سيناريو العمل الصيني ضد تايوان، والتداعيات الاقتصادية المرتقبة له، بات محل اهتمام كبير، في ظل ضخامة الاقتصاد الصيني، وارتباط الاقتصاد العالمي به بشكل أو بآخر، حيث نشر موقع «نيكي آسيا» تقريراً موسعاً، عن الآثار المرتقبة لإقدام الغرب على فرض عقوبات اقتصادية على الصين، مثلما فرض عقوبات على روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، مؤكداً أن فرض عقوبات على بكين هو سلاح ذو حدين.
تحذيرات صينية
وأعدت وزارتا الأمن العام، وأمن الدولة في الصين، تقريراً حول العقوبات الغربية المحتملة على الصين، أثار ردود فعل قوية، في مجلس الدولة ومجلس الوزراء في الصين، في شهر أبريل الماضي. وأوضح التقرير ما يمكن أن تلجأ إليه الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان، من فرض للعقوبات الاقتصادية على بكين، حال تحركها ضد تايوان، على غرار ما فرضه الغرب من عقوبات على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. ويقول التقرير «إذا تحركت واشنطن والعواصم الأوروبية بفرض العقوبات على بكين، فإن الاقتصاد الصيني سيعود إلى إتباع سياسة الاقتصاد المخطط المغلق أمام العالم».
أزمة فول الصويا
وأظهر التقرير أن أكثر ما يقلق أعضاء مجلس الدولة الصيني، هو أن هناك نقطة ضعف في الاقتصاد الصيني، تتمثل في أن هناك خطورة كبيرة، حيث يمكن أن تواجه الصين أزمة غذائية، موضحاً أنه إذا واجه المصدرون والمستوردون في الصين، مشكلات بسبب تلك العقوبات الغربية المحتملة، ففي تلك الحالة ستختفي الأرباح الصينية من التصدير، ولن تتمكن الصين من استيراد العديد من المواد الأساسية، وأولها فول الصويا، والذي يعد بمثابة نقطة قاتلة، لأن الصين تعتمد على استيراده من الولايات المتحدة، بنسبة تصل إلى 30% من واردات الصين منه، ورغم أن الصين تعد بمثابة قوة زراعية، إلّا أنها لا تحقق الاكتفاء الذاتي من فول الصويا، إلّا بنسبة متواضعة هي أقل من 20%. ويحظى فول الصويا بأهمية كبيرة في الصين، نظراً لأنه يستخدم في زيت الطعام، وهو أمر شديد الأهمية للمطبخ الصيني، كما أنه يستخدم كعلف لتربية الخنازير، والتي تمثل 60% من استهلاك اللحوم في الصين؛ ما يعكس الأهمية الكبيرة لفول الصويا. وإذا توقفت واردات الصين من فول الصويا، فعندئذ سيواجه الشعب الصيني (1.4 مليار نسمة) أزمات غذائية بشكل فوري.
مشروع أمريكي لمعاقبة الصين
وأشار التقرير إلى أن كلاً من السناتور روبرت مينينديز، الديمقراطي الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، والسناتور الجمهوري ليندسي جراهام، قدَّما في منتصف يونيو الفائت، مشروع قانون من الحزبين، لفرض عقوبات على الصين في حالة الطوارئ في تايوان. ويتضمن مشروع القانون اتخاذ إجراءات ضد الصين مثل استبعادها من شبكة الدفع الدولية (سويفت)، إلّا أنه لن يكون من السهل إقرار ذلك التشريع لأن الولايات المتحدة لديها الكثير لتخسره إذا فرضت العقوبات على الصين.
فقدان تريليونات الدولارات
وباستخدام قاعدة بيانات التجارة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (TiVA)، قدَّر مؤشر «نيكاي» مقدار الخسارة الاقتصادية التي ستحدث إذا توقفت التجارة بين الصين والدول الكُبرى، وبحسب تلك للتقديرات، سيتبخر 2.61 تريليون دولار، أي ما يوازي 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وللمقارنة بين تأثير العقوبات الغربية الحالية على روسيا، والمستقبلية المحتملة على الصين، لا بدَّ من أن ندرك أن الناتج المحلي الإجمالي للصين، يعد أكبر 10 مرات مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
وبحسب التقديرات التي بنيت على بيانات 2018، فإنه إذا أصبحت الصادرات الصينية إلى اليابان والولايات المتحدة وأوروبا مستحيلة، فسيكون هناك ضغط تراجعي بقيمة 1.6 تريليون دولار على الاقتصاد الصيني، ما يعني أن نحو 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي للصين سوف يختفي، كما ستتكبد اليابان - كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي - خسارة أكبر من الولايات المتحدة أو أوروبا.
وأوضح التقرير أنه إذا توقفت صادرات اليابان إلى الصين، فإن حجمها الاقتصادي سيتقلص بمقدار 190 مليار دولار، أي بنسبة 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان، وستفقد أوروبا 2.1% من ناتجها المحلي الإجمالي، بينما ستفقد الولايات المتحدة 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي. وأكد التقرير أنه إذا تعطلت التجارة اليابانية والأمريكية والأوروبية مع الصين، فسوف يتبخر إجمالي 1.91 تريليون دولار من القيمة المضافة، ما يعادل 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
واعتبر التقرير أنه في حال حدوث مواجهة بين الصين، وبين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (38 دولة)، والتي تشمل اليابان والولايات المتحدة والدول الأوروبية، والعديد من الدول الأُخرى، فسيكون التأثير أكبر بكثير، وستؤدي تلك المواجهة إلى اختفاء 2.61 تريليون دولار من القيمة المضافة، هي عبارة عن 1.34 تريليون دولار من القيمة المضافة التي تكسبها الصين من الصادرات إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و1.27 تريليون دولار من القيمة المضافة التي تكسبها تلك الدول من صادراتها إلى الصين.
ولفت التقرير إلى أن التجارة العالمية شهدت تراجعاً بنسبة 8% بسبب تأثير جائحة فيروس كورونا، إلّا أن حالة طوارئ بسبب تايوان، قد تؤدي إلى كساد عالمي أكثر خطورة، لأن جميع الدول والشركات والأفراد هم على ارتباط بالصين بشكل أو بآخر؛ ما يعني أن سلاح العقوبات الاقتصادية ضد بكين سيكون سيفاً ذا حدين.
تداعيات عديدة
وبينما ركزت التقديرات على التداعيات في مجال التجارة، إلّا أن هناك مجالاً ذا أهمية كبيرة، هو الاستثمار المتبادل بين الصين والعديد من الدول الأُخرى، والذي يتوقع أن يتوقف إلى حد كبير، بخلاف نشر الاضطرابات في الأسواق المالية. وأوضح التقرير أن آثار العقوبات الشاملة ضد الصين على الاقتصادات ستكون بلا حدود، لأن تلك العقوبات ستؤدي إلى اضطرابات لوجستية عالمية وآثار أُخرى غير مباشرة.