تتزايد المخاوف حول احتمالية تطور التلاسن بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول تايوان، إلى صراع عسكري جديد يدخل قُوى نووية أُخرى داخل دائرة الصراع العالمي، بما يؤدي إلى اتساع دائرة الخطر العسكري والاقتصادي، لا سيّما أن القوتين تمثلان أقوى اقتصاد في العالم، وكلٌّ منهما لديه حلفاء، حال اصطفاف كليهما إلى جانب حليفه، ربما يجد العالم نفسه على شفا حرب عالمية. يقول تقرير لـ«بي بي سي» إن أحد المخاوف الرئيسية يتركز حول إمكانية اندلاع الحرب حال أقدمت الصين على ضم تايوان، لا سيّما أن بكين أكدت في الماضي أنها قادرة على استعادة الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر، غير أن معظم المحللين لا يرجحون هذا الأمر في الوقت الراهن، خاصة أن الصين تدرك أن تلك الخطوة مكلفة وكارثية، ليس للصين فحسب بل للعالم أجمع، لا سيّما أن الاقتصاد الصيني مرتبط بالاقتصاد العالمي بدرجة أكبر بكثير من الاقتصاد الروسي. الموقف الصيني لا يزال ثابتاً حيال «إعادة التوحيد السلمي» مع تايوان، الأمر الذي أكّده وزير الدفاع الصيني، وي فينغ خلال تصريحاته الأخيرة، لافتاً إلى أن بكين لن تتحرك إلا في حال واجهت استفزازاً، ويرجّح التقرير أن إعلان تايوان استقلالها رسمياً ربما يشكّل أحد أوجه الاستفزاز للجانب الصيني، إلا أن رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، لطالما تجنبت هذا الأمر رغم إصرارها على أن تايوان دولة ذات سيادة، خاصة أن غالبية الشعب التايواني لا زال يدعم المبدأ الذي يعُرف باسم «الحفاظ على الوضع الراهن». في المقابل، تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في الدخول في صراع عسكري مكلف في آسيا، إذ أشارت خلال مرات عدة أنها لا تؤيد الحرب، في حين أن لقاء وزراء دفاع البلدين على هامش منتدى «شانغريلا» يعطى إشارة إيجابية، لا سيّما أن ذلك شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المناقشات العملياتية بين الجيشين بما يقلل من احتمال حدوث أخطاء في الحسابات على الأرض قد تؤدي إلى صراع، فضلاً عن إعادة تنشيط الحوار بشكل عام، والذي كان مفقوداً خلال إدارة دونالد ترامب. بالنسبة للولايات المتحدة والصين على الأقل، لا توجد إرادة سياسية لتغيير مواقفهما في الوقت الحالي، لا سيما مع الأحداث المهمة التي تلوح في الأفق داخل كل من الدولتين، إذ تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، بينما تعد الصين المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي، يُقام خلال النصف الثاني من العام الجاري، الأمر الذي يضعف احتمالية إقدام أي من الطرفين على التصعيد. المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود، دكتور علي العنزي، يقول في تصريحات لـ«الرؤية» إن العالم يراقب حالة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بكثير من القلق لما لها من انعكاسات وارتدادات قوية للغاية على الاستقرار والسلم العالمي، خاصة أن الدولتين تمثلان أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، فضلاً عن كونهما عضوين دائمينِ داخل مجلس الأمن الدولي، ويملكان سلاحاً نووياً، ما يجعل التوتر الحالي -والذي يمكن أن يؤدي إلى نزاع مسلح في حال غزت الصين تايوان- في غاية الخطورة. الردع المتكامل وبدوره يشير تقرير لصحيفة «جلوبال تايمز» إلى احتمالية تحويل الولايات المتحدة جزيرة تايوان إلى «صراع أكبر» خلال محادثات «مونتيري» العسكرية في واشنطن حول التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان، التي تبدأ الأربعاء المقبل وتستمر حتى الجمعة، والتي جاءت بعد تحذير وزير الدفاع الصيني، من أن القوات المسلحة الصينية ستقاتل حتى النهاية إذا تجرأ أي شخص على فصل تايوان. نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان، شين