من الولايات المتحدة إلى أوروبا، يلوح شبح التضخم في يوم «الجمعة السوداء» (بلاك فرايداي) الذي يشهد خصومات كبيرة في المتاجر وعلى الإنترنت غداة عيد الشكر، غير أن التجّار لا يزالون يأملون في استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن.
ومنذ أشهر، يواجه أكبر اقتصاد في العالم ارتفاعاً في الأسعار يهدّد الحركة التجارية في فترة عطلة أعياد نهاية العام.
حتى اللحظة، تتوقع شركة «ديلويت» لمراجعة الحسابات والاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة نمواً في الإيرادات لا يتخطّى نسبة التضخم.
ويتباطأ نمو مؤشر أسعار المستهلك تدريجياً في الولايات المتحدة، لكنه بلغ 7,7% على أساس سنوي في 10 نوفمبر، ما يعني أن زيادة في الإيرادات خلال فترة الخصم الشتوية ستؤدّي إلى انخفاض حجم المبيعات.
وتزداد هذه المخاوف في أوروبا، حيث أصبح يوم «الجمعة السوداء» رائجاً منذ نحو عشرة أعوام.
في المملكة المتحدة، تتوقع شركة البيانات «غلوبال داتا» انخفاضاً في حجم المبيعات خلال «الجمعة الأسود» رغم زيادة العائدات.
في إسبانيا، يُتوقّع أن يبلغ معدّل نفقات مستخدمي الإنترنت 183 يورو خلال «الجمعة السوداء»، مقابل معدّل 200 يورو العام الماضي، وفق شركة الاستشارات الإسبانية «تانديم أب» (Tandem Up).
العام الماضي، كانت المخاوف مختلفة، إذ كان على القطاع مواجهة صعوبات في الإمداد؛ نظراً لتعطل النقل العالمي وإغلاق المصانع بسبب جائحة كوفيد-19.
لتجنُّب مثل هذه الصعوبات، طلب التجّار بضاعتهم قبل فترة طويلة، لكن مع احتمال بقاء فائض من الطلبات، بينما يقلل المستهلكون من إنفاقهم.
ويقول مدير عام شركة «غلوبال داتا ريتيل» نيل سوندرز: «أمس، كانت المشكلة تكمن في نقص الإمدادات، واليوم المشكلة تكمن في الفائض».
ويعتبر أن فائض الطلبات قد يعود بالنفع على صائدي العروض الجيدة في العديد من القطاعات مثل الإلكترونيات أو الملابس.
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، يُشكّل ارتفاع سعر الوقود والأغذية تحديّاً، لكنهم ليسوا جميعهم متأثرين بالتضخم بالطريقة نفسها.
وتذكّر المحللة لدى وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني كلير لي بأن «أصحاب الدخول المنخفضة هم الأكثر تأثراً؛ لأنهم ينفقون أكثر نسبياً على المنتجات الأساسية».
حتى الآن، أظهر المستهلكون الأمريكيون أقل حساسية في مواجهة الأزمات المختلفة التي عرفوها منذ بداية الجائحة، حيث أنفقوا أكثر من المتوقع، حتى عندما أكدت مؤشرات الثقة مخاوفهم.
ويمكن تفسير ذلك جزئياً بأن مدّخرات العديد من الأُسر مرتفعة بعدما استفاد الكثير من العائلات من المساعدات الحكومية التي وُزّعت خلال الجائحة، في وقت كان الاستهلاك في أدنى مستوياته.
لكن بعدما وصلت مدّخرات الأُسر الأمريكية إلى ذروة بلغت 2500 مليار دولار منتصف العام 2021، تراجعت إلى 1700 مليار دولار في العام 2022، بحسب «موديز».
والمستهلكون الذين يقلُّ دخلهم السنوي عن 35 ألف دولار هم أول من يتأثر، إذ انخفضت مدخراتهم بنسبة 39% في النصف الأول من العام، ما دفع الائتمان الاستهلاكي نحو الارتفاع، وفقاً لبيانات الاحتياطي الفيدرالي.
ويقول مدير عام سلسلة متاجر «دولار تري» (Dollar Tree) للبيع بأسعار منخفضة مايكل ويتينسكي: «نرى ضغطاً مستمراً» على المستهلكين الذين أصبحوا «يركّزون بشكل أكبر على احتياجاتهم، ويحاولون ضمان أن لديهم ما يكفي من المال بحلول نهاية الشهر».
وتقدم أرقام قطاع التجزئة صورة مختلطة لصحة المستهلك.
ويقول مدير سلسلة «تارغيت» (Target) براين كورنيل: «إنَّ المستهلكين حذِرون جداً ويقولون: «حسناً، إذا أردت شراء شيء ما، أريد أن أستفيد من أفضل العروض»».