لم يتمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من رسم صورة جيدة لنفسه، وتحسين الصورة الذهنية عن روسيا أكثر مما فعل حينما وقف أمام العالم أجمع معلناً افتتاح مونديال روسيا 2018، وأثناء البطولة تسابقت وسائل الإعلام العالمية في الكشف عن الصورة الحقيقية لروسيا، باعتبارها دولة متحضرة مضيافة تتمتع بقدرات تنظيمية خاصة، بل ومتحررة من الأيدلوجيات التقليدية التي ترتبط بزمن الاشتراكية، وكان هذا المكسب هو الأكبر في تاريخ روسيا الحديث.
كما أن المنافسة الروسية القوية في دورات الألعاب الأولمبية، سواء الصيفية أو الشتوية، والحضور العالمي اللافت في كثير من المنافسات الروسية، فضلاً عن حرص بوتين طول الوقت على الظهور في صورة الرياضي «المحترف» ببدلة الجودو، وخوذة هوكي الجليد، ما هو إلا دليل على أن العقوبات الرياضية التي تم توقيعها على روسيا جعلتها تشعر بألم حقيقي، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، فالرياضة هي القوة الناعمة الأولى في معادلات السياسة الدولية في الوقت الراهن.
حصار روسيا رياضياً
تم استبعاد روسيا من الرياضة العالمية منذ بدايات الأزمة مع أوكرانيا، وطرحَ تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» سؤالاً يبدو مشروعاً إلى حد كبير بعد مرور كل هذا الوقت على إصدار العقوبات، والسؤال هو: «هل يمكن للعقوبات الرياضية أن يكون لها أي تأثير على إنهاء الحرب في أوكرانيا؟» كان مراسل بي بي سي وورلد سيرفيس ومؤرخ لعبة الكريكيت مو آلي يبحثان في الدور الذي يمكن أن تلعبه العقوبات الرياضية في السياسة، لا سيما كيف ساعدت في إنهاء الفصل العنصري في موطنه جنوب أفريقيا.
تحركات عاجلة لعزل الروس
كان لافتاً التحرك العالمي الكبير لعزل روسيا رياضياً، بل إن البعض لاحظ أن سرعة التحرك لم يسبق لها مثيل، فقد قرر الفيفا منع روسيا من استكمال تصفيات التأهل لمونديال قطر 2022، وفي الوقت الذي كانت روسيا هي البلد المنظم للحدث الكبير قبل 4 سنوات، أصبحت في الوقت الحالي تعاني الحرمان من مجرد المشاركة، كما تحرك الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» لعزل الأندية الروسية، وكذلك الجهات المسؤولة عن الفورومولا – 1، وألعاب القوى، والرجبي، والتنس وغيرها، وأعلن نجوم الرياضة الروسية تضررهم بصورة واضحة من خلط السياسة بالرياضة، فقد كان الشعار الدائم للاتحادات الرياضية الدولية والقارية طوال الوقت عدم خلط السياسة بالرياضة.
اقرأ أيضاً.. هل يجتمع كريستيانو رونالدو وميسي بفريق واحد الموسم المقبل؟
تجربة جنوب أفريقيا
يعرف الجنوب أفريقيون كل شيء عن التأثير الذي يمكن أن تحدثه مثل هذه العقوبات بعد أن عانت الرياضات المختلفة في البلاد فترات متفاوتة من العزلة من الستينيات حتى عام 1991، عندما بدأت نهاية الفصل العنصري.
وقال رئيس اتحاد الكريكيت الجنوب أفريقي السابق الدكتور علي باشر في تصريحات لـ«بي بي سي سبورت أفريكا» إن العقوبات العامة، بما في ذلك الرياضة، عملت على إسقاط نظام الفصل العنصري، لذا من المنطقي فعل ذلك مع روسيا أيضاً".
في عام 1948، فصلت القوانين في جنوب أفريقيا الأشخاص على أساس عرقهم وحكمت جميع جوانب الحياة لإفادة حكام الأقلية البيضاء في سياسة أصبحت تُعرف باسم الفصل العنصري.
لعبت العقوبات خاصة في مجالات الرياضة والاقتصاد والتعليم والفنون والثقافة دوراً حاسماً في الزوال النهائي للفصل العنصري وإقامة نظام ديمقراطي في جنوب أفريقيا في عام 1994.
ويضيف باشر:"لسوء الحظ، يتعين على الرياضيين الروس أن يعانوا بسبب السياسة، لكن الأمر نفسه حدث لنا نحن الجنوب أفريقيين، بمن فيهم أنا، لم نؤيد الفصل العنصري ولكن كان علينا أن نعاني من آثار العزلة أيضاً."
وتابع الدكتور باشر: "لم تكن العقوبات الرياضية وحدها هي التي لعبت دوراً في إسقاط الفصل العنصري، ولكنها من بين الأسباب، خاصة أن القوة الناعمة للرياضة لها تأثيرها الكبير"، قد ساعدت العقوبات الاقتصادية والعقوبات الأخرى أيضاً، لكن تأثير العقوبات الرياضية كان مهماً للغاية بالنظر إلى مدى شعبية الرياضة لدى جنوب أفريقيا"
ويتابع متحدثاً عن تأثير الرياضة في تقليل التأثير السلبي للأزمات السياسية، حيث قال: "كان لدينا أفضل فريق كريكيت في العالم في عام 1970، وجاءت عودتنا إلى لعبة الكريكيت العالمية فقط في عام 1991، ما يعني أن العقوبات التي تم فرضها كان لها تأثيرها لفترة طويلة على لعبة الكريكيت في جنوب أفريقيا، ولا شك في ذلك."
3 عقود من العزلة
من بين قوانين الفصل العنصري، التي تم تقديمها بعد فوز الحزب الوطني في الانتخابات عام 1948، منع أصحاب البشرة السمراء من تمثيل البلاد خارجياً، وبدأت الأمور تتغير في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي عندما تم منع اتحاد جنوب أفريقيا لكرة القدم المكون من البيض من المشاركة في أول كأس أمم أفريقية، قبل تعليقه من الفيفا في عام 1961 (وطُرد كلياً في عام 1976).
عودة للساحة العالمية
ومع عودة جنوب أفريقيا للساحة الرياضية العالمية في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، كان لهذه العودة مفعول السحر في جعلها أكثر شهرة وحضوراً في العقل العالمي، فقد نجحت في تنظيم مونديال 2010 وكذلك العديد من الأحداث الرياضية الكبرى، فضلاً عن مشاركة أبرز نجومها في مختلف اللعبات في البطولات العالمية والدورات الأولمبية، ليرفعوا من اسم بلادهم، بعد سنوات من الابتعاد عن المشهد العالمي.