إذا رسمنا خطاً مستقيماً بين مناطق الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط، خاصة منطقة المشرق العربي التي تضم سوريا والعراق ولبنان، سوف يتأكد لنا أنها لا تزيد على 1000 كلم فقط، وهو ما يعكس حجم وطبيعة التحديات والارتدادات الضخمة على هذه الدول، وحدد البنك الدولي 5 مجالات رئيسية في الاقتصاد سوف تؤثر سلبياً على غالبية الدول العربية، وهي تتعلق بشكل رئيسي بارتفاع أسعار الغذاء خاصة أسعار القمح والحبوب وعباد الشمس، وزيادة أسعار النفط والغاز إلى مستويات قياسية لم تصلها أسعار الطاقة منذ عام 2008، وعزوف المستثمرين عن المخاطر، وجنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة، ما يؤثر على تدفقات رؤوس الأموال، خاصة بالنسبة للأسواق الصاعدة في المنطقة العربية، وتراجع تحويلات المغتربين العرب في الخارج، التي شهدت مستويات قياسية قبل جائحة كورونا، إضافة إلى تراجع معدلات السياحة خاصة القادمة من روسيا وأوكرانيا للمنطقة العربية. ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الحرب إلا أنها ليست الوحيدة التي تحدق بالمنطقة التي بدأت تعاني تداعيات سياسية وأمنية خطيرة، فما هي حدود وأبعاد الحرب الأوكرانية الروسية على المنطقة العربية؟ وكيف يمكن الحفاظ على المصالح العربية في ظل مخاوف من توسع دائرة الحرب وتمددها وإطالة أمدها؟
تداعيات أمنية على العراق
العراق من الدول الكبيرة في تصدير النفط وعضو في منظمة أوبك، ويصدر يومياً نحو 3.2 مليون برميل من النفط، بحسب وزارة النفط العراقية، ومع ارتفاع أسعار برميل النفط فوق 112 دولاراً، سوف تحقق الميزانية العراقية زيادة في الدخل بنحو 25 مليار دولار في عام 2022، أكثر من الدخل الذي تحقق من النفط في عام 2021، لكن القطاع النفطي العراقي قد يتأثر سلباً بتداعيات العقوبات الغربية على شركات النفط الروسية التي تعمل في العراق، حيث تمتلك شركة روس نفط 60% من خط نقل نفط كردستان، كما تقوم نفس الشركة بمد خط جديد للغاز لنقل نحو 30 مليار متر مكعب من الغاز لأوروبا، وتستثمر الشركات الروسية، مثل لوك أويل، وغاز بروم، وروسنفت، في حقول «غرب القرنة 2» و«بدرة» و«بلوك» وبعض حقول كردستان.
عسكرياً سوف تؤثر الحرب في أوكرانيا سلباً على غرفة العمليات المشتركة لمكافحة داعش في العراق وسوريا، التي تشارك فيها روسيا بالمعلومات الاستخبارية، التي تعد عاملاً هاماً في القضاء على فلول داعش، كما قد تتسبب الحرب في تعطيل بعض برامج التعاون العسكري بين العراق وروسيا خاصة حول تسليم «منظومة إس 300» الدفاعية الروسية. ووفق وسائل إعلام عراقية فإنه جرى وقف 5 برامج تدريبية وتسليحية بين روسيا والعراق على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
سياسة النأي بالنفس
أسرع الدول التي تأثرت بالحرب الروسية الأوكرانية هي لبنان، حيث شوهدت طوابير الخبز والزحام قبل مرور الأسبوع الأول على بدء الحرب؛ نظراً للاعتماد اللبناني الشديد على القمح الأوكراني، لأن لبنان يستورد بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80% منها تأتي من أوكرانيا، كما تعاني جميع القطاعات الاقتصادية اللبنانية من ارتفاع أسعار المحروقات، خاصة المازوت، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. لكن الأخطر أن الحرب عززت حالة «الانقسام السياسي» في لبنان بعد أن أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً أدانت فيه «الغزو الروسي» لأوكرانيا، في حين رفض الفريق الآخر المنتمي لحزب الله هذا الموقف، وطالب الخارجية اللبنانية بالالتزام بسياسة النأي بالنفس وعدم دعم أي طرف من طرفَيْ النزاع، وهو ما تسبب في جدل كبير في البلاد، رفض خلاله وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، التنازل أو التراجع عن موقفه، وقال في بيان «لبنان عانى من التدخلات الخارجية ولا يمكن أن يبرر اجتياح دولة لدولة أُخرى»، وهو موقف ترفضه بالكامل الأحزاب التي تنتمي لما يسمى بالمقاومة التي تدعم علانية الموقف الروسي.
