جاءت قمة النقب، بحضور وزراء خارجية 4 دول عربية، هي دولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر والمغرب، بالإضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، في أول أولويات جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالشرق الأوسط، في وقت تشهد فيه الساحة العالمية الحرب الأوكرانية وتداعياتها، وإقليمياً يأتي الاتفاق النووي الإيراني وتصاعد التوتر في بؤرة الاهتمامات في الشرق الأوسط. وبالطبع فإن قمة النقب، تكتسب أهمية كبيرة في ظل هذه الأوضاع الدولية والإقليمية، وتمثل موقفاً متقارباً من دول المنطقة، تجاه تلك القضايا، بينما تحاول واشنطن حشد الدعم لسياستها، وتؤكد دول المنطقة على أولوياتها وسياساتها، ومخاوفها الأمنية. وإذا كانت قمة النقب هي لقاء دبلوماسي رفيع وهام، فإنها تُعد أيضاً مؤشراً هاماً على المرحلة الجديدة التي تشهدها المنطقة، والتقارب بين دولها، في مواجهة التهديدات والتحديات المشتركة.
أحمد سيد أحمد: جولة بلينكن رسالة طمأنة أمريكية
يقول الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، إن جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تأتي في توقيت مهم يرتبط بالحرب الأوكرانية، وقرب الوصول لاتفاق نووي بين أمريكا والغرب وما بين إيران.وفي تصريحات خاصة قال: «بالنسبة للحرب الروسية - الأوكرانية، فإن الجولة تستهدف تحقيق اصطفاف عربي وإقليمي، بجانب الموقف الأمريكي، فيما يتعلق بالعقوبات على روسيا، ومواجهة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، خاصة أن الدول العربية ومعظم دول المنطقة يتسم موقفها بأنها وقفت على الحياد، والأمر الثاني هو تبني دول المنطقة، الدول العربية سواء مصر أو الإمارات والسعودية، فكرة البحث عن الحوار والدبلوماسية، لحل الأزمة، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، وبالتالي ترى الدول من وجهة نظرها أنها ليس لها مصلحة في هذا الصراع، وإنما هو صراع استراتيجي بين روسيا من جانب، والمعسكر الغربي والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطي "الناتو" من جانب آخر، فالدول العربية لديها مصالح مختلفة مع كافة الأطراف».
وتابع قائلاً: «بلينكن يحاول استمالة أو دفع الدول العربية ودول المنطقة إلى اتخاذ موقف منحاز لأمريكا، والاصطفاف للمعسكر الخاص بأمريكا ضد روسيا، لكنه لن ينجح في هذا الهدف، لأن الدول العربية عامة، والدول في المنطقة اتخذت موقفاً على الأقل يراعي مصالحها بالأساس، وهي تعلمت جيداً أنه من المصلحة عدم الاصطفاف لأحد المعسكرين، بما يؤدي إلى خسارة المصالح مع المعسكر الآخر».
واستطرد قائلاً: «يستهدف بلينكن أيضاً ملف إيران، حيث يحاول إرسال رسالة طمأنة للجانب العربي، خاصة الجانب الخليجي، وإسرائيل أيضاً، بأن أمريكا ملتزمة بتحقيق الهدف الأساسي من الاتفاق النووي، ألا وهو منع امتلاك إيران للسلاح النووي، الأمر الثاني يؤكد أن استراتيجية أمريكا في مواجهة التدخلات والأدوار الإقليمية لإيران في المنطقة مستمرة، ويطمئن أيضاً بأن مطالب إيران برفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للإرهاب التي أقرّها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2019 ما زالت مستمرة، ولن يتم رفع الحرس الثوري من هذه القائمة، فهو يعطي رسائل طمأنة، خاصة أن هناك تخوفاً لدول الخليج، وإسرائيل، ويحاول كذلك إيضاح الصورة فيما يتعلق بعودة الاتفاق النووي الإيراني 2015».
واعتبر أن هذه الضمانات في مواجهتها تحديات، خاصة أنه حتى الآن هناك ضبابية في الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي، وهناك محاذير ومخاوف مشروعة من دول المنطقة، فيما يتعلق بعدم شمولية الاتفاق النووي لعدد من الملفات الأُخرى، مثل ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية، ودور إيران المزعزع للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وأن التركيز فقط على البعد النووي لن يمنع إيران من أن تقوم بأي خطوة في أي لحظة في تخصيب اليورانيوم، بما يعني قدرتها على امتلاك السلاح النووي، فالدول العربية لديها تحفظات حقيقية على الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، الذي تستهدف أمريكا و إيران العودة إليه، وهو ما سيُواجه به بلينكن بتساؤلات كثيرة من حلفائه في المنطقة.
