وروى هؤلاء قصة دخولهم المؤسسة الإصلاحية، مجمعين أن الأسباب وراء ذلك تمثلت بعدم معرفة خلفية الشركاء ودوافعهم الحقيقية، التسرع في اتخاذ قرارات التوسع في الأعمال لتحقيق النجاح، عدم الاعتماد على فريق قانوني لدراسة المشاريع والوضع القانوني للشركة، الاعتماد على التوقعات في المبالغ التي ستحصلها الشركة من دون دراسات مسبقة، غياب دراسة جدوى المشاريع قبل بدء العمل، وأخيراً عدم فهم القانون والتعمق في الاطلاع على النصوص لحماية أنفسهم ومشاريعهم من المحاسبة.
من جهتهم، ذكر قانونيون أن 90% من حالات دخول المديرين التنفيذيين من أصحاب المشاريع إلى السجن تعود إلى الجهل بالمواد الخاصة في القوانين المتعلقة بالتجارة لمعرفة طبيعة المهام وما يترتب عليها من محاسبة، ناصحين بالاعتماد على مكاتب استشارات قانونية في أعمالهم للسير في الطريق الصحيح وتطوير أعمالهم.
ودعوا المشرع إلى تعديل القوانين لعدم تحميل المدراء أو المحاسبين في الشركات ممن يقتضي عملهم فيها توقيع شيكات المسؤولية كاملة، مبينين أنه في أوقات معينة يعد هذا من ضمن مهامهم ولا يستطع الموظف المدير أن يقول "لا" لرب العمل، ويجب أن يتحمل الشركاء المسؤولية القانونية عن ما يقع فيه الشخص المفوض بالتوقيع إذا ما تسبب هذا له بضرر وإن كانت الشركة ذات مسؤولية محدودة لأن العلاقة بين المدير وأصحاب الشركة مختلفة يفترض تدخل المشرع ليتحمل الشركاء المسؤولية عن المديونيات.
تأخير في الدفعات
«كان لدي طموحات كبيرة لتحقيق النجاح في مدة قصيرة، ولكن لم أعلم أن السجن سيكون النهاية» بهذه العبارة بدء النزيل (م.س) برواية قصته لـ«الرؤية» متابعاً: تطلعت لأكون أحد رجال الأعمال المرموقين في عالم الإنتاج الفني، ومن هنا بدأت في تأسيس شركة إنتاج فني وسينمائي، وبالفعل أنشأت الشركة بالتعاون مع آخرين وأنجزت أعمالاً مهمة تم بيعها لجهات مرموقة، وخلال التوسع بالعمل حررت المزيد من الشيكات لجهات مختلفة نتعاون معها، وفجأة حدث ما هو غير متوقع، إذ لم تستطع الشركة الخاصة بي سداد ما يترتب عليها في الأوقات المحددة بسبب تأخر الدفعات من الجهات التي تعاقدنا معها، وبعد فترة تم تقديم تلك الشيكات للقضاء وحكم عليّ كمدير للشركة بالحبس لمدة 4 سنوات ونصف.
ومن واقع تجربته، يقول: أنصح كل شخص بالصعود في عالم الأعمال تدريجياً وأن لا يستعجل في أي مجال كان، وثانياً لا تتورط في التشعب بتوقيع عقود مع أكثر من جهة في وقت واحد، والاطلاع على خلفية الشركاء ودورهم في السوق، وكذلك دراسة المشروع جيداً قبل البدء بالعمل.
وحول الفترة التي يقضيها في المؤسسة الإصلاحية، ذكر النزيل أن كل وسائل الراحة والتدريب والاتصال متوفرة مما يمنح النزلاء الفرصة لاستعادة الثقة بالنفس والتفكير الإيجابي للمرحلة القادمة.
