السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

لماذا يُهيمن الدولار؟ لأن الاقتصاد الأمريكي «أقوى الضعفاء»

لماذا يُهيمن الدولار؟ لأن الاقتصاد الأمريكي «أقوى الضعفاء»

الدولار يسجل مكاسب 10 % منذ بداية العام الجاري

شهد الدولار الأمريكي طوال العام الجاري، حركة وصفها كثيرون بالمذهلة؛ إذ ارتفع مقابل معظم العملات الرئيسية، وسط محاولات البنوك المركزية في العالم مكافحة التضخم المتزايد. هذا العام وحده، ارتفع الدولار 15% مقابل الين الياباني، و10% مقابل الجنيه الاسترليني، و5% مقارنةً بالرنمينبي الصيني. أضف إلى ذلك سجل مؤشر الدولار في وول ستريت جورنال (الذي يقيس الدولار مقابل 16 عملة رئيسية أُخرى)، أفضل أداء له في النصف الأول منذ عام 2010، مسجلاً أكثر من 10% منذ بداية العام حتى تاريخه. كما أنه لا يمكن تجاهل وصول الدولار إلى مكانة مساوية لليورو لأول مرة منذ عقدين في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك وفق تقرير نشره موقع «فورتشن» الاثنين.

ورغم استمرار أسعار المستهلك في الارتفاع، يمكن أن يساعد الدولار القوي في تقليل تأثير ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، لكن قوة الدولار أدّت أيضاً إلى بعض النتائج المدمرة للبلدان في جميع أنحاء العالم، ومن المحتمل أن تهبَّ رياحٌ معاكسة على الشركات الأمريكية التي تعمل في الخارج خلال بقية العام. وبالنسبة للعديد من المستثمرين والمستهلكين، لا يزال هناك سؤالان أكثر إلحاحاً: لماذا كان الدولار الأمريكي بهذه القوة هذا العام؟ وإلى أين يتجه بعد ذلك؟ وأرجع كبار مسؤولي الاستثمار في وول ستريت ذلك إلى ظهور اتجاه جديد يعزز من قوة الدولار، غير أنه تباينت آراؤهم حول انخفاض العملة الأمريكية بحلول نهاية العام.

لماذا الدولار قوي جداً؟

تاريخياً، كانت تحركات العملات مرتبطة إلى حدٍّ كبير بأسعار الفائدة، ومعدلات النمو الاقتصادي. وقال إريك ليف، كبير مسؤولي الاستثمار في «Bailard» لإدارة الثروات والاستثمار «الدولار قوي؛ لأن الاحتياطي الفيدرالي يتبع سياسة نقدية أكثر تشدداً بين البنوك المركزية الكُبرى في العالم». وأشار ليف إلى أن هذه السياسة النقدية دفعت بالعوائد الحقيقية على السندات الحكومية (أو عائدات مستثمري السندات من مدفوعات الفائدة بعد حساب التضخم) إلى المنطقة الإيجابية لأول مرة منذ سنوات. هذا يجعل السندات الأمريكية أكثر جاذبية للمستثمرين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي زيادة القيمة النسبية للدولار. كما تساعد إجراءات الاحتياطي الفيدرالي على تقليل توقعات التضخم (توقعات التضخم للمستهلكين والمستثمرين)؛ ما يجعل الولايات المتحدة أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين الذين يخشون ارتفاع أسعار المستهلكين.

بدوره، وصف سام ستوفال، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة أبحاث الاستثمار CFRA Research، قوة الدولار بـ«رحلة إلى بر الأمان» للمستثمرين الأجانب وسط مخاوف الركود العالمي.

كوفيد 19 وكابوس سلاسل التوريد العالمية

عندما انتشر COVID-19 في عام 2020، أدّى إلى كابوس سلاسل التوريد العالمية؛ ما أدى إلى نقص في كل شيء، ودفع أسعار السلع إلى آفاق جديدة، حيث ارتفع مؤشر «S&P GSCI»، وهو مقياس واسع لسعر المواد الخام في جميع أنحاء العالم، بأكثر من 180% في مرحلة ما بعد الجائحة، ونتيجة لذلك، اتّبع العديد من الدول استراتيجية «الحمائية السلعية»؛ ما يعني تراجعاً جديداً للعولمة، خاصة عندما تعلق الأمر بالطاقة وسلع غذائية رئيسية، وبالتبعية أدّت هذه الحمائية لارتفاع قيمة الدولار.

وجاءت الحرب الأوكرانية لتعزز من هذا الاتجاه، حيث تأثرت إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا بشكل فوري ومثير؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 400% في العام الماضي، لدرجة أن وكالة الطاقة الدولية حذّرت هذا الأسبوع من أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى خفض استهلاكه للغاز الطبيعي على الفور أو مواجهة «شتاء طويل وقاسٍ».

