الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

حوار | خبير عالمي في الاتصالات: الأمن السيبراني «قضية وجود»

حوار | خبير عالمي في الاتصالات: الأمن السيبراني «قضية وجود»

لا مفر من تعاون شامل لحماية مجتمعاتك وأصولك من الهجمات السيبرانية

«حرب الوكلاء» يتصدر تحديات تحقيق الأمن السيبراني

كوريا الجنوبية تخطط لنشر التكنولوجيا «6G» في 2030

نصيب أوروبا من إنتاج أشباه الموصلات العالمية 10% فقط

لا بد من تشكيل تحالفات عربية للدخول في صناعة «الميكروتشيب»

بمناسبة التحذيرات التي صدرت عن منتدى دافوس منذ أيام، من تزايد المخاطر على أمن الفضاء المعلوماتي، والارتفاع الصاروخي لجرائم الفدية الإلكترونية، وقبلها اندلاع أزمة بين شركات الطيران وشركات الاتصالات بأمريكا، بسبب الجيل الخامس (G5)، وأزمة نقص الميكروتشيبس، أجرت «الرؤية» حواراً مع الدكتور طارق سعداوي، مدير مركز شبكات المعلومات والاتصالات، والأستاذ بجامعة مدينة نيويورك الأمريكية، وصاحب عدد كبير من المنشورات والبحوث العلمية في أمن المعلومات والأمن السيبراني، ومحرر 3 مجلدات في الأمن السيبراني بعنوان «حماية البنية التحتية السيبرانية» والتي نشرها معهد الدراسات الاستراتيجية بولاية بنسلفانيا، كما نشر كتاب «أساسيات شبكات الاتصالات» وتمت ترجمته إلى الصينية.

سعداوي فجر مفاجآت عن الجيل السادس (G6)، ولفت إلى المكانة المتقدمة للإمارات في الأمن السيبراني والمدن الذكية، داعياً إلى تعاون عربي للدخول في صناعة الميكروتشيب.. وإلى الحوار:

مندى دافوس والأمن السيبراني

كيف قرأت ما صدر عن منتدى دافوس الاخير بشأن الأمن السيبراني في العالم وتوقعات ٢٠٢٢؟

هناك جهات متعددة في العالم، تصدر تقارير عن الأمن السيبراني ولكل منها زاوية تركيز معينة ومنهجية خاصة، فالاتحاد الدولي للاتصالات مثلاً يركز على الجوانب الفنية، ومنتدى دافوس يركز على المخاطر على الأعمال وكيف يمكن تفاديها، وقد أكد المنتدى أن هجمات برمجيات الفدية ارتفعت بنسبة 151% في عام 2021، وحسب تحديثات شركة سونيك وول، حدث ٢.١ مليون تهديد مشفر في ٢٠٢١، وهذا في النهاية تقدير من التقديرات، وجانب واحد من الصورة.

هناك تفاوت واسع جداً في تقدير خسائر الحرب المعلوماتية أو الإلكترونية.. هل هناك مبالغات؟

البعض فعلاً يصل بها إلى ٦ تريليونات دولار في العام، لكن من الصعب تبني رقم محدد في هذا المجال، فشأنه شأن خسائر تدهور المناخ، حيث تنتشر الخسائر في الحالتين، عرضياً وأفقياً، لدى الأفراد والمجتمعات وفي الشركات، والطبيعة، وفي الحاضر والمستقبل، بحيث يستحيل قياسها بدقة، لكن كل ما يمكن قوله إن الأمن السيبراني أصبح قضية وجود لكل الدول والشركات والأفراد.

الحرب السيبرانية

كيف تطور ذلك الخطر؟

الحرب السيبرانية بدأت منذ نحو ٣٠ عاماً، بشاب عمره ٣٠ سنة مدمن الشهرة، اخترق وزارة الدفاع في أمريكا، وتبين لاحقًا أنه يمكن استخدام الاختراق لأغراض سياسية أو اجتماعية أو بيئية، بحسن أو سوء نية، ونشأت طبقة الهاكرز، ومنهم أناس هاجمت «فيسبوك» من ١٠ سنوات لأغراض رأوها، ثم دخلت عصابات للاستفادة المادية من الهجوم السيبراني، ثم حصل تجسس الشركات على بعضها البعض، فى تصارع مادي. ثم ظهرت حروب التشفير، وعندي بالجامعة في نيويورك طالب يعمل على هذا الموضوع، نعرف أن المهاجم يرسل «سوفت وير» يشفر كل ما لديك، ثم يرسل لك رسالة لاحقاً يطلب فيها دفع مبلغ محدد عبر «ويسترن يونيون» لتحويل الأموال، من أجل فك الشفرة.. ونحن ندرس في الجامعة الأعراض، وكيف نصد الخطر قبل أن يبدأ المهاجم التشفير.

