بعدما كان من المقرر أن تجري الانتخابات الفلسطينية، البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، خلال العام الجاري، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات لحين سماح إسرائيل بمشاركة سكان مدينة القدس الشرقية فيها.
ووفق الرواية الفلسطينية، فإن إسرائيل بررت عدم موافقتها لمشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات، بأن ليس لديها حالياً حكومة رسمية أمام البرلمان الإسرائيلي «الكنيست».
على النقيض من المصطلحات التي تداولها الفلسطينيون بشأن هذا القرار، ما بين التأجيل أو الإلغاء أو التجميد، إلّا أن جميعها يشير إلى نتيجة واحدة، وهي عدم إجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها حتى إشعار غير معروف تاريخه.
وفضلاً عن أن ردود الفعل الإقليمية والدولية جاءت متباينة بعض الشيء، أو غير واضحة مدلولاتها بين السطور السياسية، يبقى الأمر قائماً أولاً وثانياً على النوايا الفلسطينية فيما بينهم.
أبرز المواقف الدولية
الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، صرح بأن حكومته تعتبر تأجيل الانتخابات الفلسطينية شأناً داخلياً، وليس لها ما تقوله في مسألة يقررها الشعب والقيادة الفلسطينية. بينما عبر وزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب، عن إحباط حكومته من قرار التأجيل، ودعا لتحديد موعد جديد قريب.
وذكرت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، في بيان مشترك، أن قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية مخيب للآمال. فيما وصفت تركيا قرار التأجيل بالاضطراري، بسبب رفض إسرائيل مشاركة سكان القدس الشرقية بالانتخابات.
ليس من بين هذه التصريحات ما فيه إلزامية صارمة للطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، مما كان سبباً في ميول الكثير من التحليلات السياسية إلى المخاوف من صعود حركة حماس إلى الأغلبية البرلمانية التي سوف تقربها من كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية.
استنفار الفصائل الفلسطينية
تفاوتت ردود فعل الفصائل الفلسطينية أيضاً وسط محاولات تهييج وإلقاء للكرة في ملعب الشعب الفلسطيني.
دعا صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إلى رفع سلاح المقاومة الشعبية والسلمية ضد إسرائيل. بينما حثّ زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، إلى الجهاد والمقاومة ضد إسرائيل.
وطالب مصطفى البرغوثي، الذي انطلق من الحزب الشيوعي، بالاشتباك الشعبي مع إسرائيل داخل مدينة القدس لتكون مقاومة شعبية وأداة للوحدة الوطنية الفلسطينية.
التفاوت وصل حد التناقض في الموقف الذي اجتمعت عليه الفصائل الفلسطينية، باستثناء تيار الرئيس عباس، وهو رفض إجراء الانتخابات الفلسطينية دون سكان القدس الشرقية، وفي الوقت نفسه، رفض تأجيل الانتخابات بسبب عدم مشاركة سكان القدس الشرقية.
هذه التناقضية الفكرية المضطربة، أسست لها الجبهة الشعبية الفلسطينية «الشيوعية»، فهي أول من رفض المشاركة في الانتخابات الفلسطينية، وهي أول من رفض قرار تأجيلها، وهي أول من حث على المقاومة الشعبية بعد قرار التأجيل.
القدس المضطربة
من أخطر العبارات التي نفخها الإعلام الفلسطيني في عقول الشباب، هي أن الانتخابات الفلسطينية في القدس لا تحتاج إلى موافقة إسرائيلية، وهذه العبارة ليست إلا محاولات لزعزعة الأمن المقدسي لوقف التنسيق الأمني من أجل حسابات أجنبية معادية للسلام.
دعوة جماعة الهيكل للاحتشاد في بيت المقدس يوم 28 من شهر رمضان له دور في إثارة الفوضى القائمة حالياً، ولكن الفصائل الفلسطينية أيضاً، حرضت على مواجهة الفوضى بالفوضى.
إن تهييج المقدسيين لإحياء يوم القدس العالمي الذي اعتمدته إيران في الجمعة الأخيرة من كل شهر رمضان لمناهضة الإمبريالية العالمية، هو لنشر الفوضى في العديد من بلدان العالم، وليس فقط في فلسطين.
وما كان تأخير قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية ليتزامن مع يوم القدس الإيراني، إلا لدس الشعار المسموم المصنوع باسم الفلسطينيين في مطالب الشعب الفلسطيني لتعطيل حقوقهم وسلامهم مع إسرائيل.
تقنين الانقسام
ومن الرواية الإسرائيلية نستفيد، حيث أفادت صحيفة يسرائيل هيوم بأن إسرائيل أبلغت سفراء 13 دولة أوروبية أنها لن تتدخل في الانتخابات الفلسطينية، وأن القرار يعود للرئيس محمود عباس.
التصريح وضع الأمور في نصابها، وفق الكثير من التوقعات، بأن قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية يرجع لموقع حركة فتح على خريطة الفصائل الفلسطينية، والمؤشرات السلبية حول بقائها على رأس هرم السلطة الفلسطينية.
اقترح الرئيس محمود عباس تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد قرار التأجيل، وربما كانت تلك هي الغاية التي توافقت عليها بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة حركتي فتح وحماس، وهي تقنين التقسيم المناطقي، حيث تكون الضفة الغربية خاضعة لحكم السلطة الفلسطينية التي تستحوذ عليها حركة فتح، فيما يبقى قطاع غزة تحت حكم جماعة الإخوان الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ 15 عاماً.
الخاسر والمستفيد
دون أدنى شك، أن الخاسر الأول هو الشعب الفلسطيني على المدى البعيد والذي طالما بقي رهينة النوايا الحزبية العاملة لمصالحها الفكرية والأجندات الخارجية.
ما حدث في اجتماع بيروت في سبتمبر الماضي الذي دعا للمصالحة بين حركتي فتح وحماس بذريعة مواجهة صفقة القرن والانفتاح العربي على إسرائيل، لم يكن بمفهومه الحقيقي المبطن الذي أدركه الشعب الفلسطيني اليوم بعد قرار تأجيل الانتخابات.
والحراك الفلسطيني طوال الأشهر الثمانية الماضية، كان أشبه بإعادة ترتيب الأولويات والصفوف خوفاً من تواصل بعض الدول العربية مع الفلسطينيين بشكل مباشر دون وساطة المليشيات الفلسطينية.
يبدو أن جميع الحروب التي خاضتها حركتا فتح وحماس طيلة 15 عاماً، كانت من أجل الحفاظ على البقع الجغرافية الواقعة تحت سيطرتهما السياسية والأمنية.
بكل تأكيد أن المستفيد الأول من هذه المعركة الوهمية هو الذي أصدر قرار إلغاء الانتخابات، وهو تيار فتح الذي يقوده الرئيس عباس، بينما المستفيد الثاني هي حركة حماس التي حافظت على موقعها في قطاع غزة، والتي أوصلت رسالة للعالم، أن انقلابها على السلطة الفلسطينية لم يكن إلا بمباركة الفصائل الفلسطينية المنتفعة في الضفة الغربية.
إن التوقيت الخاطئ الذي دائماً تختاره الفصائل الفلسطينية هو السبب الرئيسي وراء تعثر الكثير من مطالب الشعب الفلسطيني، فاختيار توقيت المصالحة وتوقيت الانتخابات وتوقيت الإلغاء لم يكن إلا ذرائع تتكسب منها الميليشيات الفلسطينية.