هل يعتمد استقرار الأسواق على نجاح الاحتياطي الفيدرالي وقوة سوق العمل واستمرار التضخم؟ سؤال أجاب عنه الخبير الاقتصادي ورئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدغ، محمد العريان في مقال نشرته «بلومبيرغ»، مؤكداً أن استخدام نهج عامل المخاطرة مفيد بشكل خاص في فهم تأثير الاقتصاد والسياسة على الأسواق هذا العام، ليس فقط في شرح تطور التقييمات والارتباطات والتقلبات، ولكن أيضاً في تحديد ما تبحث عنه على المدى القريب.
طرق بسيطة للتفكير في تحليل عامل المخاطرة
وقال إن إحدى الطرق البسيطة للتفكير في تحليل عامل المخاطرة تتمثل في تقسيم أحد الأصول المالية أو فئة الأصول إلى سمات حساسية السوق، سواء كانت أسعار الفائدة أو الائتمان أو السيولة، حيث يمكن إظهار بعض فئات السندات، مثل العائد المرتفع، على أنها أكثر حساسية لعوامل المخاطرة التي تؤثر على الأسهم أكثر من السندات الحكومية. وتراجعت إصدارات السندات غير المرغوب فيها في الولايات المتحدة إلى 25 مليار دولار في الربع الثاني من هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ عام 2006.
وأضاف العريان أنه يمكن أيضاً استخدام تحليل عوامل المخاطرة لشرح الحركات العامة عندما تتأثر الأسواق، كما كان الحال هذا العام، بمحركات مشتركة من أعلى إلى أسفل.
وأشار إلى أنه خلال 2022 استجابت الأسواق للتحركات في مسارات أسعار الفائدة الرئيسية الناتجة عن التضخم المرتفع باستمرار، والإدراك المرتبط بأن الاحتياطي الفيدرالي مجبر على الخروج من نموذج سياسته طويلة الأمد لأسعار الفائدة القريبة من الصفر وضخ السيولة المتوقعة. ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة 3 مرات منذ بداية عام 2022، ووعد بالمزيد من عمليات الزيادة هذا العام لوقف التضخم الأكثر سخونة منذ الثمانينيات.
مخاوف بشأن الانتكاسات السلبية على الاقتصاد
وأدت هذه الهيمنة المفاجئة والقوية على الأسواق من قبل «عامل سعر الفائدة» إلى كسر ارتباط السعر العكسي التقليدي بين الأسهم والسندات، ما أدى إلى خسائر كبيرة في كل من مؤشر ناسداك المركب وخزانة الولايات المتحدة لمدة 10 سنوات، كما أدى إلى تقلبات مقلقة، ما زاد من عدم ارتياح المستثمرين وأثار مخاوف بشأن الانتكاسات السلبية على الاقتصاد الحقيقي. وتضررت الأصول المالية في جميع أنحاء العالم هذا العام مع تشديد البنوك المركزية لسياستها للتعامل مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ويرى العريان أنه نظراً لإعادة الأسواق تسعير مسار أسعار الفائدة للاقتصاد بقوة، فإن القلق تحول إلى الآثار المترتبة على الاستهلاك والاستثمار، وأدى ذلك إلى ظهور «عامل مخاطر الائتمان»، ما أدى إلى استمرار الضغط على الأسهم، وسط مزيد من التقلبات، لكن في تغير صارخ عما حدث في الأشهر الخمسة الأولى من العام، حيث بدأ في استعادة الارتباط التقليدي بين الأسهم والسندات.
الأسواق تنتظر الإجابة عن 3 أسئلة اقتصادية
وقال العريان إنه بالنظر إلى المستقبل، يبدو كما لو أن الأسواق ستستمر في التأرجح بين هذين العاملين من عوامل المخاطرة بينما تنتظر الإجابة عن ثلاثة أسئلة اقتصادية وسياسية رئيسية: الأول: ما مدى نجاح بنك الاحتياطي الفيدرالي في محاربة التضخم؟ وما مقدار الأضرار الجانبية التي سترتبط بعملية اللحاق بالركب؟ ثانياً: إلى أي مدى سيحمي سوق العمل القوي الولايات المتحدة من الركود الاقتصادي؟ ثالثاً: إلى أي مدى سيثبت التضخم في سياق انخفاض الطلب الكلي؟
وأوضح العريان أن أولئك الذين يدافعون عن زيادات عامة كبيرة في حيازات الأصول الخطرة يفترضون أن الإجابات عن هذه الأسئلة الثلاثة سوف تتحد لتقديم ما يسميه الاقتصاديون «هبوطاً ناعماً» وهو انخفاض في كل من التضخم الفعلي والتوقعات التضخمية دون إلحاق ضرر ملحوظ بالاقتصاد الحقيقي. وأضاف أنه على وجه التحدي، سينتج ذلك عن نجاح بنك الاحتياطي الفيدرالي في استعادة مصداقية سياسته وفعاليتها، وقدرة سوق العمل على الازدهار والاستمرار، وعدم دعم التضخم من خلال الاضطرابات المستمرة في جانب العرض. والأهم من ذلك، أنه لن يؤدي فقط إلى معدل فائدة جيد ومخاطر ائتمانية، بل يضمن أيضاً عدم وجود عامل خطر ثالث يلوح في الأفق - أي اضطراب السيولة الذي يقوض الأداء المنظم للأسواق.
استثمار انتقائي واختيار دقيق للأسهم الفردي
وأكد رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدغ، أن إطلاق «عامل مخاطر السيولة» من شأنه أن يضاعف من معدل الفائدة الذي لا يزال معطلاً ما يجعل النصف الثاني من عام 2022 يمثل تحدياً للمستثمرين كما كان النصف الأول. وبين هذين النقيضين، تميل التباديل المختلفة إلى تفضيل نهج الاستثمار الانتقائي والاختيار الدقيق للأسهم الفردية. وقال العريان إنه لا توجد ببساطة إجابات واضحة وواثقة حتى الآن على الأسئلة الاقتصادية والسياسية الرئيسية الثلاثة، وبالتالي من المهم متابعة كيف ستتطور عوامل الخطر المختلفة، فهي حقيقة يجب وضعها في الاعتبار حيث يسارع الكثيرون للتنبؤ بحزم بما ينتظر الأسواق.