قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط إن من يقف بالتأمل والتدبر أمام التجربة الصعبة التي مرت بها منطقتنا العربية في العقد المنصرم، سيدرك أن تماسك النسيج الوطني يعد الحصن الأهم الذي يحفظ وجود الدولة واستمرارها. وفي كلمته خلال المؤتمر الرابع للبرلمان العربي السبت، بحضور عدد من رؤساء البرلمانات العربية، والبرلمانيين العرب، أضاف أبو الغيط قائلا «شهدنا بأسف، دولاً عربية تتحلل مؤسساتها، وتنفصم عُرى وحدتها، فتصير نهباً لتدخلات خارجية وإقليمية، وساحة لمنافسات وأطماعٍ أجنبية، ولا شك أن هذه التدخلات وتلك الأطماع تجد فرصتها عندما يضعف النسيج الوطني، وتتراجع قيمة الدولة الوطنية، الحاضنة لجميع مواطنيها، والقائمة على المساواة الكاملة أمام القانون، وعلى الحكم الرشيد».
وتابع «التحديات التي تواجه الدول الوطنية العربية تفرض علينا جميعاً التيقظ والانتباه لمُخططات تستهدف تقسيم المجتمعات على أساس طائفي، أو عرقي أو ديني أو مناطقي، بحيث تفقد المواطنة الحديثة في دولة القانون معناها وقيمتها، ويتحول المواطن إلى عضوٍ في هذه الجماعة أو تلك الطائفة، قبل أن يكون مواطناً، وفي هذا يكمن الخطر، كل الخطر». واستطرد«المواطنةُ في الدولة الحديثة هي مناط الحقوق والواجبات، ومحل الانتماء والولاء، وهي الرابطة الأساسية التي تجمع أبناء الوطن الواحد، وتوحد بينهم.. ولا شك أن البرلمانات هي التجسيد الحي لقوة هذه الرابطة، والدليل العملي على حيوية تلك الوحدة، واستمراريتها»
خطر الإرهاب
وأشار إلى أن للبرلمان العربي صوتاً عالياً في رفض أخطر التهديدات التي تواجه مجتمعاتنا، الإرهاب والفكر المتطرف الذي يتغذى عليه الإرهاب، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة الخطيرة تنشط وتستفحل في مناطق الأزمات، بما يصاحبها من فراغ أمني وسياسي، وتشرذم اجتماعي. وقال «يتعين على البرلمان العربي أن يستمر في التعبير عن صوت الشعوب في رفض الإرهاب بكافة ألوانه وتجلياته، وبحيث تصل هذه الرسالة أيضاً إلى أصدقائنا عبر العالم، ليعرفوا أن الغالبية العظمى من شعوبنا تتبرأ من الفكر المتطرف والتكفيري، وترفض جماعات القتل باسم الدين، وأن العمل البرلماني في كافة الدول العربية لا يغفل هذه الظاهرة بل هو يتصدى لها في كل مناسبة، ويواجهها على نحو متواصل ومتضافر».
وأوضح، أن مواقف البرلمان العربي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعن الحق الفلسطيني الراسخ في الحرية وإقامة الدولة المستقلة، تظل رصيداً مضافاً لهذه القضية المركزية، فمواقفه تعكس شعور المواطن العربي، وتُعبر تماماً عما يشعر به من رفض واستهجان لما يكابده الشعب الفلسطيني يومياً من عنصرية مقيتة، وسياسات لا يُمكن وصفها سوى بالتطهير العرقي، مشيرا إلى أن دورهم في التواصل مع المجالس النيابية والبرلمانات عبر العالم يظل محورياً في كسب معركة الرأي العام على صعيد المجتمع الدولي، سواء بالتضامن مع الأصدقاء الذين يتزايد اقترابهم كل يوم من رؤية الأوضاع في فلسطين على حقيقتها، أو بعرض مواقفنا العادلة على من لا يعرفون بما يجري في فلسطين، أو يقعون تحت التأثير الطاغي للآلة الإعلامية للقوة القائمة بالاحتلال.
دور البرلمان العربي
ولفت أبو الغيط إلى أن الجامعة تعلق على البرلمان العربي أهمية كبيرة باعتباره تجسيداً لركن جوهري في منظومة العمل العربي المشترك، هذه المنظومة لا ترتكز على التنسيق السياسي وحده، ولا تتناول الموضوعات الدبلوماسية والسياسية دون غيرها، بل هي إطار شامل لعددٍ متشعب من الروابط والعلاقات التي تجمع الدول العربية، والشعوب والمجتمعات العربية، على أكثر من صعيد، وفي مجالات متنوعة تشمل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي، وفي هذه المنظومة، فإن صوت الشعوب لابد أن يكون حاضراً ومؤثراً، وهو ما يجسده البرلمان العربي، و يعبر عنه في اجتماعاته المشتركة، ومواقفه العلنية، وتحركاته على الصعيد الدولي.
وأشار إلى أن دور البرلمان العربي يعكس معنى مهم وقيمةً ضرورية في العمل العربي، وهي قيمة الحكم الرشيد كأساس للنهضة الشاملة، وكركيزة للاستقرار والتنمية، ولا شك أن مؤسسات التمثيل والتشريع والرقابة، ممثلة في البرلمانات، تُعد ركناً أساسياً في منظومة الحكم الرشيد الذي يقوم على إشراك الشعوب في العملية السياسية والتنموية، باعتبار أن الإنسان هو جوهر العملية التنموية وأداتها، وهو أيضاً من يجني ثمارها في تحسين جودة حياته، وتوسيع هامش الفرص التي تتوفر له ولأبنائه.
وأوضح، أننا جميعاً نرصد توسعاً في دور البرلمانات في دول العالم المختلفة، باعتبارها الساحة المُثلى للتعبير عن إرادة الشعوب، والناقل الحقيقي لصوت الجمهور، وبرغم كل ما يُقال عن انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي، وتضخم تأثيرها في التعبير عن الرأي العام، إلا أنه مازال مقتنعا بأن المؤسسات النيابية تظل هي القناة الحقيقية الواصلة بين الشعوب والحكومات، والضامن لعدم اتساع الفجوة بينهما.. فلا تصير الحكومة، وخططها وأهدافها، بعيدة عن آمال الشعب وطموحاته، ولا يصير الشعب، بتطلعاته ورغباته، بعيداً عن الحكومة وبرامجها وسياساتها.