شكّل مجلس التعاون الخليجي، منذ تأسيسه في 25 مايو 1981، قاطرة العمل السياسي الخليجي المشترك وبوتقة استطاعت لم شمل الدول الأعضاء في مواجهة أزمات تموج بها المنطقة، بحسب محللين وسياسيين تحدثوا لـ«الرؤية».
واستطاع المجلس الذي يضم كلاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت، وعمان، والبحرين، وقطر، طيلة 40 عاماً تحقيق التوازن في سياساته وتلبية طموحات شعوب الخليج.
روابط عميقة
أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، الدكتور عبدالخالق عبدالله، يقول إن مجلس التعاون الخليجي مر بثلاث سنوات صعبة للغاية في الآونة الأخيرة، لكنه أكد وبما لا يدع مجالاً للشك، أنه جاء ليبقى، وكل من أصدر شهادة وفاة بحق هذا المجلس خلال سنوات الأزمة الخليجية، اتضح أنه لا يدرك عمق الروابط القائمة بين دول مجلس التعاون، وقدرته على الاستمرار، ورغبة دول وشعوب المجلس في الحفاظ عليه.
وأشار إلى أنه خلال 40 عاماً منذ تأسيسه مر المجلس بفترات من الصعود والهبوط، وبفترات من التقدم والتراجع، وهذا من طبيعة كل المشاريع الإقليمية في العالم، بما في ذلك أقدمها وأقواها، الاتحاد الأوروبي، الذي عانى مؤخراً من أزمة الانسحاب البريطاني، ولم نشهد مثل هذا الانسحاب خلال 40 عاماً في مجلس التعاون الخليجي، ولن نشهد، لأن هذه الدول اتخذت قرارها بالبقاء معاً.
و أضاف«عبدالله» لـ«الرؤية»، أن هذه المسيرة التعاونية مرت بمحطات صعبة خلال 40 عاماً، وبعد كل أزمة ومحطة يزداد الإيمان بالتعاون الخليجي، وينتقل خطوة بسيطة للمزيد من التنسيق الأمني والتعاون السياسي والاندماج الاقتصادي، فالخط البياني للتعاون الخليجي في صعود مستمر خلال 40 سنة.
وأوضح عبدالخالق، أن أحدث قمة لدول المجلس في مدينة العلا بالسعودية، التي عقدت مطلع العام الجاري، كانت من أهم اللقاءات وأنجحها.
وتابع أنه اليوم برزت الهوية الخليجية، فالإماراتي والسعودي والكويتي والبحريني والقطري والعماني بقدر ما هو فخور بهوية بلده، هناك فخر واعتزاز بهويته الخليجية، فالهوية الخليجية أصبحت حقيقة كالهوية الأوروبية، وهذا تطور مهم، لافتاً إلى أن هذه الهوية ارتبطت أكثر من أي شيء آخر ببروز مجلس التعاون الخليجي، والذي كان سبباً أيضاً في أن الخليج أصبح مركز ثقل عربي جديد.
حقق الاندماج
يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا حسن إن «مجلس التعاون الخليجي استطاع الاستمرارية منذ إنشائه حتى الآن، وحقق درجات من الاندماج بين دول الخليج، خاصة في المجال التجاري والاقتصادي، ومجال الاستثمارات، وحركة السكان، وحرية التملك، ومجال الإعمار، والتعاون في التنمية المشتركة، وبدأ خلال السنوات الأخيرة عملية تطور في مجال الدفاع، والتدريبات المشتركة بين دول الخليج».
وأضاف حسن لـ«الرؤية» أنه من ضمن إنجازات المجلس أنه استطاع إيجاد حد أدنى من التنسيق بين الدول الأعضاء، فتقاربهم من النواحي السياسية والاقتصادية، أوجد نوعاً من التنسيق في سياستهم، تجاه معظم القضايا العربية، أو المنظمات الدولية، من خلال الاجتماعات التي تنسق المواقف قبل المناسبات الكبيرة، مثل اجتماعات الأمم المتحدة، واجتماعات الدول العربية.