إقرأ أيضاً.. خاص | هل تحدث جولة بلينكن اختراقاً في جدار الحياد العربي؟
قمة النقب
وأوضح، أن إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن مستمرة في قطار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، رغم أنه تم بشكل واسع في عهد ترامب، فإنه شهد بعض التباطؤ مؤخراً، ولم يحدث تطور آخر في إدارة بايدن، بعد ما يقارب من عام ونصف من توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الوزير بلينكن يريد أن يطمئن إسرائيل بأن أمريكا ملتزمة بدعم هذا المسار، وهو تطبيع العلاقات انطلاقاً من توطيد الأوضاع وهندسة التحالفات الأمنية في المنطقة بما يواجه التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وأشار أحمد، إلى أن هذه الجولة ربما لا تحقق كل أهدافها، في ظل عدم وجود شواهد أو أفعال حقيقية من الإدارة الأمريكية لطمأنة الحلفاء في المنطقة، وهناك مخاوف ومحاذير وتحفظات كثيرة، فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية، خاصة أن إدارة بايدن، تراجعت عن الاهتمام بالشرق الأوسط، وتراجعت في أجندتها الخارجية مقابل الاهتمام بملفات أُخرى كالصين، والآن أمريكا منشغلة بالحرب في أوكرانيا ومواجهة روسيا، وهذا ربما يؤدي إلى فراغات في المنطقة، قد يدفع دول إقليمية مثل إيران إلى ملئها، ومن ثم هناك قلق، وجولة بلينكن ستحاول -على الأقل- تقديم بعض الإجابات، لكنها لن تكون شافية وكافية في مواجهة أسئلة دول المنطقة.
ولفت، إلى أن الدول الخليجية كانت تنتظر أن يكون هناك تعهدات من قبل إدارة بايدن، لتعزيز ودعم أمن دول الخليج، وأن تبادر إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة التهديدات التي تهدد أمن المنطقة، ومنها تهديدات الحوثي الإرهابية التي استهدفت مؤخراً منشآت أرامكو في جدة، خاصة وأن تراجع الإدارة الأمريكية عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أدى إلى نتائج عكسية، في دفع الحوثي للمضي قدماً في مزيد من العمليات الإرهابية لمهاجمة السعودية والإمارات.
ولفت إلى أن هناك حالة من الامتعاض لدى الدول العربية من سياسة بايدن التي حفزت وشجعت دولاً مثل إيران، أو وكلائها في المنطقة إلى مزيد من التدخلات، ومن ثَمّ عدم الاستقرار في المنطقة، والإدارة الأمريكية الحالية تتسم سياستها بالضبابية في الشرق الأوسط، مما أدى إلى شروخ في العلاقات مع حلفائها، ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما أيضاً في أوروبا، كما رأينا هناك حالة من الامتعاض بسبب الازدواجية الأمريكية، عندما انتفضت لأوكرانيا، بينما لم تنتفض للتهديدات التي تواجهها المملكة العربية السعودية، والإمارات، كما أن أمريكا سعت للانسحاب من المنطقة من سوريا والعراق، دون تقديم ضمانات بعدم عودة تنظيم داعش مرة أُخرى، لذا يحاول بايدن من خلال عدة طرق، منها جولة بلينكن، إعادة ترميم هذه التباعدات في العلاقة بين أمريكا، ودول المنطقة، خاصة الدول الخليجية، وهذا لن يتحقق فقط بمجرد الأقوال والطمأنة، وإنما يحتاج إلى أفعال حقيقية من جانب إدارة بايدن، لتعزيز الأمن الإقليمي وأمن منطقة الخليج.
إقرأ أيضاً..عبدالله بن زايد يلتقي يائير لابيد في أول زيارة رسمية إلى إسرائيل
عبدالله العساف: بلينكن لم يزر دول الخليج لأن العلاقة متأزمة بين الطرفين
إقرأ أيضاً..فلسطين: فتح تكتسح المرحلة الثانية للانتخابات المحلية وتهاجم حماس
طارق فهمي: جولة بلينكن لا تحمل ضمانات أمريكية