ووضعت هيئة الصحة بدبي، إرشادات «المعالجة المائية للقولون» تلزم بها المنشآت الصحية المرخصة من قبلها، بينما قال لـ«الرؤية» رئيس شعبة الجهاز الهضمي بجمعية الإمارات الطبية ورئيس قسم الجهاز الهضمي في مستشفى راشد التابع للهيئة الدكتور سمير العوضي، إنه لا يوجد دليل علمي على ما يسمى بـ«غسيل القولون»، بل إنه قد يسبب مشكلات صحية للمريض، فيما اعتذرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع عن عدم الرد على أسئلة «الرؤية» كافة حول هذه الممارسات.
وسرد عدد ممن أجروا هذه العمليات في الدولة تجاربهم في عدد من المنتديات الإلكترونية ووصفوها بـ«العملية المفيدة»، بينما هاجم كثير من المواطنين هذه العمليات ووصفوها بـ«الوهم».
آراء وتجارب
وتفصيلاً، قال حساب في تويتر لمواطن يدعى الرميثي: إن من يروجون لأعشاب تنظيف القولون أو عمليات غسيله، يظنون أنهم أطباء وهم لا يمتلكون شهادة أولى إعدادي، «مثل الشيخ الروحاني والخاطبة».
وقال حساب آخر لشخص يدعى أحمد المالكي، إن غسيل القولون من خلال تجارب شخصية هو تنويع الأكل، والتركيز على الفواكه والخضار، وتناول الزبادي (اللبن) قليل الدسم بشكل يومي قبل النوم، وتجنب الدهون، واستعمال زيت الزيتون المخصص للطهي في تحضير الطعام للمساعدة في تنظيف القولون، لأن أسباب ألم هذا العضو هو تناول الطعام المشبع بالدهون.
وقال حساب «بنت الظفرة»: دائماً ما أقرأ إعلاناً عن تنظيف القولون في مراكز الحجامة، فيما تساءل عبدالله النومان: ما دام هذا الأمر غير مثبت علمياً، وهناك إعلانات لمستشفيات وعيادات تقدم هذه الخدمة، لماذا لا يوجد قانون يعاقب هؤلاء؟
وروت سيدة قالت أنها أجرت هذه العملية في أحد المراكز بدبي، تجربتها في منتدى سيدات الإمارات الإلكتروني، مشيرة إلى أن هذه العملية تسمى Colon Hydrotherapy، وهي عبارة عن جلسة مع الطبيبة في المركز، استمعت فيها إلى شكوى المريضة، لتقرر الطبيبة بعدها 4 جلسات غسيل للمريضة، وأن الجلسة الأولى كانت «مُحرِجة»، وأن الطبيبة ومساعدتها استخدمتا أنبوبين، الأول لضخ الماء داخل القولون والثاني لإخراج الفضلات بعد شرب كوب من الماء بالأعشاب.
وذكرت المريضة أنها شعرت ببعض التعب لتستريح لمدة 3 أيام في المنزل، مشيرة إلى ارتياحها لإجراء هذه «العملية»، فيما لم يتسن لـ«الرؤية» التأكد من هوية راوية التجربة، وما إذا كانت مواطنة أو متعاملة مرت بالتجربة بالفعل، أم أنه حساب وهمي يروج للمركز الذي ذُكر اسمه في المنشور.
خطورة على الجهاز الهضمي
وقال رئيس شعبة الجهاز الهضمي في جمعية الإمارات الطبية واستشاري ورئيس قسم الجهاز الهضمي في مستشفى راشد الدكتور سمير العوضي، إنه لا يوجد أي دليل علمي يثبت صحة ما تروجه هذه المراكز، كما لا يوجد في الطب ما يسمى بعمليات غسيل القولون، محذراً من خطورة هذه العمليات على صحة الجهاز الهضمي، حيث أنها قد تسبب التهابات شديدة في القولون، وقد تؤدي إلى ثقب أو نزيف في القولون وفتحة الشرج.
طب شعبي
وأكد استشاري الجهاز الهضمي بدبي الدكتور شريف الشهاوي عدم وجود دراسات علمية دالة على صحة عمليات غسيل القولون، لكنها ممارسات موجودة في الطب الشعبي منذ سنوات طويلة وبطرق مختلفة، حيث كانت تبدأ بـ«الشَربة»، ولكن لا بد أن يسأل المريض نفسه عن السبب الذي يدفعه إلى إجراء هذه الممارسة والطريقة التي سيجريها بها، لأنه المريض سيقوم بعملية تشبه نظام «ديتوكس» للتخلص من السموم وعلاج الإمساك والقضاء على الغازات، ولكن بعد فترة وجيزة تعود نفس المشكلة.
وأوضح الشهاوي، أن عملية غسيل القولون قد تؤدي إلى التهابات شديدة في القولون بسبب عدم نظافة الأدوات والأجهزة المستخدمة التي قد تستخدمها بعض المراكز لأكثر من مريض، وأن الضغط الشديد للسائل إلى داخل القولون يؤدي إلى انفجاره أو التسبب في ثقب في الأمعاء أو إصابة في فتحة الشرج، مؤكداً أن القولون ينظف نفسه بنفسه، وأن هناك مستحضرات طبية معتمدة في الصيدليات في شكل مسحوق (بودرة) تنظف القولون، وتذاب في لتر ماء ويشربها المريض، وهي عادة ما تستخدم لتنظيف القولون قبل عمل المنظار.
