الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

الإمارات وإيران.. تواصل دائم ودبلوماسية اقتصادية ناجحة

الإمارات وإيران.. تواصل دائم ودبلوماسية اقتصادية ناجحة

تدرك أن حقائق الجغرافيا أكثر قوة وثباتاً من متغيرات السياسة، تنظر باستمرار إلى عوامل الاتفاق، وتسعى بلا كلل أو ملل من أجل الحوار والتفاهم حول كل ما يعزز السلام والاستقرار ونزع فتيل التوترات والصراعات، لم تغلق الباب في أي يوم أمام فتح صفحة جديدة مع الجميع، تترك دائماً مساحة للعودة، ترى في «استدارة الآخرين» بأنها فضيلة من الواجب تشجيعها ودعمها والوقوف بجانبها، تنظر دائماً إلى المستقبل ولا تتوقف كثيراً أمام خلافات أو اختلافات الماضي، تحترم حقوق وتطلعات الآخرين، لكنها في ذات الوقت وبنفس القوة لا يمكن أن تغفل عن الثوابت الوطنية والعربية والإنسانية.

كل هذه القيم السياسية هي التي تفسر النجاحات المتتالية التي تحققها الإمارات على كافة المستويات الخليجية والعربية والشرق أوسطية، بل والعالمية أيضاً، ولذلك تستطيع الإمارات العمل على «مسارات متوازية» رغم كل التشابكات والتقاطعات التي تلف المنطقة، فالقراءة الإماراتية الصحيحة لطبيعة «المتحورات السياسية» الجديدة على الخريطتين الإقليمية والعالمية تجعلها قادرة على صياغة «معادلات مستقبلية» تتجاوز بها كل التحديات التي حالت في الماضي دون أن يسود الاستقرار والسلام في المنطقة.

خطوط متوازية

ولهذا تحركت الإمارات في خطوط متوازية بدأت ببيان قمة العلا في 5 يناير 2021 على المسار الخليجي، وقبلها شاركت الإمارات في الاتفاقية الإبراهيمية في 15 سبتمبر 2020، وقبل نحو شهر زار سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي دمشق، والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد في 9 نوفمبر الماضي. ثم جاء التقارب مع أنقره بعد الزيارة الناجحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية إلى تركيا في 24 نوفمبر الماضي، والزيارة المتوقعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات في فبراير القادم. واليوم الاثنين نشهد زيارة مهمة أخرى في مسار جديد وهي زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي إلى إيران. فما المؤشرات السياسية الجديدة بين الإمارات وإيران؟ وكيف يمكن البناء على زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد لإيران؟ وإلى أي مدى يمكن أن تقود هذه الزيارة لتحول كبير في العلاقات الإماراتية الإيرانية على غرار زيارة الشيخ طحنون إلى أنقرة في 18 أغسطس الماضي وقادت إلى تحول واضح في العلاقات الإماراتية التركية؟

رغم الخلافات بين إيران وجيرانها الخليجيين طوال العقود الأربع الماضية، فإن الإمارات استطاعت أن تحافظ على مساحة من التعاون والتواصل مع إيران ساهمت في أن تكون الإمارات بمثابة «رجل الإطفاء» الذي يستطيع إطفاء الحرائق في منطقة ما تزال تشتعل فيها «ألسنة اللهب». وتعتمد الاستراتيجية الإماراتية على ركيزتين أساسيتين للحفاظ على العلاقات مع إيران، أبرزها الركيزة الاقتصادية، فالتعاون الاقتصادي والتجارة البينية بين البلدين لم تنقطع يوماً بين البلدين، قد تزيد أو تقل وتيرتها لكنها ظلت على الدوام مستمرة، والركيزة الثانية هي «المشاركة الإنسانية» فعندما حلت جائحة كورونا في العالم وزادت نسبة الوفيات والإصابات في إيران، أرسلت الإمارات الكثير من المساعدات الطبية للشعب الإيراني.

إشارات متبادلة

زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران اليوم تأتي في ظل إشارات إيجابية متبادلة بين بلاده وإيران لعل أبرزها الحديث الإيجابي للغاية الذي تحدث به الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في 6 أغسطس الماضي لدى استقباله الوفد الإماراتي الذي شارك في تنصيبه برئاسة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش الإماراتي. وقال الرئيس إبراهيم رئيسي «من المناسب إيجاد آلية مشتركة لتفعيل القدرات، من أجل تعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات.. وهناك إرادة جادة ومخلصة لدى إيران في تطوير العلاقات مع الإمارات، ولا توجد عقبات أمام توسيع العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصاد.. تربطنا أواصر ألفة مع الشعب الإماراتي، والعلاقة الوثيقة بين الحكومتين يمكن أن تمهد الطريق لإقامة علاقات أخوية وتعاون أوثق بين البلدين»، وهو الأمر الذي رد عليه الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان بالقول: زرنا إيران بأمر من رئيس بلادنا لإبداء إرادتنا الجادة لتعميق العلاقات مع إيران، وإن رسالة هذه الزيارة هي تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وسنعمل على تعميق العلاقات مع طهران وإضفاء الطابع المؤسسي عليها لمصلحة البلدين الشقيقين، حسب ما نقلت وكالة إرنا الإيرانية للأنباء.

وقبل أيام أيضاً من زيارة الشيخ طحنون لإيران، تلقى سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي، في 29 نوفمبر الماضي، اتصالاً هاتفياً من نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وهو الاتصال الذي أعقب زيارة علي باقري كني، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية إلى الإمارات، والذي أعلن عن الاتفاق على «فتح صفحة جديدة من العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة» بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الإيرانية

ضبط مساحات الاختلاف والاتفاق

ما يميز التحركات الإماراتية في المنطقة أنها تأتي في سياق دعم وموافقة عربية، وليس في سياق مسار أحادي إماراتي، رغم أن بناء العلاقات مع الدول الأخرى هو «حق سيادي» لا يتدخل فيه أحد. وتتفق الخطوات الإيرانية الإماراتية مع نفس الخطوات التي تقوم بها المملكة العربية السعودية تجاه إيران؛ حيث التقت وفود السعودية وإيران 4 مرات في بغداد، وتستعد للجولة الخامسة، بحسب ما قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لقناة «فرنسا 24» في 13 نوفمبر من العام الجاري.

الدبلوماسية الاقتصادية

رغم التوترات الإقليمية في منطقة الخليج، ظلت التجارة والاستثمارات طريقاً للتواصل بين شعوب المنطقة، وعندما بدأت المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي عام 2013 كان حجم الصادرات الإماراتية لإيران يشكل نحو 97 % من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي لإيران. وفي عام 2017، كانت الإمارات المستورد الرئيسي للواردات الإيرانية، وبلغ معدل التجارة بين البلدين 12.9 مليار دولار، ورغم أن معدل التجارة بين البلدين تراجع على خلفية الانسحاب الأمريكي من اتفاق 5+1 في مايو 2018، إلا أنه ظل هو الأكبر في منطقة الخليج بـ3.5 مليار دولار في عام 2019، وفق دراسة نشرها معهد دول الخليج العربية للباحثة بانفشة كينوش في 26 فبراير الماضي.

فرصة حقيقية

يقدم الحراك الإماراتي القائم على توسيع مجالات التعاون والتشاور والتواصل والحوار مع إيران «فرصة حقيقة» لبدء «مرحلة جديدة» في المنطقة، وهذه الفرصة التي تقدمها الإمارات لا تستحق أبداً أن تكون «فرصة ضائعة».