شرعت شركات كبرى لتصنيع السيارات، سواء كان التزاماً منها بتعهداتها الخاصة أو مدفوعة من السلطات الحكومية، إلى التحول الجذري نحو الاستغناء عن المركبات العاملة بالوقود، وإنتاج تلك الكهربائية بدلاً منها، لكنّ دون تحقيقها هذا الهدف الطموح عوائق كثيرة.
ومن الأسئلة المطروحة مثلاً في هذا الشأن هل سيتوافر ما يكفي من عنصر الليثيوم الكيميائي وغيره من المواد الأولية اللازمة لتصنيع البطاريات الكهربائية؟ وهل سيؤمَّن عدد كافٍ من محطات الشحن؟ وكيف السبيل إلى ضمان جعل أسعار هذه المركبات في متناول كل الفئات وتجنّب كلفة عالية لا قدرة لذوي الدخل المحدود على تحمّلها؟
وبعد نجاح «تسلا» القائمة حصراً على المركبات الكهربائية، باتت غالبية المجموعات العاملة في هذا القطاع تعتزم استثمار عشرات المليارات من الدولارات في الأعوام المقبلة بغية التحوّل.
ولحظت «ستيلانتيس» («فيات»- «كرايسلر» و«بيجو-سيتروين») مثلاً بيع السيارات الكهربائية دون غيرها في أوروبا بحلول سنة 2030. أما «تويوتا» فتخطط لإطلاق 30 طرازاً كهربائياً في الفترة نفسها. وتطمح «جنرال موتورز» إلى الكفّ عن إنتاج السيارات العاملة بالوقود في عام 2035.
وتحظى الشركات في توجهها هذا بتشجيع السلطات.
وآخر ما سُجّل في هذا الإطار إقرار كاليفورنيا الخميس نصاً يحظر اعتباراً من عام 2035 بيع السيارات الجديدة العاملة بالوقود في كل أنحاء الولاية الأميركية.
«طلب مضمون»
وافقت الدول الـ27 الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي في حزيران/يونيو الفائت على حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالمحركات الحرارية من بنزين وديزل اعتباراً من 2035، في حين ترغب الصين في أن تكون نصف المركبات الجديدة على الأقل كهربائية أو هجينة أو عاملة بالهيدروجين بحلول التاريخ نفسه.
ورأت جيسيكا كالدويل من شركة «إدموندز» المتخصصة أن شركات تصنيع السيارات باتت على عِلم بهذه التوجهات «ولها أن تتدبر أمرها في إعداد مخزونها» لتتطابق معها.
وأضافت الخبيرة «كان لا يزال يُقال إلى وقت قريب إن أكبر العقبات التي تحول دون اعتماد السيارات الكهربائية هي قبول سائقي السيارات والسعر».
لكن الطلب على هذه السيارات بات موجوداً نظراً إلى أن المستهلكين باتوا أكثر وعياً بتأثيرات التغير المناخي.
ففي الولايات المتحدة مثلاً، تؤكد شركة «جنرال موتورز» أن لديها أكثر من 150 ألف طلبية مسبقة للنسخة الكهربائية من شاحنة البيك أب من طراز «سيلفرادو» التي لن تكون متاحة إلا سنة 2023. أما الراغب في الحصول على «تسلا» الرائدة في هذا القطاع، فعليه أن ينتظر أشهراً.
ولاحظت كالدويل أن «السؤال بات يتركز الآن على ما إذا كان بإمكان الشركات الحصول على المواد الأولية الضرورية» لإنتاج هذه المركبات.
«الحدّ من الأخطار»
وقال كارل بروير من موقع سيارات «أي سي كارز» المتخصص «بإمكان الحكومات أن تقرر قدر ما تشاء منح إعانات أو سن تشريعات جديدة» لتشجيع التحوّل إلى السيارات الكهربائية، لكنّ المشكلة المطروحة راهناً هي «النقص في البلاديوم والنيكل والليثيوم».
ورغم ارتباط المشكلة إلى حدّ كبير بالنزاع بين روسيا وأوكرانيا، ذكّر بروير بأن «أحداً قبل سنة لم يكن يتوقع زيادة الأسعار أو صعوبة الحصول على هذه المواد»، وهو ما يبيّن أن الوضع «يمكن أن يتغير بشكل جذري في أي وقت».
وتجهد الشركات المصنّعة للحد من هذه الأخطار. فبعضها ينشئ مصانعه الخاصة للبطاريات، والبعض الآخر يقيم مشاريع مشتركة مع منتجين متخصصين أو شراكات مع شركات التعدين.
حتى أن المجموعتين الألمانيتين «فولكسفاغن» و«مرسيدس بنز» وقعتا الاثنين اتفاقات مباشرة مع الحكومة الكندية لتعزيز إمداداتهما من المعادن النادرة.
لكن السوق تبقى عالمية، كما هي الحال بالنسبة إلى النفط، بحسب بروير الذي قال «ما دام العرض محدوداً،»سيتوافر دائماً من يدفع أكثر قليلاً".
وفي هذا الصدد، فإن جوانب أخرى للانتقال إلى الكهرباء، كتحويل سلاسل الإنتاج، تبدو في نهاية المطاف سهلة جداً «لأن من الممكن التحكم فيها»، على ما قال.
«مساعدات مشروطة»
وقد تساهم التشريعات المحلية أيضاً في تعقيد المهمة، كما هي الحال في الولايات المتحدة حيث ينص قانون حديث على عدد الشروط لإعطاء مساعدة مقدارها 7500 دولار للراغب في شراء سيارة كهربائية، ومن هذه الشروط أن يكون التجميع النهائي للسيارة حصل في أمريكا الشمالية.
وأشار التحالف من أجل الابتكار في مجال السيارات، وهو لوبي صناعي في الولايات المتحدة، إلى أن الحصول على هذا الدعم غير متاح تالياً للراغبين في شراء نحو 70% من الطرازات الكهربائية أو الهجينة أو العاملة بالهيدروجين المتوافرة حالياً في السوق، والبالغ عددها 72.
ورأى المحلل غاريت نيلسون أن هذا القانون الجديد سيعطي الأفضلية بوضوح في الولايات المتحدة لشركات «تيسلا» و«جنرال موتورز» و«فورد»، على حساب الشركات المصنعة الأوروبية والآسيوية.
واعتبر التحالف في بيان بعد إقرار القانون في كاليفورنيا، أن تحقيق أهداف الولاية سيكون «معقداً جداً» بسبب «عوامل خارجية»، من بينها التضخم ومحطات الشحن الكهربائية أو الهيدروجينية وسلاسل التوريد والعمالة وأسعار المواد الأساسية وتوافرها والنقص المستمر في أشباه الموصلات.
وشدد التحالف على أنها «قضايا عالمية معقدة ومترابطة وتتجاوز إلى حد بعيد قدرة (سلطات كاليفورنيا) أو قطاع السيارات على التحكم».