بين حكومة أغلبية وحكومة توافق، يواجه العراق عقدة سياسية أفرزت ثلاث محاولات فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية، كان آخرها جلسة برلمانية الأربعاء، واستمراراً في الخرق الدستوري، بعد ستّة أشهر من الانتخابات البرلمانية المبكرة، ودون حلّ في الأفق.
رفع البرلمان العراقي الأربعاء، «حتى إشعار آخر»، جلسته التي كان مقرراً أن ينتخب فيها رئيساً للجمهورية.. وتعطل انتخاب البرلمان حتى الآن لرئيس للجمهورية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسات نتيجة استمرار الخلافات السياسية.
منشأ هذه الخلافات يعود إلى إعلان نتائج الانتخابات المبكرة في أكتوبر. حينها، خرج التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد.
وفي العراق، تجري العادة على أن يتمّ تقاسم السلطة على مبدأ التوافق، وأن تشكّل القوى الشيعية مجتمعةً الكتلة الأكبر في البرلمان التي عليها اختيار رئيس للحكومة، لكن الصدر يريد الانقطاع عن ذلك التقليد.
وهو يكرّر مذّاك إصراره على تشكيل حكومة غالبية وعلى أنّه صاحب الكتلة الأكبر بتحالف ثلاثي باسم «إنقاذ وطن»، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتكتل أحزاب سنية أبرزها حزب بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، مع نحو 155 نائباً.
أما الإطار التنسيقي، وهو تحالف شيعي نافذ يضمّ كتلة «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح التي تنضوي تحتها فصائل موالية لإيران، فيرغب بحكومة توافقية بين جميع القوى الشيعية، كما جرت العادة.
ولحين تحقيق مطلبه، يقاطع نوابه الذين يفوق عددهم الـ130 جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ما حرم جلسة الأربعاء من نصاب الثلثين، وعطّل المسار السياسي.
أفق حلّ الخلافات
أثبتت جلسة البرلمان الثالثة، الأربعاء، والتصريحات السياسية التي تلتها مع تأكيد مقتدى الصدر عدم رغبته في «التوافق»، أنّ الحلّ لا يزال بعيداً.
ويشرح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري لـ(فرانس برس) أن «عدم تحديد موعد (للجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس) من قبل رئاسة البرلمان مؤشر إلى أنه لا آفاق لحلول في ما يرتبط بجلسة اختيار رئيس للجمهورية، ولا تقارب ما بين التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) وما بين الإطار التنسيقي الشيعي».
وفي بلد تقوم فيه السياسة فعلياً على تقاسم الحصص، ونفوذ السلاح، وتحلّ فيه الخلافات في الكواليس وليس في أروقة البرلمان، يعني تشبّث الطرفين الأساسيين بمواقفهما، أن الأزمة ستستمرّ لأشهر طويلة أيضاً.
وأفادت النائبة جوان عبدالله عمر من الحزب الديمقراطي الكردستاني في حديث لوسائل الإعلام بأن «المفاوضات مستمرة... لكن هناك خلافات متعددة بين القوى السياسية بخصوص تمرير رئيس الجمهورية».
ويوضح المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن «الطبقة السياسية قادرة على التفاوض لأشهر عديدة كما أثبتت لنا تجارب تشكيل الحكومات السابقة، إلّا في حال كان هناك تهديد خارجي مثل تنظيم داعش عام 2014، لدفع الزعماء السياسيين للتوافق فيما بينهم بشكل أسرع».
ويضيف: «سيستمرون إلى أطول وقت ممكن ليحصلوا على ما يريدون، حتى ولو كان ذلك يعني تخطي المهل الدستورية، كما يحصل مع انتخاب رئيس للجمهورية منذ فبراير هذا العام».
الدستور
ينص الدستور على وجوب انتخاب رئيس للجمهورية خلال 30 يوماً من عقد البرلمان جلسته الأولى، أي في هذه الحال في 9 يناير. ويشرح الخبير القانوني العراقي أحمد الصوفي لـ(فرانس برس) أنه بمجرد تخطي «تاريخ 9 فبراير، أصبحنا أمام مخالفة دستورية».
ويرى أنه طالما لا يزال البرلمان غير قادر على التوافق، يعني ذلك أن المخالفة الدستورية متواصلة. في هذه الحال، لا أفق إلّا بتوافق سياسي.
ولا تستطيع المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلاد في هذه الحال، سوى الإدلاء برأي واحد، وفق الصوفي، وهو أن «البرلمان خالف الدستور لعدم انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة وعلى مجلس النواب أن ينتخب خلال فترة وجيزة رئيساً للجمهورية».
وأضاف: «ليس لدى المحكمة الاتحادية أي صلاحية أخرى» غير «تحديد المخالفة الدستورية».
قانونياً، ليس أمام البرلمان سوى حتى السادس من أبريل لانتخاب رئيس، إثر قرار من المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وإذا تخطى هذا التاريخ، ليس في الدستور ما يحدّد كيفية التعامل مع المسألة، ولذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة في حال لم تتوصل الأطراف المعنية لاتفاق.
الأمر إذاً ليس بيد القانون، بل بيد الطبقة السياسية.
اقرأ أيضاً.. «انتخابات مبكرة».. تداعيات فشل البرلمان في اختيار الرئيس العراقي
وفي حال تواصل الانسداد السياسي، قد يجري اللجوء إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة. هذا يحتاج إلى أن يعرض «ثلث أعضاء البرلمان حلّه أمام المجلس النواب، ثم يصوت المجلس نفسه بالنصف + واحد، ويحل البرلمان نفسه».
لكن يرى المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أنه «لا توجد رغبة سياسية بين الأحزاب للقيام بذلك، وكما أظهرت المشاركة الانتخابية في الاستحقاقيين الانتخابين الماضيين، لا توجد رغبة كبيرة في أوساط العراقيين أيضاً، للذهاب والتصويت أيضاً».