2022-01-14
- 45 % الاقتصاد غير الرسمي في دول عربية ما يؤثر على حصيلة الضرائب
- التضخم موجة عالمية تؤثر على بلدان بالمنطقة خاصة مصر والمغرب العربي ولبنان
- التخارج الأمريكي من أفغانستان منح إيران «متنفساً».. وعودة العراق وسوريا تعيد التوازن الإقليمي
- الجميع في انتظار ضوء أخضر سعودي لاستكمال بناء العلاقات العربية مع سوريا
كيف تقرأ خريطة التحركات الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط؟
من ناحية التحركات الدبلوماسية النشطة، هناك نشاط جيو استراتيجي لمصر على الساحة العربية بالتنسيق مع دول الخليج العربي، ما يتبلور في التحالف الإماراتي - السعودي مع مصر، وتحاول الدول العربية تشكيل نوع من التوازن في مواجهة قوى إقليمية أخرى، وأعتقد أن الدبلوماسية العربية تسعى لتنشيط التعاون بينها في سبيل تحقيق هذا التوازن، لا سيما بالنظر إلي محاولة «شد» العراق لهذا التعاون، وطي الصفحة مع سوريا من أجل تقوية العلاقات العربية.
أما عن التحالفات المستقبلية فبالطبع هناك تغير في خريطة التحالفات العالمية، نحن في نهاية سيطرة أمريكية 100% على مناطق عدة بالعالم، وهناك نوع من تحالفات عالمية جديدة، وسيشهد الشرق الأوسط تراجعاً نوعياً للدور الأمريكي في محاولة لأن تلقي بثقلها باتجاه بحر الصين، ما يخلق نوعاً من الفراغ داخل المنطقة تحاول قوى إقليمية وأخرى دولية لعب دور أكبر، ولعل التداخل الفرنسي مع الدول العربية ومن ورائها الدول الأوروبية، ظهر بشكل واضح في صفقات الطيران الحربي الفرنسية مع مصر والإمارات العربية المتحدة، وهناك توحد في وجهات النظر الروسية والصينية فيما يخص ملء فراغ تخارج القوات الأمريكية من المنطقة.
ثقل اقتصادي وديموغرافي
هل التخارج الأمريكي من أفغانستان ينذر بدور لقوى أخرى بالمنطقة؟
بالطبع هناك تغيرات، والبلد الذي سيتأثر كلياً من هذا التغير هو إيران، إذ كانت تشهد نوعاً من الحصار العسكري على حدودها، إلا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مع انتظار انسحاب أكبر من العراق، وبالتالي تستطيع إيران أن تتنفس وتقيم علاقات أقوى مع دول آسيا الوسطى من جهة، والعراق من جهة أخرى. وهنا أود أن أشير إلى محاولة البلدان العربية خلال الفترة الأخيرة اجتذاب العراق سياسياً واقتصادياً حتى لا تترك هذا البلد الحساس والقوى ذات الثقل الاقتصادي والديموغرافي فريسة لتجاذب من طرف واحد غير عربي، ولا سيما أن الانسحاب الأمريكي يُعد فرصة جديدة للبلدان العربية لبناء سياسة عربية بخلاف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، تقوم على مصالحها، وليس الدفاع عن المصالح الأمريكية فحسب.
*كيف ترى التوجه العربي نحو بناء علاقات مع تركيا وإيران ؟
هذا التوجه مبني على المصالح المشتركة، وبالنظر إلى الضعف العربي الذي أعقب الربيع العربي الذي شكل نوعاً من عدم الاستقرار داخل الدول العربية وتسبب في تقدم القوى التركية والإيرانية، بالإضافة إلى الاتكال على دور فعال أمريكي لإضعاف وجود إيران وتغيير المعادلة، نلاحظ أن الواقع أظهر أن هذه الدول موجودة لتبقى، وفاعلية السياسة الأمريكية لن تعطي نتيجة، لذا وجدت الدول العربية الحل في إيجاد توازن استراتيجي، بدأ يتبلور بعد الانفتاح الخليجي على مصر، والمصالحة الخليجية مع قطر بعد انقطاع 3 أعوام....
وأود الإشارة إلى أن إسرائيل كانت في حاجة لذات التوازن في المنطقة عقب الانسحاب الأمريكي، لذا فإن التقارب الإسرائيلي مع بعض الدول العربية خلال الفترة الماضية أوجد نوعا من التوازن مع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران.
