السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

هل يشهد الاقتصاد العالمي ركوداً بالتزامن مع تباطؤ النمو؟

هل يشهد الاقتصاد العالمي ركوداً بالتزامن مع تباطؤ النمو؟

تزداد التوقعات الاقتصادية العالمية تشاؤماً بسبب ما تبذله البنوك المركزية من جهودٍ لمكافحة التضخُّم، فضلاً عن الحرب في أوكرانيا وإعطاء الصين الأولويةَ للسيطرة السياسية على النمو الاقتصادي، لذا من المرجَّح أن يشهد اقتصاد العالم ركوداً بالتزامن مع تباطؤ النمو الاقتصادي.

تشير جميع الأدلة في الوقت الراهن إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وكما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعارَ الفائدة في الولايات المتحدة، فإنَّ العديد من البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم تعمل على تشديد السياسة النقدية. علماً بأنَّ المؤشر الذي ينشره مجلس العلاقات الخارجية لتتبُّع السياسة النقدية العالمية، أظهر اعتباراً من أغسطس 2022 تشديداً بين معظم البنوك المركزية الـ 54 التي يتتبعها.

وعلى وجه التحديد، رفع المركزي الأوروبي سعر الفائدة، ومن المرجَّح أن يمضي قُدُماً بمزيدٍ من الزيادات في الأشهر المقبلة، وكذلك بنك إنجلترا وبنك كندا، وفقاً لما جاء في مقالةٍ نشرها موقع «فوربس» حديثاً.

من بين البلدان الأُخرى المشددة أستراليا والهند، إلى جانب العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، في حين أنَّ روسيا والصين تبقيان الدولتين الوحيدتين اللتين تعملان على تيسير السياسة النقدية؛ لذا من المرجَّح أن يؤدي التشدد العالمي إلى إبطاء النمو الاقتصادي حول العالم؛ ما يؤدي إلى الركود في بعض البلدان. ومع أنَّ التشديد ليس خطأً، فإنَّه في معظم الحالات يأتي متأخراً جداً، ما يؤدي إلى المزيد من الأضرار الاقتصادية.

وعلى سبيل المثال، تواجه أوروبا تحدياً إضافياً يتمثَّل في نقص الطاقة، حيث زاد اعتمادها على الطاقة الروسية في العقد الماضي من 25% من إجمالي الطلب على الغاز في عام 2009 إلى 32% في عام 2021. ولكن في الأسابيع الأخيرة أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة لتحديد سقف للسعر المدفوع للغاز الطبيعي الروسي، في حين هدَّد الرئيس بوتن بفرض المزيد من القيود على إمدادات الطاقة إلى أوروبا.

في الوقت نفسه، تجري مناقشة مخططات الحصص التموينية، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الكهرباء وإيقاف الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة بعضَ عملياتها الأوروبية. لذلك في حال عدم التوصل إلى حلٍّ سريع، ستدخل أوروبا في ركود كامل هذا الشتاء.

أمَّا الصين فأشارت مؤخَّراً إلى بداية ضعف اقتصادها، حيث أعطى الرئيسُ الصيني الأولويةَ للسيطرة السياسية والإيديولوجية على النمو الاقتصادي، إلى جانب اتباع سياسة «صفر كوفيد» التي أدَّت إلى إغلاق أجزاء من الاقتصاد.

ومن جهة أُخرى، يناقش المحللون الغربيون إمكانية غزو الصين لتايوان أو حصارها، أو على الأقل زيادة الضغط عليها لقبول قوانين البر الرئيس والتبعية للصين. من المحتمل أن تكون احتمالات الحرب الفعلية منخفضة، إلَّا أنَّ العواقب لا يُستهان بها؛ ما يبرر التخطيط الجاد لحالة الطوارئ.

كما أنَّ القضايا الروسية والصينية تقود الشركات حول العالم إلى تقصير سلاسل التوريد، وإعادة التوطين في بلدانها الأصلية قدر الإمكان، بالرغم من أنَّ ذلك سيكون مكلفاً، وسيؤدي إلى خفض القدرة الإنتاجية العالمية.

ستكون وتيرة التغيير بطيئةً بالرغم من ضروريتها بالنظر إلى التوترات الدولية، لكنَّ التغييرات ستقلل من الإنتاج الاقتصادي حول العالم، فعادةً ما تكون أسعار السلع الأساسية مقياساً جيداً للمشاعر الحالية إزاء النمو الاقتصادي العالمي في المستقبل، إذ انخفضت أسعار النفط مؤخراً بالرغم من المشكلات المتعلقة بتوريدات الطاقة الروسية وانخفاض إنتاج «أوبك»، فضلاً عن انخفاض أسعار النحاس الذي يعدُّ مؤشراً جيداً أيضاً للتوقعات حول النمو الاقتصادي.

أمَّا في الجانب الإيجابي، فإنَّ كندا والمكسيك، السوقين الكبيرتين لصادرات الولايات المتحدة، أقلُّ حساسية لهذه الرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة، ولكن ما مدى سوء الركود العالمي؟

ربما لن يكون الركود العالمي بقدر كارثة الأزمة المالية 2008-2009، ولكنَّه بالتأكيد أسوأ من الدورات الصُغرى التي شهدها العالم سابقاً. وفي حال اندلعت الحرب في تايوان، فإنَّ الكارثة الاقتصادية ستحلُّ بالعالم لبضع سنوات.

لذلك ينبغي للتخطيط للطوارئ التجارية لمواجهة الركود العالمي أن يعترف بالجزء الحساس من المخاطر من حيث الفائدة، إذ يميل التشدد النقدي إلى خفض البناء، السكني أولاً وغير السكني لاحقاً، بالإضافة إلى الإنفاق على رأس المال التجاري والإنفاق الاستهلاكي الكبير؛ لذا تكون الشركات التي تبيع في تلك الصناعات أكثر عرضةً للخطر.

لا بدَّ أيضاً أن تشعر الشركات التي تتاجر مع أوروبا بالقلق، حيث تتمثَّل الشواغل الرئيسة في بيع السلع والخدمات للأعمال التجارية كثيفة الاستخدام للطاقة في أوروبا، فربما تضطر الشركات إلى تعليق عملياتها بحيث يمكن تدفئة المنازل في فصل الشتاء. كما سينخفض الإنفاق الاستهلاكي التقديري، إذ يجب على الشركات التي تعتمد على المواد من الشركات المصنعة الأوروبية النظر في مشكلات سلسلة التوريد المحتملة الناتجة عن أزمة الطاقة.

يمكن كذلك أن تتوقع الشركات التي تبيع إلى الصين نمواً أقل، وربما انخفاضاً في بعض القطاعات مثل مواد البناء. وفي حين أنَّ تأثيرات السياسة النقدية ستكون حادة وقصيرة نسبياً، فإنَّ الركود الاقتصادي في الصين سيكون تدريجياً وطويل الأمد، ما دامت سياسات الرئيس الصيني سارية المفعول.

لذلك يجب على المنظمات التي تتعامل مع الصين وتايوان التخطيط للطوارئ في حالة اندلاع الحرب، إذ يجب النظر في احتمالات متعدِّدة، نظراً لعدم وجود احتمال لسيناريو معيَّن. ومع ذلك، فإنَّ كلَّ تغيير كبير يجلب فرصاً للنمو لعدد قليل من الشركات الإبداعية والجريئة، إذ إنَّ الانفتاح على فرص النمو في الأوقات المتغيرة سيؤتي ثماره في نهاية المطاف.