نزيل.. مدير 16 عاماً
وقال النزيل (ع.ت): أنا في السجن منذ 3 سنوات وسأخرج بعد أقل من 4 أشهر، بدأت قصتي حين كنت مديراً تنفيذياً لشركة هندسية لمدة 16 عاماً وكمدير توجب علي توقيع العديد من العقود والشيكات وبعد إنهاء جزء من المشاريع لم تدفع لي الجهات الأخرى المبالغ المتفق عليها، وللأسف أثر هذا على التزام الشركة التي أعمل فيها مع الجهات الأخرى، وكمدير وكلت إلي كل المهام، وتم تحميلي المسؤولية لأدخل السجن عند تعثر الشركة.
وأضاف: تجربتي علمتني أن لا يفكر الأشخاص بمشاريع لا تتناسب مع إمكاناتهم، وعند تأسيس الشركات اعرف جيداً من هم شركاؤك ولا تتحمل المسؤولية بمفردك عند التوقيع ولا تهمل الاطلاع على القانون جيداً.
بسبب الشيكات
وذكر النزيل «ر.ن» أن معظم النزلاء الموقوفين معه بتهم مالية إما بسبب الشيكات أو بطاقة الائتمان، موضحاً أنه أودع كذلك في المؤسسة الإصلاحية بسبب الشيكات.
وأضاف: كنت مديراً لشركة تجارية ومن المتعارف عليه أن التعامل التجاري يفرض على صاحبه أن يكون له شيكات في السوق وأحياناً لمدة تختلف حسب الاتفاق قد تكون سنة أو سنتين وكنت أسددها بانتظام إلى أن مررت بفترات تعثرت فيها ولم أستطع السداد فدخلت السجن.
ويتابع: في تهمة الشيكات قد يدخل الشخص بشيك أو اثنين ويخرج بـ20 شيكاً، لأن الناس بمجرد أن يسمعوا أنك دخلت السجن يعتقدون أنك انتهيت وتنهال عليك الشكاوى.
وقال: أود أن أوصل رسالة لكل شخص خارج السجن، افهم القانون ولا تركز في مشروع حياتك على آخرين ليعدوا لك دراسة جدوى وحساب دخلك وربحك، بل اعمل على فهم القانون وقراءة العقود بإسهاب لتحمي نفسك.
إلغاء التجريم
وطالب المحامي علي الهاشمي بإلغاء حالات التجريم المتعلقة بالشيك بشكل كامل، إذ يمكن للمشرع التدرج في هذا القرار إلى تنفيذه مما يتيح للمتعاملين طرق دفع بديلة وغير مجرمة.
ودعا الهاشمي إلى ضرورة تدخل المشرع في عدم تجريم المدراء أو المحاسبين في الشركات ممن يقتضي عملهم فيها توقيع شيكات، موضحاً أنه في أوقات معينة يعد هذا من ضمن مهامهم ولا يستطع الموظف المدير أن يقول "لا" لرب العمل، مؤكداً أنه يفترض أن يتحمل الشركاء المسؤولية القانونية عن ما يقع فيه الشخص المفوض بالتوقيع إذا ما تسبب هذا له بضرر وإن كانت الشركة ذات مسؤولية محدودة لأن العلاقة بين المدير وأصحاب الشركة مختلفة يفترض تدخل المشرع ليتحمل الشركاء المسؤولية عن المديونيات والمسؤوليات التي تقع على المدير أو حتى المحاسب.
وذكر أنه وردت له حالتان مؤخراً الأولى لمدير شركة حبس بسبب مشاكل مالية مرت فيها الشركة، وتخلى الشركاء عن دورهم في دعم المدير وحكم عليه بالحبس، علما أن مهام عمله كانت تقتضي التوقيع على شيكات لإتمام أعمال الشركة وكان التوقيع بحسن نية كأداة ائتمان للطرف الآخر ووفاء للمبلغ علماً أن المدير على علم أن لدى الشركة أموال في السوق ولكن نتيجة تعثر في العمل لم يتم تحصيل المبالغ ولم يتم سداد مبلغ الشيك الذي وقعه.
