تباينت ردود فعل اللبنانيين بعد إعلان طال انتظاره عن تشكيل حكومة جديدة رأت النور، أمس الجمعة، بعد نحو عام من فراغ سياسي حاد عمَّق أزمة اقتصادية غير مسبوقة متواصلة في لبنان منذ عامين.
وفور إعلان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي عن تشكيل الحكومة، سادت أجواء إيجابية شابها الحذر من رفع سقف التوقعات. وقالت رانيا كنيعو (مديرة الجودة النوعية في شركة استشارات هندسية): «بالتأكيد هو أمر إيجابي، لكن للأسف نحن- اللبنانيين- لدينا صفر ثقة في كل السياسيين».
وأضافت كنيعو لـ«الرؤية»: «نرجو أن ينجح ميقاتي في مهمته، لكن بكل أمانة أصبحنا لا نضع الكثير من الآمال على الطبقة الحاكمة حتى لا نواجه مزيداً من الإحباط مرة تلو الأخرى».
من جانبه، أعرب سمير جاك دوماني (عضو في مبادرة التسلح الخلقي) عن اعتقاده بأنه رغم «التفاؤل الشديد بين اللبنانيين لرؤية بصيص من الضوء من بعد دخول نفق
أسود بلا نهاية»، فإنه على المستوى الشخصي لا يسعه إلا أن يكون حذراً من كل وأي شخص يدخل الحكومة «لأن الفساد الساطع سوف يكبّل الأيادي النظيفة».
لا يمكن بناء بلد على جرح ملوث
وأضاف دوماني لـ«الرؤية»: «هناك أمل كبير في التغيير والعودة للحياة الكريمة». لكن «لا يمكن بناء بلد على جرح ملوث. لا بد من مداواة الجرح أولاً وبعمق». وأوضح: «لا بد من إجراء محاكمات لكل من أساء لهذا البلد. لا بد من إنهاء الطائفية. يجب أن تكون هناك اعتذارات من كل طرف تجاه الآخر لأن الكل أساء للكل».
وبتفصيلٍ أكثر وبألمٍ نابض، قال دوماني: «جُرحنا القديم هو الحرب الأهلية في 1975، وما تلاها من حروب داخلية بين المسيحيين بعضهم البعض، والمسلمين بعضهم البعض. لا يمكن علاج ما يجري في البلد قبل علاج هذا الداء».
وأشار دوماني بغضب إلى الطريقة التي تُليت بها أسماء أعضاء الحكومة الجديدة، موجهاً انتقاده للسياسيين قائلاً: «عيب عليكم.. ما زلتم تتلون كل اسم وتصفونه بالسني والشيعي.. ما زلنا نقول رومي وماروني! أين نحن! لن يستقيم أمر هذا البلد ولو نزل جميع القديسين على أرض لبنان.. لا بد من تطهير هذا الداء أولاً».
وأوضح أن كثيراً من الأسماء الواردة في الحكومة الجديدة هي لأشخاص سيرتها «نظيفة»، لكن السؤال: «هل سينجحون فعلياً، أم سيتلقون مكالمات باكراً تأمرهم بإغلاق هذا الملف أو ذاك». وختم: «كل شخص نظيف خلفه سياسي بأجندة».
بدورها، رأت مواطنة لبنانية أن تشكيل الحكومة خطوة إيجابية «تأخرت كثيراً». وقالت لـ«الرؤية» مفضلة عدم ذكر اسمها: «التغيير كلمة كبيرة ولا يمكن أن يصبح بين ليلة وضحاها، خصوصاً في النظام الحالي الذي هو سبب أساسي في مشاكل البلد».
وأضافت: «الطاقم الحاكم ما زال على حاله وما زال موجوداً. لكن وجود حكومة في ظل الأزمات التي لا تعد ولا تحصى طبعاً أفضل من عدمه. على الأقل الأمل في حل المشاكل الحياتية اليومية، التي كادت أن تقتل كل ما فينا من آمال وطموحات- إن لم تكن قد قتلتها بالفعل». وأكدت أن «اليأس من التغيير موجود. لكن الأمل فقط في إزالة الضغط الرهيب عن أنفسنا».
ويعاني اللبنانيون منذ نحو عامين من وطأة أزمة اقتصادية خانقة. وتشرح كنيعو : «الشعب اللبناني يحب الحياة والسفر والشراء. لكن هذا الأمر أُلغي من قاموسنا منذ ثورة 17 أكتوبر 2019 التي من بعدها انقلبت حياتنا رأساً على عقب».
وأوضحت في حديث مستفيض لـ«الرؤية»: «بدأت الثورة وكان لدينا أمل في تغيير الطبقة الحاكمة الفاسدة، وفي تغيير أشياء كثيرة، لكنهم سعوا بكل ما أوتوا لكسر هذه الثورة وتحطيمها، ونجحوا في ذلك». وتابعت: «ثم جاءت جائحة كورونا ثم الانهيار الاقتصادي ثم انفجار المرفأ، الذي هزنا، وصولاً إلى الأزمة المالية الرهيبة».
«لقيتي بنزين؟»
وأشارت كنيعو ، وهي أم لطفلين، إلى غياب البنزين والمازوت والغاز ومؤخراً الماء، فضلاً عن تأخر الإنترنت، وتأثير كل ذلك على الأطفال، فيما أسمته بـ«الموت البطيء». وشرحت لـ«الرؤية»: «مثلاً ابنتي (9 سنوات) لم تعد تسألني الأسئلة التقليدية للأطفال عندما أعود إلى البيت من العمل. فبات أول شيء تسألني عنه هو: لقيتي بنزين؟».
وقالت «ما إن يرى أطفالي طابوراً من الزحام، حتى يدركوا بسرعة أنه من أجل تعبئة البنزين». وقالت: «أصبح الأطفال دائماً قلقين من إغلاق المدرسة. بمعنى آخر كبروا كثيراً قبل أعمارهم الحقيقية. أصبحوا واعين لأشي- المفروض ألا تشغلهم ولا حتى أن تشغلنا نحن الكبار- لأنها حقوق طبيعية ليست محل سؤال».
وأضافت: «حتى مع أصدقائهم، أصبحت مواضيعهم المشتركة عما يفعلون وكيف يتسلون عند انقطاع الكهرباء». وقالت: «حتى لو فكرنا في أن نقابل أصحابنا لعمل أنشطة ما.. كثيراً ما يعتذر الأصدقاء والسبب: عدم قدرتهم على تأمين مازوت.. فأصبح الأطفال دائماً قلقين وعلى أعصابهم».
وختمت: «مهما حاولنا ألا نمرر لأطفالنا قلقنا، هم أذكياء يعيشون ما نعيش من قلق. هي فترة صعبة خصوصاً لمن عندهم أطفال. بالنسبة لي كأم، يمكن أن أتحمل الكثير مقابل أن أستمر في بلدي، لكن عندما يصل الأمر لأطفالي.. يصبح خطاً أحمر، وأفكر جدياً في الهجرة رغم صعوبة القرار».