الهجمات بالوكالة

لكن هناك من يدعم وكلاء للقيام بمهام الهجمات بدلاً منه على غرار من يمولون ويدعمون الجماعات الإرهابية داخل دول بعينها؟

فعلاً، وهذا آخر تطور في مجال تحديات تحقيق الأمن السيبراني، وهو الوكلاء، أي قيام دولة بتوظيف طرف ثالث، هو من ينفذ الهجوم على العدو، ونحن نعرف صراع روسيا والصين مع أمريكا، وإيران مع أمريكا وإسرائيل، وكل له جهات إلكترونية «مهاجمة»، تتوارى خلف الستار، لكن الخلاصة هي أنه لا مفر من تعاون شامل لحماية مجتمعاتك وأصولك.. وثمة تجربة واقعية مهمة، فلدينا في الجامعة مشروع مع اليابان، ممول من «ناشيونال ساينس فاند» وهو أول مركز تعاون دولي، لمواجهة الحرب السيبرانية، وبه معمل متصل بـ«كيو انستتيوت» بجنوب اليابان، ونعمل معاً لتوفير الحماية من حروب التشفير.

نيويورك والأمن السيبراني

ما خبرة نيويورك نفسها في ذلك؟

حكومة نيويورك، والمدينة هي مركز عالمي مالي كبير، قامت منذ عامين، بعمل إحصاءات عن الاحتياجات المستقبلية لضمان الأمن السيبراني، وحددت بدقة المطلوب من خبراء، بمستويات معينة وبنية تحتية إضافية، وأنا أعمل معهم على هذا، وحصلنا على تمويل أساسي أنشأنا معه «ماستر» يدرس كل ما له علاقة بالشفرة وأنواعها، ولدينا بالجامعة دراسات في أمن الشبكات، وهو أساسي، ونظام التشغيل وأمانه، وأمان السحابة.. أكثر من ١٥ تخصصاً، ومعمل به قدرات في الذكاء الاصطناعي تنظر من وجهة نظر العدو، وكيف أرد عليه، ولدينا أيضاً معمل اختبار للاختراقات وأحياناً نؤجر شركة اختراق ونبحث معها آليات التأمين والتصدي.

مشاركة المعلومات

هل تستطيع الجامعات وحدها أو الشركات المتخصصة توفير حلول الحماية؟

مؤخراً حكومة مدينة نيويورك أدركت أنه يستحيل حتى على شركة عملاقة أن تحمي نفسها بمفردها، وكونت شراكات وتحالفات، مع خبراء، وجامعات وشركات، ومنظمة مجتمع مدني معنية إدراكاً بأنه يلزم أن يتعاون المجتمع كله لتعزيز الأمن السيبراني.. فمشاركة المعلومات مهم جداً في هذا المجال، ومن قبل كانت الشركات التي تتعرض لهجمات ويتم ابتزازها، تتكتم خوفاً على سمعة الشركة، الآن يتغير الوضع، وأصبحت هناك قناعة بأن مشاركة المعلومات، وفق منظومة منضبطة، هو نقطة أساسية، والمجتمع أدرك ذلك، وتمت اختراعات جديدة مؤخراً لتوظيف «البلوك تشين» لمشاركة المعلومات وتمت تجربتها بالفعل.

الأمن السيبراني بالدول العربية

هل تتابع عمل أجهزة الأمن السيبراني العربية؟

في نحو عام ٢٠١٥، نظمت مؤتمراً بمصر عن الأمن السيبراني، وشارك فيه عدد كبير من الخبراء الأجانب، وقدمنا بياناً بما ناقشناه، وخطوات العمل المقترحة إلى وزير الاتصالات، وكان قد حضر مندوب «ناشيونال ساينس فاونديشن» معنا، وأنشأت مصر مجلساً قوياً لهذا الغرض، لكن لا أدعي أني أتابع عمله أو عمل أي جهاز عربي آخر، كل ما يطمئننا هو أن مكانة دول مثل الإمارات ومصر والسعودية متقدمة بالمؤشرات العالمية وتتقدم في الأمن السيبراني.

امتلاك الموارد والأمن السيبراني

قال منتدى دافوس إن من لا يستطيع حماية موارده الطبيعية، لن يستطيع حماية أمنه السيبراني.. ما رأيك؟

سأجيب هنا بالإشارة إلى تجربة الإمارات، فقد كنت هناك منذ وقت قصير، للتدليل على ترابط القدرة على حماية الأمن للدول في المجالات المختلفة؛ إلكترونية واقتصادية واجتماعية، ورأيت إكسبو ٢٠٢٠، وأعجبني جداً تنظيمه، وطرق عرض الدول تجاربها، وهو يعكس قدرة أو قوة ناعمة، تضع البلد على خريطة العالم كمنظم مبتكر ومختلف، ثم ما هو أبعد.. المدن الذكية التي تجمع كل التقدم التكنولوجي في مدينة واحدة أو مجموعة المدن، والذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي وآخر معزز، وإنترنت الأشياء، والطاقة الذكية، والإمارات سباقة هنا أيضاً.

