تحمل زيارة رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، إلى المملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية لها، دلالات ورسائل اعتبر محللون تحدثوا لـ«الرؤية» أنها تخلق واقعاً جديداً في الشرق الأوسط.
ووصلت «بودن» إلى الرياض مساء الأحد؛ للمشاركة في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي تستضيفها المملكة اليوم وغداً، لكن محللين اعتبروا الزيارة دليلاً على رغبة تونس في العودة للحضن العربي بعد سنوات من حكم حركة النهضة الإخوانية المعادية للسعودية والإمارات ومصر والبحرين.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب بتونس، الدكتور محمد بوشنيبة، إن هذه الزيارة تأتي في سياق الرؤية التي يتبناها الرئيس قيس سعيد في السياسة الخارجية، والتي تقوم على أولوية التعاون العربي - العربي قبل أي تفاعل آخر، لافتاً إلى أن أول زيارة للرئيس التونسي كانت إلى الجزائر، ثم مصر وليبيا، فضلاً عن التفاعل الإيجابي والمستمر مع القيادات الخليجية في السعودية والإمارات.
وأضاف «بوشنيبة» لـ«الرؤية» أن تعكر صفو العلاقات مع الجيران الأوروبيين بسبب التصريحات المسيئة للسيادة الوطنية التونسية، يدفع تونس إلى النظر لفضاء دولي آخر.
وأشار إلى أن قرار تأجيل ملتقى الدول الفرانكفونية، الذي كان سيعقد في تونس خلال الشهر المقبل، يعد فصلاً من فصول الفتور في العلاقات مع الأوروبيين، ومن البديهي البحث عن مساحة فعل سياسي أخرى خصوصاً في العمق العربي.
استقرار تونس
وأكد بوشنيبة على أن الإخوان كانوا سبباً رئيسياً في كوارث المنطقة، وعقدوا العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، وحاولوا خلال معركتهم مع الرئيس قيس سعيد أن يستنجدوا بحلفائهم الأوروبيين للتراجع عما أقدم عليه لكنهم فشلوا، لافتاً إلى أن السعودية كانت من الدول الداعمة لاستقرار تونس واحترام إرادة التونسيين وعدم التدخل.
وتابع أن الزيارة رغم أنها في مناسبة تستضيفها المملكة، إلا أنها تعكس تحمس تونس وتوجهها نحو الحضن العربي، وهي سياسة بدأها الرئيس سعيد في زيارته إلى مصر الربيع الماضي، وتتمدد إلى دول الخليج.
معادلة جديدة
من جانبه، قال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عبدالوهاب عيسى، إن «جماعة الإخوان تتبنى رؤية هادمة لكل شيء، دون أي فكر لبناء، فأول ما يشغل بال الإخواني حال سيطرته هو الهدم، فقد هدموا كل الدول التي حكموها ولم نجد أثراً لأي بناء». بحسب تصريحاته.
وأضاف عيسى لـ«الرؤية» أن الإخوان يعانون اضطراباً شديداً في سياساتهم الخارجية، وهذا نتيجة المزايدة الدائمة على الحكومات، فبمجرد الوصول للسلطة، تكتشف أن الجماعة تعادي محيطها العربي الإسلامي.
وأشار إلى أن «فقدان البوصلة أكثر ما يفشل جماعة الإخوان، وينبع من حالة الكذب الدائم والادعاء والزيف التي تعيش فيها قيادات الجماعة»، مؤكداً أن زيارة رئيسة الوزراء التونسية للسعودية ستكون ذات أهمية استراتيجية لتونس، حيث البحث عن الاستثمارات، وتحريك الأجواء في اتجاه إيجابي مع دولة كبرى مثل السعودية، ومن خلفها التحالف العربي المصري الإماراتي السعودي البحريني.
وتابع أن تقارب تونس مع الرباعي العربي سيزيده ثقلاً وعمقاً وقوة، فتونس الجديدة ستكون نموذجاً فريداً لتداول السلطة تحت مظلة أفكار راسخة مثل حماية الدولة ومؤسساتها ومنع تفككها، وإبعاد الإخوان من المشهد، وهي ذاتها قناعات مصر والإمارات والسعودية والبحرين، ما يعني أننا أمام تغير كبير، حيث سنرى نموذجاً للديمقراطية والحرية والتعددية التونسية، مع إبعاد للفكر الرافض للدولة ومؤسساتها، وهو ما سيضيف للتحالف قوة ناعمة كبيرة، ويجعلنا أمام معادلة شرق أوسطية جديدة هي نتاج الشرق ذاته، وليست مفروضة عليه ممن سواه كما كان الأمر سابقاً.