شهدت فترة الانتقالات الصيفية المنقضية العديد من الصفقات المجانية اللامعة مثل انتقال البرازيلي تياغو سيلفا مدافع باريس سان جيرمان الفرنسي إلى تشيلسي وزميله الأوروغوياني إدينسون كافاني إلى مانشستر يونايتد، لكن كل هؤلاء النجوم لم يكن بوسعهم التنقل بحرية لولا لاعب بلجيكي مغمور تمرد وثار على قوانين جائرة فحرر آلاف اللاعبين من عبودية الأندية، وغير كرة القدم مرة واحدة وإلى الأبد.
إنه جان مارك بوسمان، لاعب الوسط السابق لنادي رويال لييج البلجيكي خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي.
بدأت القصة عام 1990 عندما انتهى عقد بوسمان مع رويال لييج، ليقرر الانتقال إلى نادي دانكرك بالدرجة الثانية الفرنسية، وهو الأمر الذي يبدو غاية في السلاسة هذه الأيام، غير أنه لم يكن كذلك قبل تلك الواقعة. فرغم انتهاء عقد بوسمان مع لييج، لم يكن اللاعب لينتقل إلى أي نادٍ آخر دون موافقة ناديه الأصلي، ودون أن يحصل ذلك النادي على مقابل للصفقة.
بالغ نادي لييج في طلباته المادية لبيع بوسمان المنتهي عقده إلى دانكيرك الذي انسحب من الصفقة، ليرد النادي البلجيكي على ذلك بتخفيض راتب لاعبه بنسبة 75%، ورفض بيعه إلى أي نادٍ آخر. ومع رفض بوسمان تخفيض راتبه، قرر الاتحاد البلجيكي لكرة القدم إيقافه لأجل غير مسمى.
ووجد اللاعب البالغ من العمر آنذاك 25 عاماً أنه فقد كل شيء، فلا يقدر على الانتقال لنادٍ آخر ولا اللعب ولا الحصول على راتبه، ليقرر اللجوء إلى أعلى مراتب القضاء، محكمة العدل الأوروبية، مختصماً كل من نادي لييج والاتحاد البلجيكي والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حيث استمرت المعركة القضائية لخمس سنوات كاملة، لكنها أسفرت عن واحد من أهم القرارات في تاريخ اللعبة على الإطلاق.
وفي 15 ديسمبر عام 1995، قضت محكمة العدل الأوروبية بأحقية بوسمان في الرحيل عن ناديه بناء على انتهاء عقده والانتقال إلى أي نادٍ يريد، وبتعويض مالي قدره يعادل 300 ألف جنيه استرليني، إضافة إلى التأكيد على أحقية اللاعبين الأوروبيين في التنقل بين الأندية الأوروبية، وهو ما سمي بـ«قانون بوسمان»، نسبة إلى اللاعب البلجيكي.
بين ليلة وضحاها انقلبت كرة القدم رأساً على عقب، فلم تعد الأندية تتحكم في مصائر لاعبيها، بل انتقلت القوى إلى اللاعبين ووكلائهم، وأصبحت الأندية مجبرة على دفع رواتب ضخمة للاعبيها من أجل إقناعهم بالبقاء، وظهرت مفردات جديدة في عالم اللعبة مثل مقدم التعاقد ومقدم تجديد العقد، وغيرها من المفردات التي تغري اللاعبين للبقاء وعدم خسارتهم مجاناً.
وفي كتابه «القيادة»، يقول السير أليكس فيرغسون عن قانون بوسمان: «بمجرد أن أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكمها، بدا وكأن الجحيم قد تحرر.. فجأة أصبح كل اللاعبين أحراراً».
كان لقانون بوسمان بالغ الأثر ليس فقط في حرية انتقالات اللاعبين، بل في تغيير خريطة كرة القدم في أوروبا، فعلى سبيل المثال خسر فريق أياكس أمستردام المتوج بدوري أبطال أوروبا عام 1995 أغلب نجومه مجاناً.
ويعلق رئيس أياكس آنذاك مايكل فان براغ عن ذلك قائلاً: «كل شيء تغير مع قانون بوسمان. خسرنا باتريك كلويفرت مجاناً لصالح ميلان، لكنه لم ينجح هناك فباعوه إلى برشلونة مقابل 12 مليون يورو. علّمنا باتريك في أياكس طيلة 12 أو 13 عاماً ثم لم نحصل على أي شيء».
ماذا حدث لبوسمان؟
ورغم أن بوسمان غير وجه كرة القدم للأبد، فإن ذلك لم يفده كثيراً، فالقضية استغرقت 5 سنوات كاملة توقف فيها عن لعب كرة القدم، وأُهدرت أفضل سنوات مسيرته بين أروقة المحاكم بدلاً من الملاعب، وكان جل ما حصل عليه هو التعويض المادي الذي لا يمكن مقارنته بحجم الأموال الهائلة التي استفاد بها اللاعبون من حول العالم بسبب رجل واحد قرر أن يقول لا.
ومن المؤكد أن بوسمان شعر بالمرارة وهو يرى كيف تغيرت كرة القدم بسببه، حيث يقول: «إنها مفارقة. قانون بوسمان وُلد ليعيد توزيع الثروات إلى الجميع وخاصة الفقراء من اللاعبين، لكن الآن يبقى المكسب بين أيدي مجموعة صغيرة من الأشخاص».
ويضيف قائلاً: «ما زلت أعتقد أن المحكمة اتخذت القرار الصائب. لقد كان قانوناً إيجابياً لكن تم تشويهه. لسوء الحظ فإن وضع كرة القدم الآن غير صحي. يحصل اللاعبون على أموال طائلة، والعقود لا يتم احترامها».