أمن الخليج
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور إكرام بدرالدين: «المجلس يعمل على تحقيق نوع من التنسيق والتكامل بين الدول الخليجية، التي تجمع بينها عوامل مشتركة، ويمكن القول أيضاً إنه في ضوء التهديدات المشتركة، التي تتعرض لها الدول الخليجية، يزيد تكتل الجهود في مجلس مشترك من قوتها، ويجعل لها موقفاً مشتركاً تجاه القضايا الدولية والإقليمية. وفي إطار التعاون العربي الخليجي، استطاعت الدول العربية أن تنسق فيما بينها في سياستها المختلفة، وفي مواقفها الدبلوماسية والسياسية، وفي التعاون الاقتصادي المشترك».
وأضاف بدرالدين لـ«االرؤية» قائلاً: «كان هناك أيضاً تنسيق عسكري، وتدريبات عسكرية مشتركة، أحياناً تأخذ طابع أداء مهام عملية بالفعل، وليس مجرد تدريبات، وهناك قوات درع الجزيرة الخليجية، التي تقوم بتدريبات مشتركة، وتتدخل بمهام، فقد رأينا منذ سنوات، عندما تعرضت البحرين عام 2011 لأخطار ونزاعات طائفية بتحريض من دول أخرى، تدخلت قوات درع الجزيرة، وأخمدت هذه الاضطرابات، وقبلها كان قد تم إقرار اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك خلال قمة المنامة ديسمبر عام 2000».
مواجهة الإرهاب
ويقول الباحث السياسي السعودي، الدكتور محمد الحربي إن «الدول الخليجية لها موقف في إطار مجلس التعاون الخليجي، بالتصدي للإرهاب، والمساهمة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والعمل الجاد لمواجهة الإرهاب والتطرف، ونبذ كل أشكاله وصوره، والعمل على تجفيف مصادر تمويله».
وأضاف لـ«الرؤية» أن «من أبرز إسهامات المجلس في السياسة الخارجية، دعم القضية الفلسطينية، ودعم السودان للخروج من أزمته الاقتصادية، ولعب دور مؤثر على المستوى الدولي، لإخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب».
اتحاد الصمود
ويقول مدير المركز العربي للدراسات السياسية، الدكتور محمد صادق إن المجلس «سعى طوال المسيرة لتحقيق نوع من التعاون السياسي على مختلف المستويات، وتوحيد الجهود السياسية في مختلف القضايا بين أعضائه، بالإضافة إلى التشاور المستمر حول القضايا التي تهم المنطقة العربية، والقضايا التي تهم منطقة الخليج العربي تحديداً، وإقامة علاقات جيدة، سواء مع الدول العربية، أو خارج المنطقة العربية».
وأضاف صادق لـ«الرؤية» أن المجلس «نجح على المستوى الاقتصادي في تحقيق إنجازات مهمة؛ كقيام الاتحاد الجمركي عام 2003، وإقامة السوق الخليجية المشتركة عام 2008، وإلغاء التعريفة الجمركية بين دول المجلس، وفتح الحدود بين مواطني دول المجلس للانتقال بحرية تامة، وفتح أفاق أرحب للتعاون التجاري، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، نجح المجلس في خلق علاقات جيدة مع التكتلات ودول العالم».
وتابع صادق أنه «على مدى 4 عقود، كانت آمال الشعوب الخليجية معلقة على تحقيق المجلس المزيد من الإنجازات في ظل التحديات المستقبلية، كما سعى المجلس لإقامة علاقات جيدة مع إيران قائمة على حسن الجوار، واحترام استقلال وسيادة الدول الأخرى، إضافة إلى علاقاته مع الدولة التركية والعالم العربي، ونجح في الحفاظ على سياسات مستقرة مع العديد من الدول على حد سواء، ولم يدخل في نوع من الصراعات أو القضايا الخلافية، وكانت سياساته متزنة، وتقوم على احترام الآخر، واحترام سيادة الدول وأمنها القومي».