لكن كثيرون يعتقدون أن الاستفادة من التوجه نحو تركيا لن يحقق الغايات القصوى في ظل تراجع عملتها؟
بناء تركيا علاقات غير مستقرة مع دول الجوار، انقلب على الاقتصاد التركي، وأرجعه إلى ما قبل الانتعاشة التي شهدها في عام 2000، الأمر الذي أضعف العملة والصادرات والاقتصاد الكلي للبلد، ونجد أن البلد الوحيد القادر على ضخ عملة صعبة داخل المركزي التركي هو قطر، و تأثير الضخ القطري قصير المدي ولا يغير المعادلة، تركيا في حاجة إلى إيجاد حالة من الاستقرار مع كافة القوى، لاسيما العربية واستقرار الملف السوري حتى تضمن تعافي كلي للاقتصاد.
نووي إيران
أيضاً هناك تخوفات مشروعة من النووي الإيراني.. كيف يمكن التغلب على تلك المخاوف؟
لا يوجد تخوف من سلاح نووي إيراني في الوقت الراهن، لكن من الممكن أن يصبح هذا التخوف في المستقبل جاد، وأرى أن التخوف الأكبر لدى البلدان العربية في عدم توازن القوى مع طهران، خاصة إذا ما تم رفع العقوبات عنها خلال المفاوضات الجارية،لاسيما وأن القوة الاقتصادية التي ستكتسبها طهران بعد رفع العقوبات تسهم في امتداد نفوذها السياسي في الشرق الأوسط.
لذلك يبقى هناك ملف الدبلوماسية والحوار الذي بدأ بين بلدان الخليج، خاصة السعودية، وإيران، بوساطة عراقية، أرى أنها تلعب دورا مهما في تلك المفاوضات، وأود أن أنوه بأن البدء في مفاوضات جديدة مبنية على أسس جديدة تسمح لهذه البلدان بنوع من الكفالات الدولية للحد من التمدد الإيراني وحماية مصالحها، يبدد المخاوف المتبادلة بين الجانبين، خاصة وأن التقارب الإسرائيلي -الخليجي يشكل توازنا.
معادلة أمريكية- إيرانية
هل من الممكن أن يضع الاستقرار العراقي حداً للرغبة الإيرانية في الهيمنة على المنطقة؟
الأسس التي بنيت عليها العراق الحديث عقب تدخل الولايات المتحدة في 2003، قام على التوزيع الطائفي للمراكز الحساسة، ما أوجد حالة من الصراع الدائم في الداخل العراقي، ليس على مستوى الطائفة فحسب، بل يمتد ليشمل صراعا داخل الطائفة ذاتها، إلا أن هذا الأمر لا يمنع وجود مجال دائم للتفاوض وإيجاد حلول بين الرئاسيات الثلاث، لكن هذا التوافق لم يتم حتى الآن، خاصة مع احتدام العلاقات الأمريكية - الإيرانية،
أود أن أوضح هنا أن «العراق في قلب المعادلة الأمريكية- الإيرانية» ويدفع الثمن غالياً في حال عدم الاستقرار بينهم، إلا أن الانسحاب المنتظر للقوات الدولية وبالتبعية الأمريكية يضعف من الدور الأمريكي على المدى البعيد، والتساؤل هنا هل تستطيع البلدان العربية تحقيق توازن داخل العراق مقابل إيران؟، لاسيما وأن التقارب بينهم يسمح باستقرار العراق والتناحر يقوده إلى استقرار «هش».
ماذا عن المعطيات الجديدة في الشأن السوري؟
اعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قادرة على تغيير النظام السوري عقب وضعه على القائمة السوداء في 2003 ، خلال عهد جورج بوش، إلا أنها لم تنجح، الآن نحن أمام معطيات جديدة، إذ تعطي الولايات المتحدة أهمية أقل لما يحدث في الشرق الأوسط وفق لما ذكرت سابقاً، مع أولوياتها الجديدة تجاه إيجاد نوع جديد من التوازن في منطقة آسيا الجنوبية، لذا فإن البلدان العربية أمام فرصة قوية من أجل بناء سياسة عربية مبنية على مصالح عربية، تقوم على التقارب مع سوريا والعراق، من أجل بناء توازن مع كل من تركيا وإيران، وفي هذا الشأن هناك قوى دافعة مبنية على الدور الإيجابي لمصر والتقارب بين الإمارات وسوريا، والعراق وسوريا، بالإضافة إلى التقارب الأيديولوجي بين قطر وسوريا، ولازال الجميع في انتظار الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية لاستكمال بناء العلاقات مع سوريا.
الحرب في اليمن
تحدثتم عن تحالفات جديدة تلوح في الأفق.. هل تساهم هذه التحالفات في حلحلة الأزمة اليمنية؟
إذا كان هناك نوع من التحالفات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، وتقارب بين البلدان العربية بما يجعلها تتفاوض من منطلق قوي مع تركيا وإيران، ويعطيها القوة من أجل فرض معادلات جديدة متوازنة، قد تجد الأزمة اليمنية طريقها إلى الحل، خاصة بالنظر إلى أن كافة الأطراف أصبحت تعي أن الحل للأزمة اليمنية لن يكون عسكريا، بل يجب أن يكون دبلوماسيا.
