الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

خاص | خارطة طريق إنقاذ لبنان من مصير «الدولة الفاشلة»

خاص | خارطة طريق إنقاذ لبنان من مصير «الدولة الفاشلة»

محتجون لبنانيون أمام المصرف المركزي وسط بيروت. ( إيه بي أيه)

يواجه لبنان عاماً مليئاً بالتحديات والمخاطر على كافة الأصعدة، تفاقمت معه الأوضاع الداخلية والخارجية سوءاً، حيث استمر تعثر انعقاد مجلس الوزراء؛ نتيجة لخلافات قائمة واعتراضات من قبل بعض الفصائل السياسية على حضور الاجتماعات ومقاطعتها، فضلاً عن تباطؤ السلطة السياسية في القيام بأي إصلاحات داخلية من شأنها رفع المعاناة عن الشعب، وتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية، التي دفعت كثيراً من اللبنانيين للدخول تحت خط الفقر، في وقت يعلق فيه الشعب اللبناني الآمال على بدء مرحلة جديدة بانعقاد انتخابات برلمانية منتصف العام الجاري، وهو الأمر الذي أكد محللون وسياسيون لبنانيون أنه تواجهه العديد من المخاطر.

سياسيون لبنانيون وصفوا الأوضاع الداخلية الحالية بالضبابية، حيث تواجه بلاد الأرز انسداداً سياسياً انتهى به عام 2021، واستهل به عام 2022، وشددوا على أهمية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مواعيدها، كما أن الآمال معقودة على تدخل خليجي، بشكل خاص أو عربي لضبط إيقاع التوازنات السياسية في لبنان، كما تحتاج الأزمة في لبنان بالتأكيد لتدخل دولي في مرحلة من المراحل، وهو ما يوصف بـ«خارطة الإنقاذ».

مصطفى علوش: الانتخابات في موعدها « الأمل الأخير»

قال نائب رئيس تيار المستقبل اللبناني، مصطفى علوش، إن هناك عاماً جديداً يطل على لبنان، ولا تزال الأزمة مستمرة وما يزيد من تفاقمها، ارتباط لبنان بالوضع الإقليمي والدولي شديد التعقيد، خاصة الملف السوري، واليمني، والإيراني. وتابع «بالتأكيد لبنان غارق بين هذه الملفات، والقدرة على تحقيق أي خرق تبدو بعيدة المنال على المستوى المحلي، خاصة مع ارتباط حزب الله، الطرف الأساسي والأهم في لبنان، بالملف الإيراني، لذلك يطل على لبنان العام الجديد والأمور غير واضحة المعالم»، لافتاً إلى أن المتوقع ألا يخرج عن المزيد من التأزم على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، مع احتمالية أن تكون هناك مفاجآت أمنية.

وأوضح علوش في تصريحات خاصة، أن هناك بعض التطورات السياسية الأخيرة التي طرأت على المشهد اللبناني منها بدء الانفصال العلني بين حزب الله، والتيار الوطني الحر فيما يخص عدة ملفات، وهو ما عبَّر عنه، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. في المقابل لا تزال الأمور غير واضحة المعالم، وحتى لو حدث هذا الانفصال، وهو مستبعد لأسباب كثيرة، فإن حزب الله سيذهب لمزيد من التصعيد، فلا يمكن التعامل مع حزب الله على أساس سياسي، بل ينبغي التعامل معه على أساس أنه فيلق في الحرس الثوري الإيراني، ولذلك يتصرف أيضاً على أساس أنه حزب وتيار عسكري.

وتابع، أن هناك العديد من علامات الاستفهام حول إمكانية إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، لأسباب عدة، مؤكدا أن المشهد الانتخابي قد يتغير قليلاً، لكنه لن يحدث تغير جذري في موازين القوى، إذ تستمر الأمور على الأرجح تحت سيطرة الثنائي الشيعي، أما القوى الأخرى فلن تتمكن من تغيير المعادلة بشكل جدي.

وأشار إلى أنه على صعيد الوضع الاقتصادي، يظل العجز والفشل حتى الآن في اتخاذ أي القرارات يسيطر على المشهد، لافتاً إلى أن الأمور تسير نحو مزيد من التعقيد والتدهور، ولا يوجد حتى الآن أي باب لأمل أو تفاؤل بهذا الخصوص، وكل التوقعات سلبية.

وأوضح علوش أن هناك أملاً في إجراء الانتخابات في موعدها، إلا أنه أيضاً من المحتمل حدوث أمر طارئ خارج عن المألوف، وفي الغالب سيكون أمنياً، سواء كان مفتعلاً أو بشكل عرضي، أو لأسباب إقليمية أكثر.

