جاء ذلك خلال الكلمة الرئيسة التي ألقاها في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السابع، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات افتراضياً على مدى 3 أيام، ويتضمن 8 جلسات، بمشاركة أكثر من 20 خبيراً استراتيجياً وباحثاً وصانع سياسات من مختلف أنحاء العالم.
الشرق الأوسط
وحول الشؤون الإقليمية، قال قرقاش إن إيران وتركيا زادتا من استخدام التدخل الخارجي كأداة لتحقيق مشاريعهما التوسعية في المنطقة، ففيما يستمر تدفق الأسلحة الإيرانية إلى اليمن تستمر إيران بدعم الميليشيات لزعزعة الاستقرار في دول عربية مختلفة، وتقوم تركيا بدعم الجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا، وزيادة خطر استغلال الميليشيات المتطرفة والمرتزقة للفراغ الأمني الموجود في البلاد، مشدداً على أن دولة الإمارات لا يمكن أن تقبل السياسات الإيرانية والتركية المزعزعة للاستقرار، لكنها أيضاً لا تسعى إلى المواجهة، وأن الدولة تعمل دائماً مع أصدقائها وحلفائها لتشجيع الحوار البناء والدبلوماسية الإيجابية.
ولفت إلى أن الإمارات ملتزمة بالسعي لتحقيق الحل السلمي للأزمات، وأنها في اليمن ستواصل دعم التحالف العربي، وستسعى إلى وقف شامل لإطلاق النار يُمهِّد الطريق نحو حلٍّ سياسي دائم، وفي ليبيا رحبت الدولة باتفاق وقف إطلاق النار الدائم وإطلاق الحوار السياسي بين الفرقاء الليبيين، وهي تدعم جهود البعثة الأممية في ليبيا.
وأضاف أن دولة الإمارات تنظر بقلق شديد إلى أعمال العنف البشعة التي شهدتها بعض المدن الأوروبية مؤخراً، مؤكداً أن الحركات المتطرفة العابرة للحدود لا تمثل الإسلام بأي شكل من الأشكال، ودعا إلى ضرورة التمييز بين استخدام الإسلام كأداة سياسية وبين الإسلام كدين عالمي.
معاهدة السلام
وحول معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، قال قرقاش إن الاتفاق الإبراهيمي مع إسرائيل كان قراراً سيادياً وطنياً، ولم يكن موجهاً ضد أي دولة أخرى، قرار يعزز التسامح والانفتاح والرغبة في خَفْض الاستقطاب في المنطقة، وبُني على رغبة صادقة في تحقيق تحوُّل استراتيجي، ورؤية عملية، وتطلب الكثير من الشجاعة من قيادتنا لأن الحفاظ على الوضع الراهن لم يعد الخيار الأفضل.
وأضاف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أن معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية لا تُقلل بأي طريقة كانت من اهتمام الإمارات بالقضية الفلسطينية، ومِن دعمها للشعب الفلسطيني، وأن الإمارات ترى أنه لا بد من تحقيق السلام الشامل والعادل، لكنها تدرك أيضاً أن الفلسطينيين والإسرائيليين هم مَنْ يجب عليهم أن يقرروا صيغة هذا السلام، والإمارات مستعدة لدعم السلام بأي طريقة كانت.
وقال إن القيادة الإماراتية اتخذت الخطوات المناسبة في الوقت المناسب لمواجهة وباء كورونا، بحيث تضمن الحماية الصحية وفي الوقت نفسه تخفف من الآثار السلبية للجائحة على الاقتصاد، مضيفاً أن الإمارات شاركت بشكل فعال في الجهود الدولية بهذه الأزمة، وقدمت مساعدات طبية وعاجلة إلى 118 دولة أفادت أكثر من 1.5 مليون شخص من العاملين في الصف الأمامي لمواجهة الوباء، مؤكداً أن دولة الإمارات لم تنظر أبداً في الاعتبارات السياسية عند تقديم مساعداتها الإنسانية، ومن هذا المنطلق لم تتردد في مدّ العون إلى إيران عندما احتاجت إليها.
