يشهد قطاع العقارات حول العالم تباطؤاً في الطلب، حيث يتراجع المشترون حول العالم عن خطط الشراء مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بأعلى وتيرة منذ عقود، ما سيؤدي إلى انخفاض في أسعار العقارات.
وتواجه الأسواق في أستراليا وكندا وأوروبا وأمريكا انخفاضاً في أسعار المنازل، في حين يعتقد الخبراء الاقتصاديون أنها بداية الركود الاقتصادي، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ.
وقال هيدياكي هيرتا وهو خبير اقتصادي سابق في بنك اليابان، ومشارك في تأليف ورقة بحثية لصندوق النقد الدولي حول أسعار المنازل العالمية، إن سوق الإسكان سيشهد تباطؤاً عالمياً في عامي 2023 و2024.
وانعكس ارتفاع تكاليف التمويل العقاري على الاقتصادات بعدة طرق، حيث أدت مدفوعات الرهن العقاري المتزايدة في ثني المشترين المحتملين عن دخول السوق، ما سينعكس على ازدهار أسعار العقارات.
ويعد التباطؤ الحالي تحولاً صارخاً من الطفرة التي غذتها سياسات التمويل الميسر للبنوك المركزية في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية، ومن ثم خلال الوباء الذي دفع العديد للبحث عن منازل بمساحات أكبر.
تباين المخاطر
أوضح تقرير وكالة بلومبيرغ، أن مدى تعرض المقترضين للمعدلات المرتفعة يختلف بحسب البلد. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يعتمد معظم المعترضين على قروض المنازل ذات السعر الثابت لمدة تصل إلى 30 عاماً، ومثّلت القروض العقارية ذات السعر القابل للتعديل في المتوسط نحو 7% من القروض في السنوات الخمس الماضية.
وعلى النقيض من ذلك، في الدول الأخرى عادة ما تكون القروض ثابتة لمدة لا تقل عن عام، أو قروضاً عقارية متغيرة تتماشى بشكل وثيق مع أسعار الفائدة الرسمية.
وكانت نسب القروض المتغيرة أعلى في أستراليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وكندا في عام 2020، وفقاً لتقرير وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية.
الرهون العقارية ذات الفائدة المتغيرة
وتضم البلدان الأخرى نسبة كبيرة من الرهون العقارية التي تتم إعادة تعينيها. ففي نيوزيلندا على سبيل المثال نحو 55% من الرهون العقارية السكنية إما بسعر عائم أو بسعر ثابت حتى العام المنتهي في يوليو 2023.
وفي نيوزيلندا ارتفعت الأسعار نحو 30% في 2021، وقام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة 7 مرات خلال الأشهر العشرة الماضية، وانخفضت أسعار المنازل بنسبة 11% في يوليو من ذروة نوفمبر من العام الماضي، وفقاً لمعهد العقارات النيوزيلندي، ويتوقع الاقتصاديون أن تستمر في الانخفاض حتى 20%.
ولا تزال نيوزيلندا مثل معظم اقتصادات العالم المتقدم تتغلب على تباطؤ الإسكان حتى الآن، حيث تعتبر الميزانيات العمومية والمدخرات للأسر قوية وأسواق العمل مزدهرة، ما يعني أن سلسلة حالات التخلف عن السداد غير مرجحة.
وقال كوان أوك لي المتخصص في الإسكان في جامعة سنغافورة الوطنية إن أزمة القدرة على تحمل تكاليف الإسكان خطيرة للغاية في العديد من الاقتصادات الكبرى، وبالتالي قد يؤدي تراجع الأسعار إلى بعض الآثار الإيجابية.
وفي نفس الوقت، لا يزال الاقتصاديون قلقين من الخسائر المادية التي قد يتعرض لها مشترو المنازل، والتي قد تؤثر على الأسر والبنوك والمطورين، ما قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وحذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد العالمي يتأرجح على حافة الركود.
وتدخلت الحكومات بالفعل في بعض البلدان لمساعدة المستهلكين الذين يعانون من ضغوط شديدة بسبب موجات التضخم المرتفعة، وتعتبر كوريا الجنوبية واحدة من أوائل اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي بدأت في رفع معدلات الفائدة، ووافق صناع السياسة مؤخراً على إنفاق أكثر من 400 مليار وون (290 مليون دولار) من الأموال للمساعدة في تقليل حصة الأسر في الرهون العقارية متغيرة السعر.
