- الحوثيون اعتقدوا أن «الهجوم» أفضل طريقة لوقف تقهقرهم في اليمن
- الميليشيات الحوثية ليس لديها القدرة على تصنيع صواريخ باليستية
- إيران تحتاج إلى الحوثيين بنفس قدر احتياج الحوثيين لطهران
بعد أيام من الهجوم الإرهابي الذي شنته جماعة الحوثي الإرهابية، على العاصمة الإمارتية أبوظبي، ما زال هناك الكثير لم يتم معرفته عن ذلك الهجوم، وهذا أمر معتاد بالنسبة لهذا النوع من الهجمات، فعندما هاجمت إيران المنشآت النفطية السعودية في «بقيق» و«هجرة خريص»، خريف 2019، استغرق الأمر عدة أسابيع لمعرفة من كان يقف وراء تلك الهجمات، ومن أين انطلقت، ونوع الأسلحة المستخدمة فيها، وكيف تم استخدام تلك الأسلحة، وكيف استطاعت الوصول لأهدافها، دون رصدها من قبل الدفاعات الجوية والصاروخية السعودية.
الحوثيون وإدعاء المسؤولية
وأوضح تحليل نشره معهد الشرق الأوسط، أن المعلومات التي ظهرت حول الهجوم على الإمارات، أشارت إلى أن الحوثيين أعلنوا أنهم كانوا وراء ذلك الهجوم، وهو ادعاء صحيح، بعكس إدعائهم كذباً مسؤوليتهم عن الهجوم على السعودية 2019، حيث كانت إيران هي المسؤولة عنه، وانطلقت الصواريخ والطائرات المسيرة من الأراضي الإيرانية.
وأشار التحليل إلى أن عدم كذب الحوثي، وتبنيه الهجوم على الإمارات، يرجع إلى أنهم تحت ضغط كبير في اليمن، بسبب الهزائم التي يتعرضون لها بفضل الإمارات، وشركائها في ألوية العمالقة الجنوبية، لهذا فإن الحوثيين اعتقدوا أن أفضل طريقة لوقف تقهقرهم في اليمن، يكون من خلال إرسال رسالة للإمارات هي عبارة عن طائرات مسيرة متفجرة.
وقال التحليل أنه يرجح أن الحوثيين هم من شنوا ذلك الهجوم، رغم أنه لا يمكن تأكيد عدم مسؤولية الإيرانيين عن شن الهجوم، وبغض النظر عن ذلك، فإن الحوثيين لم يكن ليتمكنوا من ذلك لولا شحنات الأسلحة التي تأتي إليهم من فيلق القدس الإيراني، وإذا كان الحوثيون قد تعلموا بعض المهارات من الإيرانيين ومن حزب الله اللبناني، حول تجميع الطائرات المسيرة محلياً، إلا أنهم وبالتأكيد ليس لديهم القدرة على تصنيع صواريخ باليستية.
سيناريوهات التورط الإيراني
مما سبق، فإن هذه المعلومات ليست كافية لمساعدتنا على الإجابة على سؤال حيوي وهو: إلى أي مدى تورطت إيران في المشاركة في الهجوم على الإمارات؟
واعتبر التحليل أن هناك 3 سيناريوهات محتملة للإجابة على ذلك التساؤل؛ أولها أن يكون الحوثيون قد نفذوا ذلك الهجوم، بمباركة وتورط كامل من الإيرانيين، وهو أمر غير مستبعد، لأن الإمارات تقول أن الحوثيين لم يستخدموا فقط طائرات مسيرة، تحمل عبوات متفجرة صغيرة، ولكنهم استخدموا أيضا صواريخ كروز وصواريخ باليستية، وهي أسلحة أقوى بكثير من الطائرات المسيرة، وهو أمر يحتاج من الحوثيين إلى الحصول على موافقة الإيرانيين، وعندئذ علينا أن نتساءل عن الفائدة التي ستعود على إيران من ذلك الهجوم، وما هي حساباتهم ومصالحهم الاستراتيجية؟ ولماذا يقدمون على مهاجمة أبو ظبي؟
السيناريو الأول
وبين التحليل أن الهجوم الإيراني على السعودية في 2019، كان رداً على سياسات الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، بممارسة «الضغوط القصوى» على طهران، لذا فإن التساؤل الآن هو هل تحاول إيران التفاوض مع أمريكا من خلال قواعد جديدة، ومن خلال مهاجمة شركاء أمريكا مثل الإمارات؟ وهل ترى إيران أنها ستتعرض إلى عقوبات أمريكية جديدة، لذا لجأت إلى ذلك الهجوم من أجل محاولة منعها؟ وهل ذلك الهجوم يعد جزءاً من الحملة الإيرانية الإقليمية لتخويف أمريكا مثلما رأينا قبل أسبوع من خلال إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد؟
إذا كان الأمر كذلك، ووفقا لهذا السيناريو، فإن الهجوم يلقي ظلالاً على المحادثات التي أجراها الإماراتيون والإيرانيون قبل أسابيع قليلة، في ديسمبر 2021، حيث أرسل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني، إلى طهران، لتهدئة العلاقات ومنع وقوع أي هجمات، خاصة وأن سمو الشيخ طحنون لم يلتق مع مسؤولين على قدر قليل من الأهمية، بل التقى مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والمسؤول الأمني الإيراني علي شمخاني، ويمكن أن نتصور أنه تم التطرق إلى اليمن خلال تلك المباحثات.
