تريد أمريكا ولا السعودية، أن تحدث إيران فوضى في المنطقة، لأن أي فوضى في المنطقة، ربما تخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وأردف «الذهاب للتفاوض الأمريكي الإيراني دون الوصول لحل، والتفاوض السعودي الإيراني، دون الوصول لحل، هو جزء من عملية امتصاص أي محاولة لإيران لتفجير الوضع، ربما حتى انتخابات التجديد النصفي بالكونغرس الأمريكي.
نزعة عدوانية
وقال المحلل الاستراتيجي والسياسي السعودي، اللواء عبدالله القحطاني، إن التجارب علمتنا بأن ثورة إيران لا تعطي شيئاً إطلاقاً له فائدة فيما يعود على الدول المجاورة في الأمن والاستقرار والتعايش، وحسن الجوار ونبذ الإرهاب، كل المؤشرات الحالية مع الدلائل السابقة تؤكد أن إيران نزعتها نزعة عدوانية مركبة على هذا النحو حيث لا تستطيع البقاء بدون هذه الخلافات المصطنعة، والمليشيات التي اختلقتها بالمنطقة العربية، في اليمن والعراق والشام، والخلايا النائمة قد لا نعلمها جميعاً، وبعضها معلوم، لكن التفاؤل هو دائماً شيء طبيعي، إنما لا يوجد أمامنا جميعاً أي مؤشر إيجابي على الأرض، لا في اليمن ولا في العراق، ولا أي مكان آخر يقول إن إيران لديها نية أن تكون دولة عاقلة وهادئة ولديها مشروع نهضة داخلي بالتعاون مع جيرانها للبناء والتنمية.. لا يوجد أي مؤشر على ذلك». وأضاف«الملف النووي الإيراني له تأثير كبير على علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية، خاصة السعودية، ولننتظر.. فالانتظار هو سيد الموقف، ومن المتوقع أن تكون هناك جولات جديدة قادمة من الصراع في اليمن مع مليشيا إيران هناك، وهذا سيعطي إجابة مثلما برز، بأن إيران لن ترعى السلام في هذه المرحلة.
تغييرات استراتيجية
واستطرد: «المعول عليه في تحريك الحوار السعودي- الإيراني، هي المملكة العربية السعودية، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في المملكة العربية السعودية، في أن يغير شيئاً استراتيجياً في المنطقة من خلال السياسة والدبلوماسية، والعلاقات الدولية، وهناك رغبة في تغيير أشياء كثيرة في العلاقات السعودية - الخليجية - الإيرانية، بهندسة وتخطيط الأمير محمد بن سلمان، فهو لا يتخذ الطرق التقليدية، ولا ينتهج أساليب السياسة القديمة العربية والإيرانية، فهو ينظر إلى ما هو أبعد، ولديه قدرات على ضبط المواقف وإقناع الطرف الآخر، سواء كان خصماً أو عدواً أو على خلاف معه، يقنعه في النهاية بصحة موقفه، ويجبره على أن يأتي إلى ما يريد».
خلاف وجودي
وواصل: «الوصول لنتائج من الحوار السعودي - الإيراني لا تزال في حدود الأمنيات، في مجال التفاعل، لكن ما يهمنا هو ما يجري على الأرض، هذا هو المحك، الوسيط العراقي سيكثر من الحديث عن وجود أجواء إيجابية ووجود توافقات، وأن السعي لاجتماع دبلوماسيين، وليس مجرد أمنيين.. هذا أمر جيد ويقال دائماً، لكن كل هذا لا يعني شيئاً مع إيران، فالمملكة تعرف إيران جيداً، وتعلم فكرها وعقيدتها، ونهجها السياسي، وبالتالي لا يمكن القول إن جلسة أو 10 جلسات ستفضي إلى أن تكون إيران دولة طبيعية.. إطلاقاً، طهران لا تريد أن تعطي شيئاً، وتفاوض من أجل التأخير والحصول على أهدافها، لكن ما يطمئننا هو تواجد السعودية على الطاولة، فلديها خبرة طويلة، وتفهم النهج الإيراني، وأيضاً لديها ما تقوله، وهو أن مشكلتنا ليست فقط في خلاف حدودي في أي مكان، وإنما خلاف وجودي وهو الإرهاب، لا يمكن لنا كسعوديين أن نتعايش مع إيران، وهي تدعم الإرهاب في المملكة العربية السعودية، والدول العربية».
إقرأ أيضاً..«قمة القاهرة».. دفاع متواصل عن الحق الفلسطيني ودعم العمل العربي
علاقات غير مستقرة
يقول الباحث السياسي العراقي الكردي الدكتور محمد زنكنه «العلاقات السعودية - الإيرانية لم تكن أبداً مستقرة، وكانت هناك العديد من الخلافات السياسية، بعضها يتم بصبغة مذهبية، وأخرى دينية استمرت لسنوات، وإيران تماطل ولديها العديد من الملفات العالقة، فلجنة تقصي الحقائق حول أربيل، أكدت أنه لا توجد قواعد عسكرية لإسرائيل في أربيل، وهذا يحرج إيران». وأضاف قائلاً «الحوار السياسي السعودي الإيراني، محاولة من إيران كي تكسب بعض الوقت لتظهر وكأنها مبادرة للسلام، وهذه المباحثات لن تحقق النتيجة المرجوة، ولكن الحكومة العراقية تحاول، في ظل خضوعها لسيطرة إيران». وتابع: «الأمر معقد ومتشابك، ولا يمكن أن يحل بين السعودية وإيران في جلسة أو جلستين، وبشكل عام كل تفاوض وتقارب بين وجهات نظر بين طرفين، بمساعدة طرف يحاول تقريب وجهات النظر هو أمر إيجابي، ومطلوب في كثير من الأحيان، لكنه لن يحقق النتائج المطلوبة.. الاختلافات أكثر بكثير من التقارب في وجهات النظر، وأمور العداء كبيرة، فلا فائدة من هذا الموضوع». ولفت إلى أن هناك تحركاً أمريكياً، وخصوصاً في فترة حكم الحزب الديمقراطي، لهدوء نسبي على الأقل في المنطقة العربية، ومن الممكن أن تفضي المفاوضات إلى هدوء نسبي مؤقت، وهذا سيتوقف على إيران. وتابع «محاولات الحكومة العراقية لن تحقق النجاح المطلوب، ولن نشهد في السنوات القريبة أي تقارب دبلوماسي أو سياسي بين الجانبين السعودي – الإيراني يلبي الطموح».
مصلحة عراقية
أما الباحث السياسي العراقي، الدكتور سالم مشكور، فقال "إن الحوار السعودي الإيراني حلقة جديدة سبقها حوارات سابقة جرت العام الماضي، للتقارب بين إيران والسعودية، وهناك موقف جديد وسياسة جديدة سعودية، في ظل السياسة الأمريكية الجديدة في عهد بايدن". وفي تصريحات خاصة، أضاف قائلاً: «من مصلحة العراق نجاح هذا الحوار، لأن الأرض العراقية أرض خصبة لانعكاس تأثرها بالنزاعات الإقليمية، ومن مصلحتها أن يكون هناك وئام بين دولتين كبيرتين جارتين، هذا سينعكس بالإيجاب على الساحة العراقية، فضلا عن أن العراق في قلب المنطقة العربية».