كذلك وفي أكتوبر الماضي حضرت مؤتمراً للأمن السيبراني في نيويورك، ولفت نظري أنه حضر ٣ أو ٤ إماراتيين، وتحدثوا في تخصصات مختلفة في هذا المجال، وفى ٢٠١٥ أو ربما بعدها تلقيت دعوة من بروفيسور ميمون، مدير برنامج الأمن السيبراني في جامعة نيويورك بأبوظبي، وكان في مرحلة التأسيس.. الآن هم متقدمون في مختلف الفروع، والجامعة متوسعة جداً حالياً، وطلبة الإمارات عنصر أساسي فيها.. نعم حماية الموارد وإدارتها بكفاءة تمشي جنباً إلى جنب مع امتلاك قدرات حماية الأمن السيبراني.

أزمة (G5) بين الطيران والاتصالات

كيف ترى خلافات شركات الطيران وشركات الاتصالات في أمريكا حول (G5

جناحا المشكلة هما شركات الاتصالات، مثل ايه تي آند تي، وهورايزن، وتي موبايل، وشركات الطيران مثل يونايتد إير لاينز، وأمريكان إيرلاين، فشركات الطيران تستخدم نظاماً لاسلكياً يساعد على الهبوط بأمان وبالذات عند وجود جو صعب، أو أمطار، أو ثلوج، وظلام دامس، وكانت شركات الاتصالات قد حصلت على موافقة بتركيب أبراج (G5) حول المطارات الكبرى كمطار شيكاغو، على أن تبدأ نشر التقنية الجديدة بترددات تماثل أو تقترب من ترددات لاسلكي الطيران.

وشركات الاتصالات سترسل المكالمات بجيجا هيرتز معينة، وكلاهما (الاتصالات والطيران) جنباً إلى جنب، لاسلكي الطيران ولاسلكي الاتصال، وهذا التجاور عموماً سيحصل مع كل الذبذبات والتطبيقات المختلفة التي لا حصر لها، لكن يبدو أن للتجاور مخاطر في مجال الطيران، والحكومة سمحت أن يكون نظام لاسلكي الطيران، ونظام (G5)، جنباً إلى جنب، بلا تعدٍ من طرف على آخر، وهناك فلتر ومقياس لضمان عدم التداخل، لكن شركات الطيران رفضت، خوفاً من أن يحدث تسرب من ذبذبات (G5) وتؤدي إلى حوادث، فهو خلاف فني كبير، الحكم فيه هيئة الاتصالات الفيدرالية وهناك أكثر من حل لتلك المشكلة.

مثل؟

أجهزة الطيران اللاسلكية منتشرة من عدة سنوات، وتغييرها يتكلف كثيراً للنقل من ذبذبة إلى أخرى، وإذا قلنا ننقل (G5) فهذا مكلف أيضاً، ويبقى الحل في التحكم في كمية الطاقة التي يطلقها كل طرف، والشركات الكبيرة قالت عموما إنها لن تبدأ التشغيل إلا بعد أن يتم حل المشكلة.

هل يمكن أن يكون (G5) أداة تعاون لا صراع؟

هذا أمر ممكن بل وضروري، هي جزء من الحضارة والتطور مثل الجيل الرابع (G4)، والجيل الخامس (G5) سرعاته عالية جداً، وتطبيقاته شاسعة، ولم تكن صدفة أن فيسبوك تسمي نفسها «ميتا»، تماشياً مع اتجاه النمو الرهيب في تطبيقات الواقع المعزز والتفاعلي، الآن يتحدثون أيضاً عن «موبايل إيدج كمبيوتنج»، فعند الدخول إلى غوغل على سبيل المثال، لإجراء عمليات البحث، أو إلى موقع أمازون، والسيرفر بعيد، أي هناك وقت لكي يتم الرد على طلب البحث، لذا يفكرون في سيرفر يخدم مجموعات محددة، داخل مول مثلاً، وستكون لهذه التقنية تطبيقات كبيرة جداً واستخدامات بلا حصر.

وفي المحصلة، سيكون (G5) هو «البلات فورم»، أو البنية التحتية لكل التطبيقات الإلكترونية الحديثة، وكل القوى التكنولوجية ستعمل عليه، فهو لا بد أن يكون موجوداً، وبالتالي لا مناص عن تعاون دولي أو ثنائي فيه.