وأضاف أن التيار الوطني الحر تحت قيادة جبران باسيل، ورئيس الجمهورية، لن يتمكن من الانفصال عن حزب الله بشكل كامل، وحتى الآن يبدو أن هناك تكتيكاً متفقاً عليه بين الطرفين، ولكن بالنهاية إشكال التيار الوطني الحر أنه لا يستطيع الاستمرار على المستوى المسيحي من دون أن يعلن نوعاً من الانفصال عن مشاريع حزب الله، فالأزمة اللبنانية أصبحت مستعصية بكل موضوعية، وتحتاج ربما لأعجوبة ومعجزة للخروج من الواقع القائم، وتحتاج بالتأكيد لتدخل دولي في مرحلة من المراحل، خاصة أن الوضع الاجتماعي، والإداري أيضاً للبلد في فشل كامل.

علي حمادة: البلد يعاني من «إفلاس غير معلن»

قال الباحث السياسي اللبناني علي حمادة، إنه بنهاية عام 2021، وبداية عام 2022، يمكن وصف لبنان بأنه بلد معلق في عنق زجاجة، فالوضع الاقتصادي في الحضيض، ولا توجد حلول في الأفق. وتطرق حمادة إلى الوضع السياسي في لبنان مؤكداً أنه ليس على أفضل حال، حيث تشكلت حكومة منذ 3 أشهر، وخلال هذه الفترة اجتمعت 3 مرات، وبعدها تم تعليق اجتماعاتها على خلفية خلافات سياسية متعلقة بمسألة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، والتي هدد خلالها الثنائي الشيعي؛ حركة أمل، وحزب الله، بأنه إذا لم يتم تغيير القاضي المكلف بالتحقيق فإنهم لن يعودوا لجلسات مجلس الوزراء.

وتابع«استناداً للواقع الميثاقي بين الطوائف اللبنانية، وبما أن الثنائي الشيعي يمثل المكون الشيعي في لبنان، فإن جلسات مجلس الوزراء بقيت معلقة، ولم يعد بالإمكان انعقاد هذه الحكومة، ما يعني أن السلطة التنفيذية العليا في البلاد مشلولة، صحيح أن هناك اجتماعات للجان وزارية يقودها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، إلا أن هذا أمر غير كافٍ لأنها لجان تحضيرية وليست تقريرية، وغير قادرة على اتخاذ أي خطوة بشكل رسمي».

وأضاف حمادة، أن الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة تتفاقم في لبنان، فهناك انهيار للعملة، وللأسواق، والاقتصاد، وهناك إفلاس في الدولة بشكل غير معلن، وبالتالي القدرة الشرائية للمواطن اللبناني انهارت، فهناك شلل اقتصادي وسياسي، والدولة لم تعد قادرة على تقديم الخدمات، والمرافق في حالة من التحلل والانهيار شبه التام.

وأوضح أن القضية الرئيسية التي تنطلق مع بدء عام 2022، هي الاستحقاقين الدستوريين، الأول: الانتخابات النيابية المقررة في مايو المقبل، والثاني الانتخابات الرئاسية، حيث تنتهي ولاية رئيس الجمهورية، في مدة أقصاها أكتوبر المقبل، وبسبب هذين الاستحقاقين وتبعاً للتجربة، ستكون هناك أزمات معطوف عليها صراعات إقليمية تتولد في مثل تلك المواقف، وستصبح هذه الاستحقاقات في خطر داهم، فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن الانتخابات النيابية سوف تحدث، ولا الانتخابات الرئاسية كذلك، لأن هناك قوى داخلية وخارجية قادرة على تعطيل هذين الاستحقاقين، وقادرة على إجهاض أي محاولة لإتمامهما.

وأشار حمادة إلى أن هناك جهات داخلية متضررة من إجراء الانتخابات النيابية، مثل فريق رئيس الجمهورية ميشيل عون وحلفائه، أيضاً حزب الله غير متحمس لإجراء الانتخابات ليس لكونه يشعر بانخفاض شعبيته، بل لأن حلفاءه ينهارون واحداً تلو الآخر، وهو مبدئياً غير قادر على أن يشكل رافعة لإنجاح العدد اللازم من الحلفاء في التيار الوطني الحر (تيار رئيس الجمهورية)، لكي يعود للحصول على أغلبية نيابية، من هنا الانتخابات النيابية قد تكون في خطر، وترتبط أيضاً بالانتخابات الرئاسية، ففريق رئيس الجمهورية يجتهد بشكل كبير للتمديد للرئيس عون لمدة عامين أو ثلاثة في سدة الحكم، لأنه لا يريد الخروج، وقد ألمح عون إلى ذلك في إحدى خطاباته التلفزيونية قبل نحو 3 أسابيع. غير أن فريق الرئيس غير مطمئن لنتائج الانتخابات الرئاسية، ومن هنا فإن هناك اتجاهات لنسف تلك الانتخابات، هذا إلى جانب سوء العلاقات مع الخليج، وما تقوم به إيران في المنطقة والذي تتأثر به لبنان.

