تُسارِع البنوك المركزية حول العالم إلى اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة من أجل كبح جماح التضخم الجاثم على صدر الاقتصاد العالمي، لا سيّما الاقتصادات المتقدمة في أوروبا وأمريكا التي سارعت إلى رفع سعر الفائدة مرات متتالية، واعدة بمواصلة سياسة حصار التضخم بأي ثمن.
صندوق النقد الدولي أكّد اليوم على أهمية مكافحة التضخم الآن لتعزيز بوادر نمو اقتصادي في المستقبل، رغم «بعض الألم» الذي سيصيب المستهلكين والدول على المدى القصير، بحسب كريستالينا جورجيفا المديرة العامة للصندوق.
فهل يفلح العالم في القضاء على غول التضخم؟ وما هو الثمن؟
8.6% في أمريكا
عاود التضخم التسارع في مايو في الولايات المتحدة، بعدما تباطأ في الشهر السابق، مسجلاً رقماً قياسياً منذ أربعين عاماً، في حين دعا الرئيس جو بايدن بهذا الصدد إلى بذل «جهد أكبر وسريع».
وبلغ التضخم نسبة 8,6% بوتيرة سنوية مقابل 8,3% في أبريل، بحسب مؤشر أسعار الاستهلاك الذي أصدرته وزارة العمل.
واعتبرت رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رونا مكدانيال أن «السلع الأساسية باتت أسعارها أشبه بالسلع الفاخرة».
وشملت زيادة الأسعار الشهر الماضي كل القطاعات، بما فيها السكن والبنزين وتذاكر السفر والمواد الغذائية والسيارات الجديدة والمستعملة، وصولاً إلى الخدمات الصحية والملابس.
وتسببت الصعوبات في سلاسل الإمداد العالمية بارتفاع الأسعار في كل أنحاء العالم، غير أن هذه الأزمة ازدادت حِدة في الولايات المتحدة إذ اقترنت بنقص في اليد العاملة، في وقت أدّت المساعدات المالية الحكومية السخية إلى تحفيز الطلب.
ويُتوقع أن تزيد الأرقام الجديدة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ليزيد مجدداً معدلات فائدته الرئيسية الأسبوع المقبل خلال اجتماع لجنته النقدية.
فالبنك المركزي يملك ورقة رئيسية تمكّنه من كبح طلب المستهلكين والشركات على السواء، من خلال زيادة معدلات فائدته الرئيسية.
وسبق أن رفع هذه المعدلات بربع نقطة مئوية، ثم بنصف نقطة مئوية لتتراوح بين 0,75 و1,00%.
ويمكن لتدابير مكافحة التضخم أن تؤثر سلباً في الاقتصاد الأمريكي، وأن تزيد مخاطر «الانكماش التضخمي».
الاتحاد الأوروبي
أوروبياً، قال البنك المركزي الأوروبي، إن معدل التضخم ربما يكون أعلى هذا العام مقارنة بتوقعاته الاقتصادية الحديثة، إذا أُخذت الزيادات الأخيرة في أسعار المستهلكين في الاعتبار.
وأشار البنك في ملاحظة أسفل ورقة توقعات فريق العمل لشهر يونيو، إلى أن التضخم قد يبلغ 7.1% في المتوسط خلال عام 2022 بعد «تحديث آلي». تُعدّ هذه النسبة أعلى بمقدار 0.3% من الأرقام التي قدمتها رئيسة البنك، كريستين لاغارد عقب اجتماع مجلس الإدارة.
وتساءل غريغوري داكو رئيس قسم الاقتصاد في شركة EY-Parthenon «هل علينا أن نخشى انكماشاً تضخمياً؟»، أي فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع، لكنه أضاف: «لا، ليس في العام 2022، لكن المخاطر ستكون أكبر في 2023».
ذكر عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي مارتينز كازاك أن التضخم مرتفع للغاية، واتخاذ إجراء يتعلق بالسياسة النقدية لمواجهته له ما يبررها.
وقال كازاك، وهو رئيس البنك المركزي في لاتفيا، وهو من المتشددين، أمام إحدى اللجان في بولندا إن «التضخم مرتفع للغاية وغير مقبول»، حسب وكالة «بلومبيرغ» للأنباء. وتأتي هذه التصريحات بعد يوم من التزام البنك بأول زيادة في أسعار الفائدة منذ أكثر من عقد من الزمن.
ورسم المسؤولون مساراً مستداماً للارتفاع، بدءاً بتحرك من ربع نقطة في يوليو، متبوعاً بنصف نقطة محتملة في سبتمبر العام الجاري.
وقفزت الأسعار بأكثر من أربعة أضعاف الهدف الذي حدده البنك، وهو 2% في مايو الماضي، مسجلة رقماً قياسياً آخر.
