خلال الساعات القادمة، تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة، الحوار الإقليمي بشأن العمل المناخي، والذي ينعقد قبل قمة القادة للمناخ، في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي دعا لها الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، في وقت لاحق من شهر أبريل الجاري، في خطوة إيجابية وخلاقة، ضمن مساعي إنقاذ كوكب الأرض.
ولأن الإمارات باتت حجر زاوية في مشروع استنقاذ الأرض، لذا جاء التمثيل الدولي الذي يشارك في أعمال الحوار، وفي المقدمة منه المبعوث الأمريكي وزير الخارجية الأسبق جون كيري، معبراً عن أهمية الحدث.
الإمارات والاهتمام المبكر بالبيئة
يعن لنا قبل الدخول في عمق الحديث عن سردية الجهود الإماراتية المشاركة بنجاعة عالية، في تغيير أحوال الكوكب المأزوم التساؤل: هل الأمر ديدن جديد تمضي فيه الإمارات، الدولة صاحبة الرسالة في المنطقة؟
يعود بنا الجواب إلى عام 1975، أي بعد 4 سنوات فقط على قيام الاتحاد، ووقتها لم تكن قضية التغير المناخي قد أطلت برأسها من نافذة الأحداث الدولية، ومع ذلك فقد استبق الشيخ زايد الخير، رحمه الله، الأب المؤسس، العالم برمته، حين دعا إلى تأسيس اللجنة العليا للبيئة في البلاد، وبعد عقدين، وبالتحديد في عام 1995، أصبحت الإمارات طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ومن بُعد، رأى رجل الصحراء وحكيمها، الشيخ زايد طيب الله ثراه، أن العيش في وسط الصحراء كفاح صعب، ولهذا وجه جل اهتمامه بالبيئة، والاهتمام بالزراعة بوجه عام، والمضي في طريق التشجير بنوع خاص، بما عاد على البلاد والعباد بالنفع الكثير، فاستحق وعن جدارة لقب "فارس الصحراء"، الذي حولها رمالها الصفراء إلى جنان خضراء.
سردية النجاحات الإماراتية على صعيد البيئة، هي التي مكنت الإمارات من ترويض صحاريها بالمساحات الواسعة والشاسعة من الغابات، رغم أن آراء الخبراء من غير الإماراتيين، قطعت بأنه من الاستحالة بمكان زراعة هذه الأراضي، نظراً لطبيعتها الصحراوية، وفات هؤلاء أن الإرادة الإماراتية لا تعرف كلمة المستحيل.
خلال 3 عقود من انضمام الإمارات إلى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، تغيرت الأوضاع وتبدلت الطباع، وباتت الخليقة برمتها أمام هول أشد خطراً من انفجار القنابل النووية.
تأثير التغيرات المناخية
هل تأثير التغيرات المناخية يتعلق فقط بالاقتصاد، ولا يقترب من حدود السياسة والعلاقات الدولية؟
الجواب هو أن التغيرات المناخية لها تأثير كبير على العلاقات الدولية، إذ يذهب خبراء البيئة والمناخ، في رصدهم للآثار المتوقعة للتغيرات المناخية لأبعد من ذلك، مؤكدين أنها تفرض أوضاعاً خطرة، على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، نتيجة لوقوع أكثر من 400 مليون نسمة تحت ظروف معيشية متدهورة، بسبب الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وزيادة عدد السكان، وتردي النشاط الاقتصادي، وهو ما سيظهر معه مشاكل متعددة، في أغلب قارات العالم، خلال الفترة ما بين 2020 و2030، حيث يتوقعون تعرض أوروبا إلى جفاف، سينعكس على شكل صراعات مسلحة بين دول الاتحاد الأوربي، حول الغذاء وموارد المياه ومشاكل الهجرة.
وفي آسيا ستتعمق النزاعات الحدودية بين بعض الدول، التي تعاني من مشاكل المياه، وهو ما سيؤدي إلى تطوير الإمكانات العسكرية في بعضها، وتعميق اتفاقيات حول حماية مصادر الطاقة وامتداداتها، مثل النفط والغاز الطبيعي، ويطول الشرح بالنسبة لبقية قارات العالم.
وتبدو الإمارات صوتاً صارخاً في برية العالم القاحلة، ففي أواخر ديسمبر حين سلمت الإمارات تعهداتها والتزاماتها الوطنية في اتفاقية باريس للتغير المناخي، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على تويتر يقول: "التغير المناخي هي المعركة الأبرز للبشرية، خلال العقود القادمة، للحفاظ على كوكب الأرض سليماً للأجيال القادمة".
تصدي الإمارات للتغير المناخي
ما الذي تفعله الإمارات في هذا الإطار؟
صدقا يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض توجهات الإمارات، وفي المقدمة منها الالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية، في كل جوانب قطاعاتها الاقتصادية بحلول عام 2030.
عطفاً على ذلك، فقد بدأت الإمارات بالفعل أولى استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة منذ 15 عاماً، واليوم تقوم بتشغيل 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية، وأكثرها تنافسية من حيث التكلفة في العالم.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن الإمارات هي أول دولة في الشرق الأوسط تدير محطة لإنتاج الطاقة النووية السلمية، الخالية من انبعاثات الغازات الضارة بالبشر والحجر على حد سواء.
ولعله من أفضل التصريحات التي خرجت من الإمارات، في مناسبة انعقاد الحوار الإقليمي، ما صرح به وزير الصناعة والتكنولوجيا، الدكتور سلطان الجابر، وفيه أشار إلى أن الرؤية السديدة للقيادة الإماراتية الرشيدة، باتت توجه الأنظار نحو العمل المناخي المتقدم، باعتباره يتيح فرصاً كبيرة لتعزيز نمو الاقتصاد وتنويعه، وتبادل المعرفة وصقل المهارات، وكذلك المساهمة في إيجاد حلول عملية، لمواجهة تحدٍ عالمي يؤثر على كافة المجتمعات حول العالم.
ولعله من المقطوع به أن الإمارات أظهرت التزاماً راسخاً، وبعيد المدى، بالعمل التدريجي، وعملت على تعزيز جهود التنمية المستدامة، في مختلف أنحاء العالم، ولهذا سوف تخرج على العالم في ختام الحوار الإقليمي، بما يثري المشهد الأممي على صعيد تسريع وتيرة العمل من أجل المناخ العالمي.
ما الذي يتبقى قوله قبل الانصراف؟
حكماً، تسارع الإمارات في نشر السلام في محيطها الإقليمي، وبدورها الخلاق على صعيد حفظ المناخ العالمي من التدهور، فإنها تؤكد مساعيها لسيادة مفهوم السلام العالمي، وهو ما تسعى إليه من خلال خطتين استراتيجيتين:
الأولى: من خلال اعتماد القانون الوطني الأول في المنطقة لتغير المناخ، والذي سيمثل مظلة عامة لكافة جهود وإجراءات العمل من أجل المناخ على مستوى الدولة.
الثانية: العمل على تفعيل مشروع شبكة الإمارات لأبحاث المناخ الذي أطلقته الوزارة في يناير الماضي، ليشكل منصة متكاملة لأبحاث المناخ في الشرق الأوسط، بالتعاون مع العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية في المنطقة، لتوفير دراسات علمية، توضح طبيعة تأثير المنطقة حالياً ومستقبلاً، بالتغير المناخي، ومتطلبات التكيف مع تداعياته.
الخلاصة.. الإمارات سردية حقيقية في طريق عالم بيئي مغاير أكثر إيجابية.