عام الـ50
وأوضح أن الدولة مع اقتراب الذكرى الـ50 لتأسيسها تواصل الابتكار وفتح آفاق جديدة والاستعداد للمستقبل، فأهم التطورات التكنولوجية والسياسية التي شهدناها عربياً خلال هذا العام جرت كلها في الإمارات، ابتداءً من إطلاق مسبار الأمل الإماراتي في رحلته إلى المريخ، ومروراً بكون الإمارات أول دولة عربية تبدأ بتشغيل محطة للطاقة النووية السلمية، ووصولاً إلى إبرام «اتفاق إبراهيم» مع إسرائيل.
وهنأ قرقاش الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن على فوزه بالانتخابات الأخيرة، مضيفاً أن الإمارات تتطلع إلى التعاون معه لتعميق العلاقات بين البلدين، وهي علاقة مبنية على الصداقة والمصالح والقيم المشتركة، وتتخطى الأحزاب والإدارات المختلفة، مضيفاً أن التفاعل مع الولايات المتحدة الأمريكية وقيادتها يظل أمراً لا غنى عنه في الشرق الأوسط، وأن الاتفاق الإبراهيمي للسلام يعكس إجماعاً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا على دعم هذا الاتفاق، الذي يسَّرت إدارة ترامب تحقيقه ودعمهُ أيضاً الرئيس المنتخب جو بايدن.
الانتخابات الأمريكية
بدورها، قالت رئيسة المركز الدكتورة ابتسام الكتبي، في الكلمة الافتتاحية بالملتقى، إن عام 2020 كشف النقابَ عن خطوط صدع وصدامات جديدة، وفي الوقت نفسه أماط اللثام عن إمكانات عالمية وإقليمية جديدة، مضيفةً أن جائحة «كوفيد-19»، وانتخابات الرئاسة الأمريكية، والتوقيع على معاهدة السلام الإماراتية- الإسرائيلية أدت إلى خلق ديناميات جديدة، سيكون لها الدور الحاسم في تحديد ملامح مستقبل النظامين العالمي والإقليمي.
وذكرت أن تراجع النظام العالمي أحادي القطبية أدى إلى عودة التنافس بين القوى الكبرى ضمن سياقات ومعطيات جديدة، في حين أن المؤسسات العالمية عانت من التردد في اتخاذ القرار، وانعدام الرؤية للصورة الكبرى.
وأضافت الكتبي أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة أكدت أن العالم لا يزال مرتبطاً بالتحولات داخل الولايات المتحدة، ولئن كشفت هذه الانتخابات عن حالة الاستقطاب الحاد والانقسامات الأيديولوجية والإثنية في المجتمع الأمريكي، فإن التحدي يبقى في قدرة القيادة الجديدة على تجديد «القوة» الأمريكية.
ولفتت النظر إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة مطالبة بأن تتعاطى مع الأمن الإقليمي وكل أزمات المنطقة المزمنة، برؤية تستوعب إشكالات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال آخر عقدين.
سياسة عقلانية
من جهة ثانية، أشارت رئيسة مركز الإمارات للسياسات إلى أن دولة الإمارات أدركت أن عليها أن تتخذ قراراً شجاعاً، مبنياً على عقلانية سياسية لتجاوز الجمود الذي تمر به كل صراعات المنطقة المزمنة، وعليه قررت تقديم نموذج جديد لإمكانية بناء جسور بين قوى المنطقة بمنظور جديد، فكانت معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل.
وأضافت أن اتفاقيات إبراهيم ومعاهدة السلام الإماراتية- الإسرائيلية، مثّلت أدلةً على أن المرونة والحيوية عنصران مهمان للاستجابة للتحديات، وأن التغلب على هذه التحديات وإيجاد حلول للصراعات المستحكمة في دول الشرق الأوسط، تتطلب رؤيةً إبداعية وشجاعةً سياسية وأخلاقية تعمل على بناء السلام والاستقرار والازدهار والأمل لشعوب المنطقة.