سوريا في عين العاصفة
أكثر الدول العربية المنخرطة في الصراع الروسي الأوكراني هي سوريا، سواء على المستوى الميداني أو السياسي، وتتأثر سوريا بالأزمة الأوكرانية في عدد من الملفات وهي:
أولاً: سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي أيدت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا دون أي شروط أو تحفظ، وعارضت القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو القرار الذي أدان دخول روسيا أوكرانيا.
ثانياً: سوف ينخرط السوريون في العمليات العسكرية مع طرفَيْ الصراع في أوكرانيا، الفريق السوري الأول وهو الموالي للحكومة السورية سوف يساعد روسيا بعد أن اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بتسهيل وصول المتطوعين من الشرق الأوسط «السوريين» الذين قاتلوا بجانب القوات الروسية في سوريا للقتال على الجبهة الأوكرانية، بينما الفريق السوري المناهض للحكومة السورية سوف يدعم الجيش الأوكراني، حيث تقوم الولايات المتحدة بتدريب عناصر من مناطق شرق الفرات وغيرهم من السوريين للقتال بجانب الجيش الأوكراني، وفق بيان المخابرات الخارجية الروسية التي قالت إن الولايات المتحدة تتخذ من قاعدة «التنف» قرب الحدود السورية العراقية الأردنية مكاناً لتدريب المتطرفين قبل نقلهم إلى أوكرانيا.
ثالثاً: سوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتواجد على أراضيها القوات الروسية والأمريكية، فالقوات الأمريكية توجد في شمال وشمال شرق سوريا وشرق نهر الفرات، وفي نهاية عام 2015 أرسلت الولايات المتحدة نحو 2000 جندي أمريكي إلى سوريا لمحاربة تنظيم داعش، لكن في 19 ديسمبر 2018 بدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في تقليص عدد القوات الأمريكية في سوريا، التي تنتشر بشكل خاص في المناطق التي تسيطر عليها قوات محلية يطلق عليها «قوات سوريا الديمقراطية» وغالبيتها من الأكراد السوريين، وتنتشر القوات الأمريكية في عدة محافظات أبرزها محافظة الحسكة بالقرب من الحدود العراقية التركية، وفي منطقة «الشدادي» الواقعة بين محافظتَيْ الرقة ودير الزور، كما يتواجد الأمريكيون في موقع مدينة كوباني، التي شهدت موقعة تاريخية بين داعش والقوات الكردية عام 2015. بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
على الجانب الآخر تتواجد القوات الروسية منذ 30 سبتمبر 2015 في قواعد عسكرية، مثل حميميم واللاذقية، ويعمل الطرفان الأمريكي والروسي ضد بعضهم البعض على الأراضي السورية، حيث كشفت وزارة الدفاع الأمريكية أن الطائرات الروسية التي تنطلق من سوريا في شرق البحر الأبيض المتوسط اعترضت 3 طائرات استطلاع أمريكية، وكانت الطائرات الروسية قريبة للغاية من الطائرات الأمريكية، وهو ما شكل تهديداً خطيراً، وفق شبكة «سي إن إن»، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الأمريكية لإبلاغ روسيا رسمياً بالمسارات الجوية التي تسير فيها الطائرات الأمريكية.
وتنذر هذه الحوادث واقتراب الجانبين عسكرياً بعواقب وخيمة، حسب بيان لوزارة الدفاع الأمريكية، الذي قال إن الطائرات الأمريكية الثلاث، وهي من طراز «آي بي 8» لم تتعرض لأذى، لكن الخطير في الأمر ما كشفه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الكابتن مايك كافكا، الذي قال إن اعتراض الطائرات الروسية لنظيرتها الأمريكية جرى شرق المتوسط في المياه الدولية، وليس أمام المياه الإقليمية السورية، وهو ما يعني وجود تعقب لنشاط كل طرف من الجانب الآخر.
رابعاً: اتهمت روسيا رسمياً المخابرات الأمريكية في سوريا بالتعاون مع مجموعات مسلحة متطرفة للقيام بعمليات عسكرية ضد القوات الروسية في سوريا، وفق ما نقلت وكالة تاس الروسية، وقالت إن الجيش الروسي في سوريا لديه المعلومات عن خطة أمريكية لتعبئة خلايا نائمة لمتطرفين للقيام بهجمات عسكرية ضد الجيش الروسي في سوريا، وإن القوات الروسية في سوريا تتخذ إجراءات مناسبة للتعامل مع أي حوادث محتملة من هذا النوع، وإن أبرز المناطق التي تعمل المخابرات الأمريكية على استهداف الجيش الروسي فيها هي العاصمة دمشق وريفها، بالإضافة لمنطقة اللاذقية والساحل السوري، وفق ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سير ومولوتوف.
خامساً: وجدت الجماعات المتطرفة في سوريا في الحرب الأوكرانية الروسية وانشغال روسيا بهذه الحرب فرصة كبيرة للعودة والظهور في العديد من المناطق السورية، مثل دير الزور. بحسب معلومات مركز المصالحة الروسي في حميميم.