وذكر كازاك أن الاقتصاد سيظل بحاجة إلى مساعدة، لكن يجب أن يأتي ذلك على نحو متزايد في شكل إنفاق حكومي بدلاً من تحفيز للبنك المركزي.
وتحدث رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق في اليوم الذي قال فيه المسؤولون في البنك بقيادة خليفته، كريستين لاجارد، إنهم مستعدون لوقف شراء السندات ووضع خطط لزيادة أسعار الفائدة، لمنع الزيادات القياسية في أسعار المستهلك من الخروج عن السيطرة.
ويتطلع البنك المركزي الأوروبي إلى زيادة أسعار الفائدة في منطقة اليورو، وهي خطوة لم تحدث منذ أحد عشر عاماً. ويخطط البنك المركزي الأوروبي لإنهاء سعر الفائدة السلبي على الودائع حالياً (سالب 0,5%) مع زيادتين لأسعار الفائدة في يوليو وسبتمبر المقبلين. ويمكن مكافحة ارتفاع التضخم بزيادة أسعار الفائدة.
7.9% في ألمانيا
أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني استناداً إلى بيانات أولية أن معدل التضخم في ألمانيا ارتفع خلال مايو الجاري بنسبة 7.9% على أساس سنوي. وهذا يعني أن معدل التضخم في ألمانيا واصل ارتفاعه لأكثر من 7% للشهر الثالث على التوالي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه أعلى معدلات تضخم يتم تسجيلها منذ توحيد شطرَيْ ألمانيا. وفي جمهورية ألمانيا الاتحادية القديمة (ألمانيا الغربية) تم تسجيل قيم مماثلة في شتاء 1973 / 1974، عندما ارتفعت أسعار الوقود بشكل حاد نتيجة لأزمة النفط الأُولى. ويعاني القطاع الصناعي من مشكلات في سلاسل التوريد منذ أزمة جائحة كورونا. وتقلل معدلات التضخم المرتفعة من القوة الشرائية لليورو لدى للمستهلكين.
وقد أقرت الحكومة الألمانية حزماً اقتصادية بقيمة مليارَيْ يورو لدعم المواطنين في مواجهة الغلاء.
76.55% تركيا
أظهر استطلاع لرويترز أن معدل التضخم في تركيا من المتوقع أنه صعد إلى أعلى مستوى في حوالي 24 عاماً، عند 76.55% في مايو بسبب زيادات في أسعار الغذاء والطاقة وضعف الليرة، في حين ارتفع متوسط التقديرات لنهاية العام إلى 63.5%.
وكان هبوط الليرة وتزايد أسعار الغذاء قد دفع التضخم إلى 69.97% في أبريل، أعلى مستوى في 20 عاماً، على الرغم من تخفيضات ضريبية للسلع الأساسية، ودعم حكومي لبعض فواتير الكهرباء؛ لتخفيف العبء على ميزانيات الأُسر.
وبلغ متوسط تقديرات 14 مؤسسة شملها استطلاع رويترز للتضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مايو 76.55%، وتراوحت التوقعات بين 72.50 و80.40%.
وستكون تلك أعلى قراءة للتضخم السنوي منذ أكتوبر 1998، عندما سجلت 76.6%.
وبلغ متوسط التقديرات الشهرية 4.80%، في نطاق من 2.40 و7.10%.
وتراوحت التقديرات لرقم التضخم في نهاية العام من 43.7 إلى 120%.
5.5% في أيسلندا
أظهرت بيانات مكتب الإحصاء في أيسلندا ارتفاع معدل التضخم خلال شهر مايو الجاري إلى 7.6% على أساس سنوي، بعد ارتفاعه بنسبة 7,2% خلال شهر أبريل الماضي. وباستثناء تكاليف الإسكان، بلغ معدل التضخم 5.5% خلال الشهر الجاري. وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 0.77% خلال الشهر الجاري على أساس شهري، بعد ارتفاعها 1.25% خلال الشهر الماضي.
وقد ارتفعت أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 0.9%، وأسعار السيارات الجديدة بنسبة 2.1%، والبنزين وزيت الديزل بنسبة 2.9%.
8.5% في إسبانيا
سجل التضخم في إسبانيا ارتفاعاً غير متوقع في مايو، ما قلَّص الآمال بأن تكون المستويات القياسية للتضخم في منطقة العملة الأوروبية الموحدة قد أصبحت من الماضي، الأمر الذي يضع المزيد من الضغوط على البنك المركزي الأوروبي للتحرك لاحتواء التضخم.
وتسارع التضخم إلى 8,5% في مايو مقابل 8,3% في الشهر السابق، بعدما محا الارتفاع في تكاليف الوقود أثر الانخفاض في أسعار الكهرباء. وكانت ارتفاعات أسعار الكهرباء هي التي قادت التضخم إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء القارة لعدة أشهر.
