في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تجديد تحالف بلاده مع السعودية ضد الإرهاب والمخاطر الإيرانية، أعلن أيضاً شطب اسم حركة أنصار الله الحوثية من قائمة الإرهاب الدولية. الأمر الذي أثار بعض التساؤلات التعجبية لدى حلفاء واشنطن العرب، من حيث إمكانية أن تنال بقية الأذرع الإيرانية الحرية ذاتها كحزب الله وحماس والحشد الشعبي.
أو: ما هي حاجة الخليجيين من التحالف مع واشنطن ضد إيران التي لا تخوض حروبها بالوجه المباشر، بل عبر أدواتها الفكرية ومليشياتها المسلحة التي منحها البيت الأبيض الأمريكي صك الغفران مجهول الغاية؟
ليس من السهل تغيير القرار الأمريكي، كما ليس من المنطق أن نبقى مكتوفي الأيدي لحين عودة الرئيس دونالد ترامب، أو من هو الأقرب لفهم متطلبات الأمن القومي العربي وآليات العمل المشترك وفق منظومة الأمن والسلم الدوليين.
لذلك، وبعيداً عن نظرية المؤامرة، علينا أن نبحث جيداً عن منطوق جديد، وفق تجارب سابقة كالأوروبية، نستفيد منها في إعادة صياغة الملف اليمني خلال الأربعة أو الثمانية أعوام القادمة، والغاية هي توسعة دائرة «المسؤولية الدولية» تجاه قضايا الشرق الأوسط لكبح التأثير السلبي للمتغيرات المتسارعة الناتجة من صراع اليسارية العالمية مع اليمين المحافظ.
الثقافة، بين التعددية والانصهار
لم تتخوف الحكومات الأوروبية من انصهار شعوبها مع الثقافات الجنوب عالمية المهاجرة لأوروبا، لأن الثقافة الأوروبية بعمومها فيها من المرونة ما يجعلها متواكبة بما يتناسب مع ثوب الحضارة الأوروبية المادية، بمعنى أنه لا خوف على الثقافة الأوروبية ما دامت حضارتها الحديثة التي أبهرت العالم بتفوقها العلمي والمدني هي السائدة حالياً.
قوانين «التعددية الثقافية» التي أقرتها الدول الأوروبية كانت من أجل استقطاب المهاجرين لإشراكهم في تعزيز الحضارة الأوروبية وعولمتها بعد طمأنتهم أن الدساتير الأوروبية تكفلت بحماية خصوصية جميع الثقافات والأديان، شريطة ألاّ تخضع هذه التعددية لأجندات خارجية للعمل ضد الأمن القومي الأوروبي.
من خلال المعلومات الاستخباراتية التي تم تفكيكها عبر مراكز دراسات وأبحاث متخصصة ومقربة من صُناع القرار الغربي، اتضح أن بعض أماكن العبادة والتعليم الديني تم اختراقها بالمسميات الدينية، مما قد يجعل الأراضي الأوروبية محطات للحروب بالنيابة عن صراعات خارجية.
بعد عام 2013، أعربت ألمانيا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وكندا رفضهم لمنظومة التعددية الثقافية بعدما شكّك رئيس وزراء بريطانيا السابق كاميرون ورئيس فرنسا السابق ساركوزي بتلك السياسة خوفاً من الإرهاب الداخلي الناتج من ارتباط المهاجرين بالثقافة العربية والإسلامية.
كان البديل المطروح هو دمج المهاجرين بثقافة البلد التي هاجروا إليها، والتي تُعرف بمرحلة «ذوبان الهوية»، أي تخلي المهاجرين عن ثقافتهم التي تركوها في بلادهم الأم من أجل القدرة على الإندماج بهوية البلد الذي استوطنوا فيه.
الحوثيون بين ترامب وبايدن
إن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي فضّل العمل مع المهاجرين الآسيويين والأفارقة في البيت الأبيض دون الاستعانة بالأمريكيين الأصليين، ليس كالرئيس الذي سبقه دونالد ترامب الذي طالب المهاجرين بالعودة إلى بلادهم إذا كانوا غير قادرين أن يكونوا أمريكيين ثقافياً كالأمريكيين أنفسهم.
ما هو جدير بالانتباه له أن الكثير من القرارات السياسية الصادرة دولياً تكون منبثقة من الوازع الفكري الداخلي للشخص المسؤول. والرئيس بايدن وهو أحد عرّابي التعددية الثقافية في بلاده والعالم، ليس له أن يتجاوز الحوثيين دون العمل على شطب اسم حركتهم أنصار الله الحوثية من قائمة الإرهاب العالمي، لإيمانه بضرورة وجودها على الساحة اليمنية كجزء من التعددية.
الرئيس السابق دونالد ترامب كان أكثر واقعية على الأرض الخصبة المُفعمة بالتجارب السابقة، من حيث أن فشل كافة نظريات التعددية الثقافية التي تبنّتها أوروبا في القرن الماضي كانت هي المرجعية التي أقنعت إدارة الرئيس ترامب أن الحوثيين إرهابيين ولا فائدة من الحوار معهم قبل تسليمهم السلاح للدولة اليمنية والخروج من عباءة الولي الفقيه.
المشهد اليمني الجديد
حسن النوايا.. هي أحد أدوات الطرح السياسي للتقريب بين الخصوم، ولكن يمكن أن تعطينا الفرصة للبحث عن مدارك جديدة تفيدنا في خلق الحلول الجديدة بعيدة المدى وغير سياسية عندما يكون الآخرين غير واضحين أو منقسمين تجاه ما يعانيه واقعنا العربي.
إن الانفصام الجدلي الأمريكي حول تسمية أفعال الحوثيين الإرهابية أو بعدم تسميتها، مؤشر يوضح لنا أن الأمريكيين ما زالوا في بداية مشوارهم تجاه قضية الاختراقات الخارجية للمجتمعات المتعددة دينياً وثقافياً. كما أن تفاؤل الرئيس الأمريكي جو بايدن المُفرط بالعمل مع المهاجرين قد يكون حائلاً للاستفادة من التجارب الأوروبية السابقة.
إن الأزمة التي يعيشها العرب حالياً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين هي الوجه الآخر والمُكمل للمشهد الذي عاشه الأوروبيون في القرن الماضي وما زالوا يعانون من تبعاته الفكرية، حيث يجب دمج الوجهين بقوة البحث الفكري والطرح الإعلامي لتسميتها بالأزمة العربية - الأوروبية المشتركة تجاه اختراق قوى الشر للتعددية الثقافية والدينية في الشرق الأوسط وأوروبا على حدٍ سواء.
لسنا بصدد التنازل عن ثوابتنا العربية ومفهومنا للأمن والسلم العالميين، ولكن الأزمة اليمنية اتسعت رقعتها بسبب التجاذبات الدولية القائمة على المصالح، وهي الثغرة التي عادة ما يتغذى عليها الإرهابيون. لذا لا بد من إعادة قراءة المشهد اليمني من خلال المنطوق الاجتماعي الذي استفاد منه الأوروبيون بخبراتهم في العقود الماضية، أو يمكن القول إعادة تأهيل الملف اليمني بما يضمن تحقيق مطالب التحالف العربي.
إن الاستعانة بالمنطوق الأوروبي وخبراته سوف يمنح التحالف العربي المساحة الأكبر في التعاطي مع القضية اليمنية، من حيث توفر الحلول المناسبة كالعسكرية في حال تسميتهم بالإرهابيين، بالإضافة إلى عدم خلو الساحة من الشركاء الأوروبيين في حال تم دعوتهم للحوار باسم التعددية الثقافية والدينية.