كيف يمكن للبنان الخروج عن سيطرة قوى إقليمية ؟
تغيير التحالفات الداخلية ليس بجديد في الساحة اللبنانية، عادة ما تشهد الانتخابات تغييرات لها علاقة بالمصالح الداخلية والتحالف الخارجي، وأريد أن أشير إلى أن الانتخابات قد تقوي بعض الأطراف، لكن من المستحيل إنهاء أطراف أخرى، كما أن الاستقرار بين القوى الإقليمية يسهم في استقرار الداخل اللبناني، خاصة وأن كافة الدول النافذة في الشرق الأوسط لديها مكان داخل لبنان، ولا يستطيع بلد واحد أن يمحي وجود كل تلك القوى.
احتواء تداعيات التضخم
من السياسة إلى الاقتصاد . كيف يمكن احتواء تداعيات ارتفاع معدلات التضخم خاصة عربيا؟
التضخم موجة عالمية لها علاقة بالسياسات العالمية والعرض والطلب، وبالتأكيد سوف يؤثر التضخم على بعض البلدان العربية، خاصة مصر والمغرب العربي ولبنان، لاسيما وأن تلك البلدان تدعم أسعار السلع الأساسية، وارتفاع تكلفتها يضعها أمام خيارين أحلاهما مر، إما تحمل الزيادة ما يرفع من أعباء الميزانية، أو رفع الدعم وتحميل المواطن الزيادة بما قد يضر بالاستقرار داخل البلد، مثل ما شاهدناه مؤخراً في كازاخستان عقب رفع أسعار الغاز.
صندوق نقد صيني
ذكرتم سابقا أن معدلات النمو التي لا تتعدى 1% تأتي بحصيلة ضريبية قوية أوروبياً.. لماذا لا تجمع الدول العربية الحصيلة ذاتها ؟
لابد من التفريق بين البلدان العربية القوية التي تمتلك القدرة على تطبيق النظام على كافة الطبقات الاقتصادية والاجتماعية، وبلدان أخرى لاتستطيع، إذ لا يزال الاقتصاد غير الرسمي يشكل نسبة تصل في بعض البلدان إلى %45 وبالتالي فإن الحصيلة الضريبية التي تدخل خزينة الدولة تبقى ضعيفة بالنسبة للنمو الاقتصادي، عكس الدول الأوروبية التي تفرض نسبا عالية من الضرائب في وقت لا يتعدى الاقتصاد غير الرسمي 12%.
رغم كون الصين ثاني اقتصاد عالمي إلا أن نسب تصويتها داخل صندوق النقد الدولي متواضعة.. هل يشهد هيكل الصندوق مراجعة مستقبلية؟
فكرة زيادة ثقل الصين داخل صندوق النقد الدولي، كانت قائمة ونوقشت في 2008 خلال حوار G20 وأبدت أمريكا وقتها موافقة، إلا أن الكونغرس رفض ذلك الطرح، وشرعت الصين بعدها في تأسيس «بنك الاستثمار الآسيوي العالمي»، الذي من خلال بدأت تشغيل الشركات الصينية داخل الأسواق العالمية مقابل ضخ استثمارات، ونتيجة التخوف من قيام الصين ببناء عملة جديدة، وافقت المسؤولة السابقة للصندوق، كريستين لاغارد، على إدراج العملة الصينية، دون أن يكون لها التأثير ذاته لباقي العملات.
وهنا أريد أن أؤكد أن أمريكا لن تتنازل عن الموقع المالي القوي في العالم الذي تستخدمه في سياستها العالمية من حيث التسهيلات أو العقوبات للبلدان التي لا تساير سياستها أو المنافسة، ومن الوارد أن نجد أنفسنا أمام صندوقين دوليين للنقد؛ أحدهما يهيمن عليه الدولار الأمريكي، والآخر تهيمن عليه العملة الصينية.
أخيرا.. ما توقعاتك لتأثير خفض «الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي» برنامج التحفيز على الشرق الأوسط؟
استخدام الدولار في العالم عالي جدا، وبالتالي فإن كل تغيير في السياسة المالية الأمريكية يكون له تأثيرات متفاوتة على كل بلد، ونتيجة موجة التضخم الأمريكية من المتوقع خفض برنامج التحفيز المالي، ما يعني أن كمية الدولار المعروض ستنخفض، وبالتالي ارتفاع قيمته أمام العملات الأخرى، هنا كل بلدان الدول العربية التي تحاول الاقتراض ستواجه صعوبات وشروطا قاسية، أما البلدان العربية التي لديها فوائض مالية سوف تستفيد من الفائدة العالية نتيجة وجود إيرادات جديدة لاستثماراتها.