أما التضخم الأساسي، الذي يستبعد العناصر شديدة التقلب مثل الأغذية والطاقة، فتسارع إلى 4,9%، وفقاً لما نقلته وكالة «بلومبيرغ» للأنباء.
6% في التشيك
قال محافظ البنك المركزي التشيكي جيري روسنوك لصحيفة «برافو» في مقابلة، تم نشرها السبت إن البنك سيتعيَّن عليه أن يرفع أسعار الفائدة إلى أعلى من 6%، هذا الشهر لمواجهة التضخم المتسارع.
وأضاف روسنوك أنه لا يمكنه التنبؤ بما إذا كان مجلس محافظي البنك سيرفع تكاليف الإقراض بواقع نصف أو نقطة مئوية كاملة، في 22 يونيو الجاري، في اجتماعه الأخير بشأن السياسة، قبل انتهاء ولايته في نهاية الشهر، حسب وكالة «بلومبيرغ» للأنباء اليوم السبت.
وتكافح جمهورية التشيك لاحتواء أسوأ تضخم منذ حوالي ثلاثة عقود، ناجم بشكل كبير عن صدمات من الخارج، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار السلع لكن صانعي السياسة في براغ يرون أيضاً تداعيات سريعة لتكاليف معظم السلع والخدمات، أثارت سلسلة من ارتفاع كبير في أسعار الفائدة.
4.05% في إندونيسيا
يتوقع المحللون الذين استطلع البنك المركزي الإندونيسي رأيهم ارتفاع معدل التضخم في إندونيسيا خلال الشهر الحالي إلى 4.05% سنوياً، وهو ما يتجاوز قليلاً الحد الأقصى المستهدف بالنسبة للبنك.
ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء اليوم، الجمعة، عن بيان البنك القول إنه يتوقع وصول معدل التضخم الشهري خلال يونيو، نتيجة ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية مثل الدجاج والبيض ونبات الفلفل الحار والكراث والطماطم.
يذكر أن بنك إندونيسيا المركزي يستهدف أن يكون معدل التضخم خلال العام الحالي بين 2 و4% سنوياً.
10,5% في صربيا
رفعت صربيا معدل الفائدة للمرة الثالثة على التوالي، في خطوة غير متوقعة لمواجهة أسرع وتيرة تضخم منذ نحو عقد.
وذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء أن البنك المركزي رفع معدل الفائدة بواقع 50 نقطة أساس إلى 2,5% الخميس، في خطوة توقعها ستة من بين 19 اقتصادياً في استطلاع للوكالة.
وكانت محافظة البنك المركزي قد قالت الشهر الماضي إن معدل التضخم السنوي تسارع، ومن المتوقع أن يبلغ نحو 10,5% في يونيو الجاري أو يوليو المقبل.
السويد
انكمش الاقتصاد السويدي بنسبة أكبر من المتوقع خلال الربع الأول، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض مستويات الصادرات ومراجعات الإحصاءات للأعوام السابقة.
ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن مكتب الإحصاء السويدي الاثنين القول إن إجمالي الناتج المحلي انكمش بنسبة 0.8% خلال ثلاثة أشهر حتى مارس الماضي خلال الربع الأول، فيما يُعدُّ أول انكماش للاقتصاد منذ الربع الرابع لعام 2020.
وعلى الرغم من تعافي اقتصاد السويد بصورة جيدة من جائحة كورونا، فإن المواطنين يشعرون الآن بالضغط في ظل تسارع التضخم لأعلى مستوياته منذ أكثر من ثلاثة عقود.
كما تركت الحرب الروسية على أوكرانيا ورفع البنك المركزي السويدي لمعدل الفائدة أكثر من مرة أثرها على ثقة المستهلكين.
كوريا الجنوبية
كشفت وزارة المالية الكورية الجنوبية عن سلسلة من الإجراءات لخفض التضخم والعمل على استقرار الأوضاع المعيشية للمواطنين، ويشمل ذلك إلغاء رسوم الواردات على المنتجات الغذائية الرئيسية، وذلك في ظل مخاوف من أن يضر تصاعد ضغوط الأسعار بالنمو الاقتصادي.
وذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء أنه وفقاً للإجراءات التي تقدر بـ3,1 تريليون وون (2,5مليار دولار)، فإن الحكومة تعتزم إلغاء رسوم الواردات على سبع مكونات غذائية رئيسية تشمل زيت الطعام والدقيق، حتى نهاية العام الجاري.
كما سوف تلغي الحكومة ضريبة القيمة المضافة على واردات البن وحبوب الكاكاو حتى 2023؛ في محاولة للمساعدة في تخفيف تكاليف الواردات.
وتواجه كوريا الجنوبية ضغوطاً تضخمية في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومشاكل سلاسل الإمداد.