رائد المصري: التدخل العربي يضبط إيقاع «التوازنات السياسية»

قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بلبنان، الدكتور رائد المصري، إن الوضع اللبناني لازال يراوح مكانه، حيث انعدمت جميع المبادرات، سواء الأوروبية أو الفرنسية، وحتى الخليجية، لافتاً إلى أن السلطة السياسية ما زالت متباطئة في القيام بالإصلاحات، وما زال هناك تعثر في انعقاد مجلس الوزراء بسبب الصيغة التوافقية التي اعتاد عليها السياسيون والحزبيون، وهذا أمر منافٍ للعمل الديمقراطي.

وأضاف المصري أن السلطة السياسية وأحزابها يخشون اليوم، ويعدون العدة للانتخابات النيابية في مايو المقبل، وحتى الأحزاب التي كانت متحالفة دخلت اليوم في خصومة، وفي تباين وتناقض سواء على مستوى المصالح، أو على مستوى التفاهمات، أو حتى على مستوى الكتل النيابية التي من الممكن أن تجرى داخل البرلمان الجديد، فلبنان أمام مفترق طرق خطير للغاية، ارتفاع سعر الدولار وهبوط الليرة اللبنانية ليس له سقف، لأن كل المعالجات الإصلاحية لم تبدأ بعد، حتى ملف البنك الدولي والتفاهم معه لم يجر على قدم وساق؛ لأن هناك تعثراً وتلكؤاً من قبل القيادة السياسية، «حاكم مصرف لبنان ما زال يمعن في موضوع التلاعب بالدولار، كون هذا يتطلب استقراراً وجواً سياسياً، غير موجود اليوم في بلاد الأرز». فضلاً عن أن الانفتاح الخليجي على لبنان، ما زال متعثراً وغير موجود، لذلك فالوضع خطير للغاية هذه الأيام.

وأضاف المصري، أنه من المأمول أن تكون هناك تدخلات أوروبية لتحريك المياه الراكدة في لبنان، مؤكداً أن الجميع بانتظار موعد الانتخابات النيابية لعلها تحدث جديداً، فالسلطة أجلت كل الأعمال والمشاورات والإصلاحات، كونها تتطلب مزيداً من الضغط على الشعب اللبناني، استجابة لمتطلبات البنك الدولي.

وأشار إلى أن لبنان أمام مفترق طرق خطير للغاية، عسى أن ينقذه منه تدخل خليجي، بشكل خاص أو عربي بشكل عام لضبط إيقاع التوازنات السياسية، مشدداً على ضرورة تفعيل مبادرات خارجية أوروبية أمريكية، وروسية أمريكية، لإعادة عجلة الاقتصاد، وتشكيل نوع من الأريحية في الداخل اللبناني، تبدأ باستجلاب الطاقة والكهرباء، الأمر الذي يريح الشعب اللبناني نسبياً، ويخفف من الضغط على الليرة، موضحاً أنه إذا لم يحدث ذلك فلبنان ذاهب إلى توترات اجتماعية تبدأ وغير معروف إلى أين تنتهي.

وتابع أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بلبنان، أن آلية خروج بلاد الأرز من هذا المأزق، تتطلب تغيير السلطة السياسية التي انتهجت على مر سنوات المحاصصة بين الطوائف، وهو أمر يعتمد على الانتخابات البرلمانية المقبلة، فالشعب اللبناني إذا كانت لديه القدرة والوعي الكاملين على إعادة إنتاج سلطة سياسية، بخريطة برلمانية جديدة توحي بالثقة للشعب اللبناني، وللمصارف، وللمستثمرين، والعرب والخليج، وللمجتمع الدولي، فحينها من الممكن أن يبدأ لبنان وضع نفسه على درجات سلم التعافي والخروج من المأزق، فالرهان الأساسي على قيام تغيير ديمقراطي سلمي، ينتج عنه تعافي الاقتصاد، ومن ثم يتم الوثوق فيه.