تشيانغ، يقول إن الولايات المتحدة تعزز «الردع المتكامل» للصين، عبر تعزيز الانتشار العسكري المتقدم في سلسلة الجزر الأولى وجعلها مرنة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لديها بالفعل عمليات انتشار عسكرية في اليابان، غير أنها لا تمتلك حامية في جزيرة تايوان حتى الآن، لذا فإن المحادثات تشكل فرصة لدفع التعاون المحتمل، منوّهاً بأن التعزيز المستمر للتعاون الجوهري بين تايوان والولايات المتحدة يُعدُّ استفزازاً لمبدأ «صين واحدة»، لا سيّما أن الضجة الدعائية تظهر أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان أصبحت أكثر انفتاحاً وجرأةً، محذراً من أن عدم قدرة الولايات المتحدة الالتزام بكلمتها فيما يخص مبدأ صين واحدة، يحملها مسؤولية التدهور المحتمل للعلاقات الثنائية بحسب التقرير. ويري «العنزي» أن العالم يراقب ما يحدث في أوكرانيا، خاصة الصين التي أيدت ضمناً روسيا ورفضت إدانتها ومقاطعتها، وشكّلت معها جبهة واحدة ضد الهيمنة الأمريكية، لافتاً إلى أن الصين تطمح من وراء ذلك في تأييد روسيا حال أقدمت على ضم تايوان، مشدداً على أن المسألة التايوانية تعوم على صفيح ساخن في ظل التجاذب الأمريكي الصيني، مرجحاً أن إقدام تايوان على إعلان الاستقلال يشكّل أحد مسارات المواجهة بين البلدين، متوقعاً أن تتخذ الصين الخطوة التي أعلنتها والتي تتمثل في ضم الجزيرة، لافتاً إلى أن رد الفعل الأمريكي حينها لن يتعدى العقوبات والشجب والإدانة، لا سيّما أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الأزمة الأوكرانية والتايوانية في آن واحد. مراجعة استخباراتية في الأثناء، كشف تقرير لـ«بوليتيكو» عن أن عدم قدرة الولايات المتحدة على التنبؤ بشكل صحيح بكيفية أداء الجيشين الروسي والأوكراني خلال المراحل الأُولي من حربهما المستمرة يغذي المخاوف من أن يكون لدى الولايات المتحدة نقاط عمياء كبيرة عندما يتعلق الأمر بالقوة القتالية لخصم قوي بشكل متزايد مثل الصين، إذ شكلت تلك المخاوف عاملاً رئيسياً وراء مراجعات التقييمات الأمريكية للقوات المسلحة الأجنبية، لا سيّما بعد انهيار الجيش الأفغاني الذي دربته الولايات المتحدة، والذي كان يحظى بتقييمات متفائلة. ويقول التقرير إن تزايد مخاوف الولايات المتحدة من إقدام الصين على ضم تايوان كجزء من جهد أوسع لتجاوز القوة الأمريكية في المحيط الهادئ يجعل موضوع القوة العسكرية لبكين أكثر بروزاً من أي وقت مضى، إذ تتفاقم المخاوف بشأن عدم فهم الولايات المتحدة للجيش الصيني خاصة أنه لم يَخُضْ حرباً منذ أكثر من 40 عاماً. الصين.. تحدي السرعة يشير التقرير إلى وصف الصين داخل مؤسسة الدفاع الأمريكية بأنها «تحدي السرعة»، ورغم أن البنتاغون يصدر تقريراً غير سري كل عام يشرح بالتفصيل التطورات العسكرية والأمنية في الصين، لا تزال نظرة الولايات المتحدة إلى جيش بكين غير مثالية، بدليل أن الصين استطاعت أن تفاجئ مسؤولي وزارة الدفاع الصيف الماضي عندما اختبرت صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت ذا قدرة نووية. يقول محللون ومسؤولون سابقون إن غزو تايوان سيبدأ على الأرجح بهجوم جوي وهبوط برمائي، غير أن ما سيحدث بعد ذلك يظل لغزاً، إذ إنه على عكس روسيا، التي كانت تقاتل في أوكرانيا وسوريا على مدار العقد الماضي، هناك تاريخ أقل حداثة يمكن الاستفادة منه بالنسبة للصين، لا سيّما أن بكين لم تخض حرباً منذ عام 1979، ولم تشارك قواتها الجوية في صراع كبير منذ عام 1958. ويوضح التقرير أن أحد المجالات التي توليها المراجعات الحالية للتقييمات العسكرية الأجنبية اهتماماً وثيقاً هو خطوط الإمداد الصينية إذا هاجمت تايوان، لا سيّما أن إعادة إمداد القوات العسكرية مهمة أصعب بالنسبة لجزيرة عكس ما تواجهه روسيا في طرقها البرية إلى أوكرانيا.