وفي الحالة الثانية وقّع مدير شركة شيكاً لدفع فواتير مستحقة على الشركة وسافر، إلا أن شريكه في العمل صاحب الشركة استخدم الشيك في سداد مديونية أخرى وهو يعلم أنه لا يوجد مبلغ كافٍ في الحساب وهنا وقع الضرر على المدير في حين أن الشريك صاحب العمل لم تقع عليه أي مسؤولية لأن الشركة ذات مسؤولية محدودة وبالتالي هو لم يوقع الشيك ووقع الخطأ على المدير فقط.
وأضاف الهاشمي: في الشركات ذات المسؤولية المحدودة يستطع الشريك الاختباء خلف المدير أو المحاسب كي لا يتحمل المسؤولية جراء بعض الأعمال التجارية وربما تصل للسجن والمنع من السفر ويجب أن لا تعطى تلك الفرصة للشركاء في الشركات ذات المسؤولية المحدودة خاصة أن الشيك ليس وثيقة شخصية بل كان القصد منه إكمال أعمال الشركة في المعاملات الطبيعية.
جهل بطبيعة العمل
بدوره، قال المستشار القانوني حسن عبدالعال إن 90% من حالات دخول أصحاب المشاريع والمدرين التنفيذيين إلى المؤسسات الإصلاحية يعود إلى الجهل بطبيعة العمل وطرق حماية أنفسهم قانونياً.
وتوجه بنصيحة لأي شخص يعين كمدير بأن يقرأ المواد الخاصة في قانون التجارة لمعرفة طبيعة المهام الوظيفية وماذا يصح أن يقوم به وما لا يصح وأن يتمسك بمهامه، وإن أجبره أحد على التوقيع أو اتخاذ قرار فلا يرضخ، وأن يتوجه للجهات المختصة وأن لا يعتمد في تعامله على الثقة الشخصية كي لا يتورط ويجد نفسه في السجن.
وأضاف: يجب أن نفرق بين أنواع الشركات فمنها شركات الأشخاص وأخرى شركات الأموال، ووفق اختصاص الشركة واختصاص المدير داخل الشركة تتحدد المسؤوليات القانونية، وهذا يختلف من شركة لأخرى وفق ما حدد في عقد العمل والرخصة التجارية.
وعادة في شركات المسؤولية المحدودة يخول المدير بكل الإجراءات، وكونه أخفق في الإدارة فهو سيتحمل المسؤولية القانونية.
عقوبات مالية
وأكد المستشار القانوني أحمد عبدالشافي أنه في التعديلات الأخيرة على قانون الشيكات لاحظنا خطوات جبارة منها تغيير عقوبة الحبس الخاصة بالشيكات أقل من 200 ألف درهم، وهذا تطور وتعديل كبير، ولكننا نطالب بالمزيد من التعديلات القانونية في هذا الشأن، خاصة فيما يتعلق بمديري الشركات، أي ألا تنحصر مسؤولية الشيكات على المديرين فقط، لأنهم بحكم عملهم مضطرون للتوقيع على عقود واتفاقيات ويتعرضون للحبس في حال عدم التزام الشركة، ولذلك ننتظر التعديل الثاني الخاص بالشيكات بأن يتم إلغاء عقوبة الحبس بشكل كامل واستبدالها بعقوبات مالية لا تقع على الأفراد فقط بل على الشركة والشركاء، لأنه في بعض الحالات قد يكون لبعض الشركاء نية سيئة ويتعمدون عدم الوفاء بالتزاماتهم ويلقون بالمسؤولية القانونية سواء جنائية أو مدنية على موظف معين «المدير» وأحياناً بعض الشركاء في الشركات يتعمدون إحضار شخص عادي ويعين كمدير وتتم ترقيته ليتحمل المسؤولية عن الجميع في المشاكل المالية لاحقاً.