السيناريو الثاني
يقوم على فرضية أن الإيرانيين كانوا على علم بنوايا الحوثيين، ولم يرتاحوا لذلك، ولكنهم لم يتدخلوا ليمنعوا الحوثيين من شن الهجوم، ووضعوا قيوداً على ظهورهم ضمن ذلك الهجوم، أي أن تكون إيران وافقت على الهجوم لكنها قادت عملية ضرب الأهداف. واعتبر التحليل أن هذا السيناريو قد يكون أقل احتمالية من السيناريو الأول، لكنه ما زال سيناريو غير مستبعد، لأن هناك واقعة مشابهة حدثت بالفعل خلال حرب لبنان 2006، بين إسرائيل وحزب الله، حيث من المعتقد أن إيران أمرت حزب الله بعدم استهداف مجمعات مصانع البتروكيماويات في حيفا بشمال إسرائيل، التي كانت في مرمى صواريخ حزب الله، وذلك لتجنب حدوث تصعيد في رد الفعل الإسرائيلي ضد إيران.
وبالعودة إلى الهجوم على الإمارات، فإن إيران ليست قلقة بشدة من الرد الإماراتي عليها، ولكن طهران لديها مصلحة في تجنب وقوع تصعيد إقليمي، قد يؤدي إلى تقوية علاقات الإمارات مع أمريكا وربما إسرائيل.
ومثل النقاط المنطقية في السيناريو الأول، فإنه من المنطقي أيضا بالنسبة للسيناريو الثاني، أن الإيرانيين كانوا متورطين في تنفيذ الهجوم، لأن الأهداف التي تم استهدافها، كان من الممكن أن تكون أهدافاً أخرى بدلا منها، لتحدث أضراراً أكبر، إذا كان الحوثيون هم من حددوا الأهداف.
وربما يكون الفارق ضئيلاً ما بين السيناريو الأول والثاني، لكنه فارق مهم، ويتعلق بمن يختار قائمة الأهداف، وفي السيناريو الأول فإن إيران هي التي جلست في مقعد السائق، ولا يهم من قام بالتنفيذ، لأن هناك تورط كامل من إيران ومن الحوثيين في التنفيذ، أما في السيناريو الثاني فإن إيران على علاقة بالهجوم، ولعبوا دورا فيه، وراجعوا الحوثيين في العملية.
السيناريو الثالث
يقوم على فرضية أن الحوثيين خططوا ونفذوا الهجوم بأنفسهم، بدون استشارة الإيرانيين، وإذا كانت تلك الفرضية صحيحة، فإنها تعني أن طهران ليس لديها أي سيطرة على استخدام الحوثيين للأسلحة التي يحصلون عليها من إيران، وهذا يعد متناقضاً مع النظرية التي تقول أن الحوثيين، أو على الأقل عملياتهم العسكرية، وسلوكهم التفاوضي، يتم من خلال إشراف وتوجيه إيراني دقيق. وإذا كان الإيرانيون ليس لديهم النفوذ والتأثير على الحوثيين، فإن هذه تعد مشكلة، لكل من السعودية والإمارات وأمريكا وللأمم المتحدة، وهذا يعني أن مستقبل الحرب في اليمن، والمسار السياسي (المسدود حالياً) تحت رحمة الحوثيين بمفردهم، ولا يوجد أي تأثير للإيرانيين، وهذا يشير إلى أن الحوثيين هم من يعرقلون مسار السلام وليس السعودية، التي هي أكثر طرف، من كل الأطراف، التي تسعى من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في اليمن.
قلق إيراني
وذكر التحليل أن إيران تشعر بالطبع بالقلق من ردود فعل السعودية والإمارات، على اعتداءات الحوثيين، ويمكن لطهران أن تتوقف عن مد الحوثيين بشحنات السلاح، وهو الأمر الذي لم تفعله طهران، لأن ذلك الخيار ستكون له تكلفة باهظة، حيث أن النفوذ الإيراني في اليمن يحقق لها مصلحة كبيرة من خلال الوجود على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وبالتالي فإن على طهران التجاوب مع جشع الحوثيين، فإيران تحتاج إلى الحوثيين بنفس قدر احتياج الحوثيين لطهران، وربما أكثر.
ويدرك الإيرانيون أنه قد يأتي يوم يرون فيه ردود فعل مدمرة من السعودية والإمارات وأمريكا، أو حتى منهم جميعا، بسبب اعتداءا الحوثيين، وإذا حدث ذلك، وتم تحييد الحوثيين عسكرياً، ستخسر إيران كثيراً إذا لم يكن لديهم شريك يعتمدون عليه في اليمن.
واختتم التحليل مشيراً إلى أنه لا يمكن القطع حول أي من هذه السيناريوهات هو الأصوب، إلا أنه من الواضح أن الأضرار التي أحدها الحوثيون بالإمارات، سيكون لها ردود فعل قوية، أكبر من وفاة 3 أشخاص أبرياء واحتراق مستودع للوقود، حيث أثار الهجوم تساؤلات هامة حول مدى تورط إيران في الحرب في اليمن، وطبيعة علاقاتها مع الحوثيين، وهي أسئلة لا توجد إجابات مقنعة بشأنها.