تشهد أسعار الشحن البحري ارتفاعاً مستمراً وصل إلى مستويات قياسية، إذ بلغ إلى حدود اليوم 500% على مستوى خط شانغهاي-روتردام، نتيجة «ارتفاع الطلب العالمي على السلع، مقابل نقص في البواخر والحاويات، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين على البواخر، ما أدى إلى وضعية تضخمية كبيرة جداً»، بحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الرؤية».
وبحسب مؤشر «دروري وورلد كونتينر»، الذي يرصد أسعار الشحن البحري على مستوى 8 خطوط رئيسية؛ وهي شانغهاي-روتردام، وروتردام-شانغهاي، وشانغهاي-جنوة، وشانغهاي-لوس أنجلوس، ولوس أنجلوس-شانغهاي، وشانغهاي-نيويورك، ونيويورك-روتردام، وروتردام-نبويورك، فإن سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي الصينية إلى روتردام الهولندية بلغ 13 ألفاً و798 دولاراً، في حين بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى شانغهاي الصينية 1585 دولاراً، و12 ألفاً و693 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى جنوة الإيطالية.
وبلغ السعر، استناداً إلى أرقام «دروري وورلد كونتينر»، 9857 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى لوس أنجلوس الأمريكية، و1288 دولاراً من لوس أنجلوس الأمريكية إلى شانغهاي الصينية، و12 ألفاً و667 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى نيويورك الأمريكية، و1189 دولاراً من نيويورك الأمريكية إلى روتردام الهولندية، بينما بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى نيويورك الأمريكية 6123 دولاراً اليوم الخميس.
مقارنة بين 2020 و2021
ومقارنة بعام 2020، فقد ارتفع سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي إلى روتردام بـ522 %، ومن روتردام إلى شانغهاي بـ44 % ومن شانغهاي إلى جنوة بـ373 %، ومن شانغهاي إلى لوس أنجلوس بـ138 %، ومن لوس أنجلوس إلى شانغهاي بـ149%، ومن شانغهاي إلى نيويورك بـ152 %، ومن نيويورك إلى روتردام بـ115 %، ومن روتردام إلى نيويورك بـ204 %، بحسب آخر معطيات قدمها «دروري وورلد كونتينر».
ارتفاع الطلب ونقص البواخر والحاويات
الخبير الاقتصادي، عبدالخالق التهامي، قال إن «أسباب ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، تَكْمُنُ في ارتفاع الطلب على السلع، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الشحن، في وقت لا تزال فيه مجموعة من البواخر والحاويات عالقة في موانئ دول توقف فيها الإنتاج بسبب كورونا، ولم يتم استئنافه (الإنتاج) إلى الآن».
وأوضح التهامي، في تصريحات خاصة، أنه «لا يمكن لتلك البواخر والحاويات التحرك فارغة بدون سلع نحو الوجهات، التي شهدت استئناف عملية الإنتاج في مرحلة ما بعد «كوفيد-19»، وتحتاج إلى تلك البواخر والحاويات، لأن ذلك سيتسبب للبواخر المذكورة في خسارة كبيرة، نظراً للكلفة العالية التي يتطلبها تحركها من ميناء إلى آخر».