وفي حالة تعامل معها، قال: في قضية ترك المدير مهامه في الشركة التي كان يعمل فيها من شهور عديدة والتحق بعمل آخر وكان قد وقع على شيكات في عمله القديم باسمه وكان استحقاقها بعد سنة وبالرغم من تخليه عن مسؤوليته في الشركة القديمة إلا أنه بقي متحملاً المسؤولية وتعرض للحبس.
لا مكان للثقة
وقال المحامي محمد النجار إنه يتوجب على مديري الشركات عدم الاعتماد على الثقة فقط في التعامل بل على العقود التي توثق الحقوق، وأن لا يتم توقيع تاريخ سداد الشيك بناء على مبالغ متوقعة قادمة من متعاملين آخرين بل يجب دائماً توفير مبالغ في الحساب الخاص بالشركة يغطي النفقات.
وطالب بالتوجه لاستخدام «مدير للشيكات» لحجز المبالغ في التعاملات التجارية وضمان الحقوق، والتأكد من الحساب الصادر باسم الحساب وهل يتوفر فيه رصيد أم لا، وهل هو مغلق أم لا في ظل رصد العديد من الحالات لأشخاص غادروا الدولة وباعوا دفاتر الشيكات الخاصة بهم لآخرين لاستخدامها في عمليات احتيالية.
الشيكات المفتوحة
وناشد المحامي عبد الحميد البلوشي المشرع الإماراتي إلغاء الشق الجزائي وعقوبة الحبس في الشيكات التجارية خاصة في حالات توقيع المدراء على الشيكات في التعاملات التجارية طالما القصد من الشيك استكمال الأعمال وليس سوء النية، وهذا الأمر سيحمي المدير ويوفر له الفرصة في تسديد الالتزامات وسيحمل الشركاء حتى في الشركات ذات المسؤولية المحدودة.
وذكر البلوشي أن الشيكات المفتوحة في المعاملات التجارية باب من أبواب الاحتيال التي يمكن أن يستغلها البعض لغير صاحب الشيك وعليه يجب على أي شخص يصدر شيكاً أن يضمن توفر السيولة النقدية لديه في الحساب وأن يتأكد من كتابة التاريخ الصادر في الشيك والمبلغ بالحروف والأرقام والاحتفاظ بصورة من الشيك وأن يقوم بتعبئة جميع بيانات الشيك بخط واضح وبقلم صاحب دفتر الشيكات وعدم كتابة شيكات مفتوحة دون بيانات المستفيد أو قيمة المبلغ.
ملاحظات على ظهر الشيك
وبينت الخبيرة المصرفية عواطف عبدالرحيم الهرمودي أنه في بعض الحالات قد يلجأ الشخص لكتابة ملاحظة على ظهر الشيك مثلاً «بأن لا يصرف الشيك إلا في حال عدم وصول الشحنة» دون أن يعي بأن البنك لا يقرأ ما يكتب من ملاحظات خلف الشيك ولا تعنيه التفاصيل بل ما يأخذ بالحسبان موعد صرف الشيك فقط.
وأضافت: كمتعامل يجب عدم إصدار شيك في حال عدم توفر السيولة بناء على توقعات بوصول مبالغ مالية قد لا تصل لأي سبب بل يجب دائماً وضع وقت احتياطي لاستحقاق الشيك ومنح نفسي وقتاً للسداد، وفي حال توقيع الشيك يجب على محرره توفير السيولة لتغطية المبلغ لمدة 6 أشهر يحق فيها للمستفيد سحب المبلغ وليس بالضرورة أن يسحب المستفيد في ذات اليوم وبالتالي تقع على صاحب الشيك مسؤولية توفير السيولة وأن تكون متاحة للصرف للمستفيد في أي وقت ضمن المدة المحددة له وليس المناسبة لصاحب الشيك فقط، وأخيراً في حال تقديم شيك على ضمان وتنفيذ المعاملة يجب استرجاع الشيك ولا أتركه مع الطرف الآخر بل استرجاعه وإتلافه.