الجيل السادس (G6)

سمعنا عن تجربه صينية عن الجيل السادس (G6

هناك عدة أطراف تعمل حالياً على (G6)، لكن لم يتم وضع أسسه أو تردداته بعد، وستكون أعلى بشكل لا يصدق وتصل إلى تيرا جيجاً مثلاً، وبالمناسبة أخذنا في الجامعة تمويلاً من «ناشيونال ساينس فاند فاونديشن» ليكون عندنا، نود نقطة للبناء عليها في هذا المجال، أيضاً كوريا الجنوبية لديها جهد كبير جداً في (G5)، والبلوك تشين وتعمل من أجل (G6)، وعندما أطلقت الصين «ستلايت نتورك» ليروا كيف تعمل (G6)، فهمنا أن تلك تجربة ستتطلع إليها كل الدول المتنافسة، وقد حضرت ندوة عبر تطبيق زووم، نوفمبر الماضي، عن (G6) في كوريا الجنوبية، وخطتهم في هذا المضمار، وهم بدؤوا من ٢٠١٨ ليتم نشر التكنولوجيا الجديدة في ٢٠٣٠.

أزمة الميكروتشيب

ما تفسيرك لاندلاع أزمة الميكروتشيب ومدى أضرارها؟

الإمداد العالمي عموماً تأثر سلباً بسبب جائحة كوفيد- 19، وارتباك النقل وتوقف الإنتاج، وعند العودة لفتح الاقتصاد بعد الاغلاقات، اعتمد منتجو «الميكروتشيبس» على المخزون لتلبية الطلب، ونفد المخزون ونتعرض لشح، وتغير نهج العمل في العالم بعد الجائحة، حيث أدى العمل عن بعد إلى زيادة في الشبكات والبنية والهاتف، ومبيعات الكمبيوتر كمثال زادت ٢٥%، كل ذلك رفع الطلب على «الميكروتشيب» والضغط على السوق.

الصراع الصيني- الأمريكي

وما تأثير الصراع الصيني- الأمريكي؟

هناك حرب تجارية بين البلدين، و«الميكروتشيبس» في القلب منها، أمريكا أوقفت التعامل مع شركة كبيرة هناك تنتجه، وهناك عوامل أخرى طارئة، لكن مؤثرة مثل توقف مصنع في تكساس، وآخر في اليابان بسبب حريق، كما أن تايوان التي تصدر ٥٠% من مجمل الصادرات من الميكروشيبس أصابها شح مائي، والتصنيع يعتمد على مياه منقاة جداً، والأزمة أثرت على السيارات أساساً، فكل السيارات الحديثة، تسعى لأن تكون ذكية وتعتمد أكثر وأكثر على «الميكروتشيبس».

هل توظف الولايات المتحدة الأزمة لحسابها؟

الرئيس الأمريكي جو بايدن، قابل رؤساء وخبراء صناعة «الميكروشيبس»، وحثهم على مضاعفة جهودهم، وعلى زيادة توطين الصناعة بأمريكا، وسمعنا بعدها عن قيام إنتل باستثمار ٢٠ مليار دولار لبناء مصنعين في أوهايو.

يلفت النظر شبه الغياب الأوروبي عن هذا المجال مع كونها صانع سيارات ذي مكانة؟

نصيب أوروبا من إنتاج أشباه الموصلات العالمية 10% فقط، وتأتي معظم إمداداتهم من منتجين خارج القارة، هذا ما قالته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في منتدى دافوس، واعتبرت أن هذه تبعية وعدم يقين، لا يمكن تحملهما، وأن ليس لديهم وقت لتضييعه وسيقترحون قانوناً للرقائق الأوروبية في أوائل فبراير.. إذا لا أحد يمكن أن يتقبل من الآن فصاعداً أن يظل تحت رحمة منتجي منتج خطير مثل الميكروتشيبس.. إنه يدخل في كل المعدات والتكنولوجيا حالياً.

وعربياً؟

الدول العربية يجب أن تدرك أن «الميكروتشيبس»، هو «كور» وأساس للصناعات، ومن الضروري عدم تقبل الغياب عن هذا المجال، يلزم عمل استراتيجية عربية للمشاركة في إنتاجه مع لاعبين كبار، مع توزيع أدوار بين عدة دول عربية وتكامل مدروس، مصر حاولت مع إنتل إنشاء مصنع باتجاه الإسماعيلية منذ ٢٠ سنة، لكن المحاولة توقفت، ومصر والدول العربية لها تجربة عمل جماعي ناجحة في صناعة الدواء، وفي الهيئة العربية للتصنيع قبل الانسحاب منها، ولا بد في تفكير عربي حاسم وسريع من أجل الميكروتشيبس، والخطوة الأولى هي التعاون مع شركات عالمية كبيرة.