وبيَّن التهامي أن «الحل يتمثل في عودة الوجهات، التي تعلق فيها تلك البواخر والحاويات، إلى نشاطها الإنتاجي الطبيعي، لتستطيع السفن العالقة ومعها الحاويات التحرك من هناك»، مبرزاً أنه «إذا نجح العالم في تجاوز الأزمة الوبائية، فيمكن العودة إلى الحالة الطبيعية بعد سنة أو سنة ونصف».
ارتفاع أسعار الطاقة
وفي سياق متصل، أفاد التهامي بأن «ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، تسبب أيضاً في ارتفاع كلفة النقل، وذلك إلى جانب عدم توفر البواخر والحاويات».
وضعية تضخمية
وأضاف التهامي أن «ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، أدى إلى ارتفاع كلفة السلع في الدول، ما نتج عنه وضعية تضخمية كبيرة جداً في عدد كبير من الدول»، مردفاً أن «التدخل لمعالجة هذه الوضعية سيكون صعباً جداً، لأن الأمور ستفلت من يد الحكومات، والبنوك المركزية بالأساس، التي تحافظ على بقاء التضخم في مستوى منخفض، ما سيؤدي إلى انهيار القدرة الشرائية للأسر، وارتفاع نسبة الفقر، في عدد من البلدان».
إنعاش الاقتصاد العالمي
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، محمد الشرقي، إن «أغلب دول العالم وضعت ما يسمى بموازنات لدعم وإنعاش الاقتصاد، من خلال ضخ مبالغ مالية ضخمة في اقتصاداتها، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ما أدى إلى حدوث ضغط كبير على مستوى طلب السلع، في وقت لم تكن فيه حتَّى الصين مهيئة، ولا الشاحنات والبواخر بشكل خاص متوفرة».
وأضاف الشرقي، في تصريحات خاصة، أن «ذلك أدى إلى رفع الأسعار من قِبل الشركات المصنِّعة، بعدما وجدت أن هناك ارتفاعاً في الطلب، ومن طرف شركات الشحن البحري بعدما أصبحت تعاني نقصاً على مستوى الحاويات، وبعدما رفعت شركات التأمين على البواخر الأسعار، ما نتج عنه التضخم الاقتصادي العالمي، الذي نعيشه اليوم».
وأفاد الشرقي بأن «هذا الوضع سيستمر على الأقل خلال سنة 2022، لأن الطلب العالمي على السلع سيظل مرتفعاً، لأن الأموال التي
ضُخَّت في اقتصادات مجموعة من الدول كبيرة، تتطلب بعض الوقت حتى يستوعبها السوق».
وفي السياق نفسه، أبرز الشرقي أن «المساهم الكبير في ارتفاع أسعار الشحن البحري، هو ارتفاع أسعار الطاقة».
رفع غير مقصود
كما أوضح الشرقي أن «شركات الشحن البحري لا تتفق في ما بينها بشكل مقصود على رفع الأسعار، وإنما تجد نفسها مرغمة على القيام بذلك، نظراً لارتفاع أسعار الطاقة، وكلفة التأمين على البواخر، إضافة إلى أن كل شركة من تلك الشركات تريد أن يكون هامش ربحها هو نفسه الخاص بالشركة المنافسة، ما ينتج عنه أن هامش الربح يكاد يكون متشابهاً بين كل تلك الشركات، دون أن تتفق أو تجلس على طاولة المفاوضات».
هيمنة صينية
وبيَّن الشرقي أن «المسألة التي يجب على العالم التفكير فيها بشكل جدي، هي جعل الإمدادات الصناعية متفرقة على مستوى الخريطة العالمية؛ في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي، وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، ومناطق أخرى»، مردفاً أنه «من بين الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، هو وجود احتكار على مستوى التصنيع من قِبل الصين، أو ما يسمى اليوم بالعالم الصيني، والذي يشمل تايوان، وهونغ كونغ، والفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وكوريا، ونيوزلندا إلى حد ما».