والنتيجة النهائية لأزمة الطاقة في أوروبا، ونقص الاكتفاء الذاتي من بعض السلع، هي انخفاض الصادرات وزيادة الواردات، وهو ما يرتقي إلى «صدمة شروط التجارة»، وفقاً لهاو روبيرتس رئيس التحليلات في شركة «كوانت إنسايتس»، مضيفاً «إذا كنت مستورداً للطاقة، فهذا مؤلم للغاية». «ولكن إذا كنت مصدراً للطاقة، فأنت في الواقع ستستفيد».

ما هي تأثيرات الدولار القوي؟

قال ليف بيلارد: «على الهامش، فإن الدولار الأقوى يضع حدّاً ما للتضخم في الولايات المتحدة»؛ «من خلال امتلاك دولار قوي، يصبح شراء البضائع من الخارج، كما يفعل المستهلكون الأمريكيون، أرخص بكثير. ولذا فإننا نستورد الانكماش بشكل أساسي». فيما يرى روبرتس: «شركات التصنيع الكُبرى التي تشتري المواد الخام التي يتم تسعيرها بالدولار، فإن الدولار القوي يساعدهم بالفعل». هذه الشركات هي الاستثناء. وبالنسبة لمعظم الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، فإن الدولار القوي يمثّل «رياحاً معاكسة» غير مرحب بها.

وأشار ليف إلى أنه «إذا كنت تحاول بيع البضائع في الخارج، فإن هذا الدولار القوي يجعل سلعك أكثر تكلفة، ما يضع عبئاً على إيرادات الشركات الأمريكية». علاوة على ذلك، أخبر برنت شوت، كبير محللي الاستثمار في شركة «نورث ويسترن ويلز» أنه عندما تحاول الشركات الأمريكية إعادة أرباحها من الخارج، فإن الدولار القوي يعني أنها تحصل على عائدات أقل ما كانت عليه في السنوات السابقة.

الآثار الأكثر ضرراً للدولار القوي

تحدث الآثار الأكثر ضرراً للدولار القوي خارج الولايات المتحدة؛ ما يجعل من المستحيل تقريباً على البلدان ذات الدخل المنخفض - ذات الديون المقومة بالدولار - أن تسدد لدائنيها أو تشتري سلعاً أساسية كافية. لقد ظهر هذا الواقع المؤلم في سريلانكا، التي اضطرت إلى التخلف عن سداد ديونها في مايو مع انخفاض قيمة عملتها. حيث نفد الدولار الأمريكي من الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا لدفع ثمن الواردات الهامة؛ ما أدى إلى احتجاجات حاشدة أفضت إلى هروب رئيس الدولة قبل أن يتقدم باستقالته. قال مارسيلو إستيفاو، المدير العالمي للاقتصاد الكلي والتجارة والاستثمار بالبنك الدولي، لصحيفة وول ستريت جورنال هذا الأسبوع: «كل دولة لديها مسؤولية كبيرة بالدولار هي مدعاة للقلق».

إلى أين يتجه الدولار؟

رغم أن الدولار قد شهد إحدى أفضل سنواته في التاريخ حتى الآن في عام 2022، يعتقد معظم الخبراء أنه يقترب من ذروته. وقال شوت من نورث وسترن ميوتوال «الدولار باهظ الثمن ومبالغ في قيمته بالنسبة لباقي العملات». «إذا نظرنا إلى الوراء إلى عام 2001، فأنت في مستويات مماثلة من المبالغة في تقدير قيمة الدولار، مقارنة بالعملات الأُخرى». وأشار شوت إلى تعادل القوة الشرائية - أو فكرة أن سلة معينة من السلع يجب أن تعود إلى سعر متساوٍ إلى حدّ ما حول العالم على المدى الطويل - كمؤشر رئيسي على أن الدولار قد يكون «مبالغاً فيه».

قال إريك ليف: «أحد أفضل المقاييس لذلك هو مؤشر بيج ماك الذي تصدره مجلة إيكونوميستس، حيث أظهر أحدث إصدار أن «جميع العملات تقريباً مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية مقابل الدولار». في الوقت نفسه تباينت أراء الخبراء حول ما إذا كانت ستتضاءل قيمة الدولار بحلول نهاية العام من عدمه. وأشار شوت إلى أن البنوك المركزية الأُخرى «تلاحق» الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، وهناك بعض الدلائل على أن التضخم في الولايات المتحدة قد ينخفض، مدللاً على ذلك بتراجع أسعار السلع، وتراجع توقعات التضخم في وول ستريت. وقد يؤدي ذلك إلى قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بالمُضي قُدُماً في زيادات أقل حدة في أسعار الفائدة؛ ما يؤدي إلى إبطاء ارتفاع الدولار.