السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

سلاح التواصل الاجتماعي (2-2)

تتحدث كثير من الدول والحكومات عن خطر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها في حقيقة الأمر تتعامل مع هذا الخطر بأدوات بدائية للغاية، سواء من خلال ما يعرف بالحلول الاستئصالية، أو الأمنية، وهي حلول مطلوبة ولكنها ليست العلاج الأوحد، فهي تستأصل «الورم» ربما، ولكنها لا تفيد في محاصرة الآثار المرضية الناجمة عن ظهوره أو انتشاره. فعلى سبيل المثال، لو أن تنظيماً ما يعمل على بث الشائعات ويتخذ من الحرب النفسية وسيلة للتحريض وتأليب الرأي العام في دولة ما ضد النظام، فمن الممكن تتبع مروجي الشائعات عبر شبكة الإنترنت والقبض عليهم بموجب القانون، ولكن تبقى آثار هذه الشائعات بانتظار من يكمل مهمة من تم القبض عليهم، وهم جاهزون بالفعل لمواصلة مثل هذه المهام في ضوء ما تتمتع به تنظيمات الإرهاب من تمويل وقدرة كبيرة على الحشد والتخطيط التآمري. يتحدث الجميع عن حروب الجيل الرابع والخامس وغير ذلك، ولكن يبقى هؤلاء أيضاً عند حدود التعامل إعلامياً عبر نظريات وآليات وأنماط قديمة، تثير الشفقة والرثاء في أحيان كثيرة، فيواجهون حروب الجيل الرابع التي يتحدثون عنها بأدوات حروب «السهام والسيوف والمقاليع»! هنا تحديداً تكمن نقطة دخول تنظيمات الإرهاب في المجال الإعلامي، فهي توظف وسائل الإعلام الجديدة بشكل هائل، وتستخدم إمكانات هذه الوسائل المتطورة في الدعاية والتجنيد والاستقطاب ونقل الرسائل وتبادل الخبرات، بل وبناء معسكرات تدريب افتراضية بدلاً من المعسكرات التقليدية، التي يمكن رصدها وقصفها بسهولة عبر الطائرات من دون طيار. على الجانب الآخر، نجد أن ممارسات بعض الدول والحكومات لا تزال تعتمد على برامج وقوالب إعلامية تعود إلى حقبة منتصف القرن العشرين، حيث يقبض أحدهم على الميكروفون ويظل يتحدث إلى الجمهور بالساعات والساعات مقتنعاً بأن قدرته على التأثير الجماهيري لا شك فيها! أدرك أن علم الإعلام يقوم على تحديد خصائص الجمهور المستهدف ومن ثم اختيار الوسائل المناسبة، ولكن من قال لهؤلاء إن الجمهور المستهدف لا يزال يفضل الاستماع إلى البرامج الإعلامية الحماسية في عصر يوتيوب وفيسبوك وتويتر؟ الإشكالية أيضاً أن معظم الدول والحكومات تتحدث كثيراً ولا تفعل سوى القليل سواء في ما يتعلق بنشر ثقافة الاعتدال ومكافحة الفكر الظلامي المتطرف، أو أنها تقوم بجهد فعلي ولكن عبر أدوات تقليدية قديمة أو قنوات غير فاعلة أو سوء اختيار للقائمين بالاتصال ونقل الرسالة. عندما نتحدث عن المستقبل سواء في مجال الحروب أو في التهديدات الاستراتيجية بشكل عام، فإن الاستحقاق الأهم يتمثل في ضرورة التحرك والفعل بوتيرة تفوق سرعة وفاعلية مصدر التهديدات، وهو تنظيمات الإرهاب والتطرف، ومن دون ذلك ستبقى المجتمعات والدول تعاني جراء تفاقم التهديدات المستقبلية.