وفي بولندا حيث تضاعفت المدفوعات الشهرية لبعض المقترضين مع ارتفاع أسعار الفائدة، وتدخلت الحكومة في وقت سابق من هذا العام للسماح للبولنديين بتعليق المدفوعات لمدة تصل إلى ثمانية أشهر، وقضت هذه الخطوة على أرباح البنوك الكبرى بعد حجز نحو 2,79 مليار دولار في المخصصات.
وتتعامل الصين مع أزمة عقارية متصاعدة مرتبطة بموجة من التخلف عن السداد لدى المطورين، في حين امتنع المقترضون عن سداد مدفوعات الرهون العقارية للمنازل غير المبنية في بلدان أخرى.
وفي السويد التي كانت في السابق واحدة من أكثر الأسواق التي شهدت ارتفاعاً في أوروبا، انخفضت أسعار المنازل بنسبة 8% منذ الربيع، ويتوقع معظم الاقتصاديين أن تصل نسبة الانخفاض الآن إلى 15% بضغط ارتفاع أسعار الفائدة على الشركات العقارية التي اقترضت بكثافة في أسواق السندات لتمويل عملياتها، ما يترك المستثمرين قلقين بشكل متزايد بشأن قدرتهم على إعادة تمويل الدين.
وانخفضت الأسعار في المملكة المتحدة، حيث يظهر تحليل بلومبيرغ أن قيم المنازل إما ثابتة وإما تشهد انخفاضاً في ما يقارب نصف أحياء لندن، وحذر بنك HSBS البريطاني، من أن المملكة المتحدة على أعتاب تراجع الإسكان، ومن المحتمل أن ينخفض الطلب بنسبة 20% خلال العام القادم.
وتعتبر الولايات المتحدة من الدول التي لديها مخاطر أقل في عملية إعادة تعيين الرهون العقارية، ودفعت الزيادة في تكاليف الاقتراض في الأشهر الأخيرة إلى اللجوء لقروض أكثر مرونة بمعدلات فائدة أرخص، وقفزت حصة طلبات القروض العقارية القابلة للتعديل في يوليو إلى أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً.
وتتوقع مجموعة غولدمان ساكس استقرار الأسعار في أمريكا خلال 2023، على الرغم من وجود علامات تدل على الانخفاض في مناطق معينة، ويعمل المطورون على خفض الأسعار في المناطق التي ازدهرت خلال الوباء والتي شهدت بعضاً من أكبر المكاسب في السنوات الأخيرة.
وفي كندا شكلت القروض العقارية ذات الأسعار المتغيرة ما يقرب من 60% من جميع قروض المنازل الجديدة في ذروة الازدهار العقاري في وقت سابق من هذا العام.
من بين ما يقرب من نصف تريليون دولار كندي من ديون الرهن العقاري المتغيرة القائمة، شهد حوالي الثلث ارتفاع مدفوعاتهم الشهرية بما يتماشى مع السعر القياسي للبنك المركزي، وفقاً لبحث من البنك الوطني الكندي. إلى جانب أشياء مثل خطوط الائتمان والرهون العقارية ذات السعر الثابت القادمة للتجديد، يمكن لمدفوعات الفائدة المتزايدة هذه أن تشكل بشكل جماعي 0.65% من الدخل الجماعي المتاح للكنديين على مدى السنوات الثلاث المقبلة، كما أظهر البحث.
وقال روبرت كافيتش الخبير الاقتصادي في بنك مونتريال، إن خطر التباطؤ الاقتصادي بات قريباً جداً مع تباطؤ نشاط الإنفاق.
وفي أستراليا سجلت أسعار المنازل في أغسطس أكبر انخفاض شهري لها منذ ما يقارب 4 عقود، في حين أظهرت الأسر مرونة في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة، إلا أن الأمر لن يستمر حتى العام القادم، حيث ستتم إعادة تعيين مليارات من قروض الرهن العقاري، حيث تحدد أستراليا نظام القروض المحددة بمدة قصيرة ترواح من سنتين إلى ثلاث سنوات.