جفاف واختلال الأملاح والمعادن
وقال استشاري طب الأسرة الدكتور عادل سجواني، إن البعض يتاجر فيما يسمى غسيل القولون، سواء باستخدام الملينات أو الحقن الشرجية أو الأعشاب وأساليب أخرى كثيرة، مؤكداً عدم وجود ما يسمى بغسيل القولون في الممارسات الطبية العلمية، وأن القولون جزء من الجهاز الهضمي ويمارس مهامه الطبيعية في جسم الإنسان، وأن الملينات والأعشاب تسهل البطن وتسبب الإسهال مثل الأدوية الطبية، لكن الفرق أن الأدوية معتمدة ومسجلة ومعروف فوائدها وآثارها الجانبية وجرعاتها، لكن الأعشاب وغيرها لا يعرف أحد مكوناتها بدقة، وقد تسبب السموم والفطريات والالتهابات.
وأضاف سجواني، عند إجراء منظار القولون يتناول المريض مسهلات طبية في شكل أدوية، فتفرغ القولون، ولكنها ليست للغسيل وهي مخصصة فقط لعمليات المنظار، محذراً من إجراء غسيل القولون لأن السوائل التي تضخ تتسبب في اختلال الأملاح والمعادن في الجسم، ما يؤدي إلى تشجنات والتهابات، لافتاً إلى طفل عمره 13 عاماً، زاره في العيادة منذ أيام، بعد أن أصابه الإعياء بسبب غسيل القولون، الذي يعد عملية خطرة على صحة الأطفال لأنها تسبب الجفاف.
إضرار بالبكتيريا النافعة
وقال الأستاذ المشارك للأمراض الباطنية والجهاز الهضمي بكلية الطب بجامعة الشارقة الدكتور علي إبراهيم شوربجي، إنه لا يوصي أبداً بإجراء عملية غسيل القولون لما لها من سلبيات كبيرة أهمها: ضرر تركيبة البكتيريا النافعة في القولون، والثقب والانفجار، مشيراً إلى أن المريض الذي يعاني من إمساك يعطى مُليناً لا يشكل خطراً، مضيفاً «وإذا قارن البعض بين هذه العملية من جانب وعملية تنظيف القولون قبل إجراء المنظار من جانب آخر، نجد أن الفارق كبير، حيث تُجرى الأخيرة في المستشفيات وتحت إشراف طبيب الجهاز الهضمي، وبمكونات طبية وصيدلانية معتمدة ومعلومة المصدر».
إرشادات المعالجة المائية للقولون
ووضعت هيئة الصحة بدبي، قبل عدة سنوات، إرشادات للمعالجة المائية للقولون، مؤكدة على تنفيذ هذه الخدمة الطبية تحت الإشراف المباشر للأطباء والمتخصصين في الرعاية الصحية (الممارسين)، مع ضرورة الموافقة على المعدات المستخدمة من قبل واحدة من 4 جهات هي: إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، صحة كندا، المطابقة الأوروبية، أو السجل الأسترالي للسلع العلاجية، إضافة إلى أن تكون المعدات مسجلة لدى وزارة الصحة في الإمارات.
وأكدت الهيئة على توفر سباكة متخصصة للنفايات البشرية التي يتم إطلاقها خلال المعالجة، بحيث يتم شطفها مباشرة في نظام مياه الصرف الصحي للمنشأة الصحية، ويجب أن يكون هناك مرشح للرواسب، إضافة إلى مرشح الكربون المنشط المرفق لتوصيل المياه الساخنة والباردة لغرفة العلاج، وأن يتوفر نظام مرشح ثانٍ متصل بالمعالجة المائية للقولون في جهاز نفسه وفقاً لمواصفات الشركة المصنعة، وتغيير المرشحات في الوقت المناسب على النحو الموصى به، وتوفير معقم بالأشعة فوق البنفسجية عند مصدر الإمداد الرئيسي لمعالجة المياه، والكثير من الشروط الأخرى.
الرأي القانوني
من جانبه، قال المحامي محمد النجار، إن المادة 24 من القانون الاتحادي (5) لسنة 2019 في شأن تنظيم مزاولة مهنة الطب البشري، تحظر على الطبيب القيام بعمل يتجاوز حدود اختصاصه أو الترخيص الممنوح له، إلا في الحالات الطارئة لغرض إنقاذ الحياة، وكذلك القيام بعمل لا تسمح الإمكانات المتاحة له بالقيام به إلا في الحالات الطارئة، ومزاولة المهنة في مكان غير مرخص له إلا في حالات محددة.
وأكد النجار أن هذا القانون يمنع الطبيب من تشخيص المريض أو علاجه بطريقة لم يتم اختبارها وفقاً للمعايير العلمية والأخلاقية المعتمدة وبدون موافقة الجهة الصحية، مشيراً إلى أن أعمال غسيل القولون غير معتمدة طبياً ولا أساس علمياً لها كما يؤكد الأطباء، وتستغل هذه المراكز حاجة الناس وتمسكهم بالأمل في العلاج، وبالتالي تعد من قبيل تشخيص المرض وعلاجه بطريقة لم يتم اختبارها وفقاً للمعايير العلمية والأخلاقية.