حذر مختصون في علاج وتأهيل مدمني المخدرات والتوعية بأخطارها، من انتشار «المخدرات المُخلقة» بين الأطفال من تلاميذ المدارس والتي تأخذ أشكالاً مختلفة أبرزها الحبوب رخيصة السعر التي لا تزيد قيمة الشريط الواحد منها على 10 دراهم إلا أن أضرارها تفوق المخدرات التقليدية بـ50 مرة، مشيرين إلى أن التجار والمروجين جعلوا من منصات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وسيلة وصول إلى الفئات المستهدفة من المراهقين والأطفال، بينما تدل الكميات المضبوطة على وجود تجارة عملاقة حول العالم لإنتاج وتهريب المخدرات وعلى وجود علماء وأطباء ومعامل متخصصة لتصنيعها.
وحددوا خلال ندوة «معاً نكافح المخدرات» التي نظمتها جمعية الاجتماعيين بالتعاون مع مركز إرادة للعلاج والتأهيل في دبي أمس الأول، أبرز الأعراض التي تظهر على طلبة المدارس عند تعاطيهم للمواد المخدرة في التأخر الدراسي وسيطرة سلوك التنمر على تصرفاتهم، بالإضافة إلى اعتداءات الطلبة على المعلمين.
مخدرات مُخلَّقة
وأشار الباحث والأكاديمي في تقنية المعلومات والجريمة الإلكترونية الدكتور عبيد صالح المختن، إلى أن تعاطي المواد المخدرة لم يعد مقتصراً على فئات البالغين والشباب بل وصل للأطفال من تلاميذ المدارس الذين أضحوا يتعاطون الحبوب المخدرة، بينما جعل التجار من الألعاب الإلكترونية وسيلة للوصول لهؤلاء الأطفال، وتدل الكميات المضبوطة على وجود تجارة عملاقة حول العالم لإنتاج وتهريب المخدرات وعلى وجود علماء وأطباء ومعامل متخصصة بتصنيعها، إذ انتشرت تقنيات الزراعة حتى في المنازل، ولم تعد تجارة وترويج المواد المخدرة مقتصرة على الدول القريبة من بلدان الإنتاج، بل انتشرت في دول بعيدة عنها نتيجة الانفلات الأمني الحادث فيها، أما بالنسبة لأنواعها فتعدت المركبات التقليدية مثل الحشيش والأفيون والهيروين لتظهر «مخدرات مُخلّقة» كالحبوب التي لا يزيد سعر الشريط الواحد منها على 10 دراهم، والتي على الرغم من انخفاض أسعارها إلا أن أضرارها تزيد بـ50 مرة على المخدرات التقليدية، وتسخرها بعض الدول كأداة حرب لتدمير المجتمعات وإغراقها بهذا النوع من المواد المخدرة لما لها من أضرار على كافة المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية تؤدي لتعطل الطاقة الإنتاجية المتمثلة في فقدان الشباب أو الأطفال لحياتهم بسبب التعاطي، فضلاً عن الطاقة المالية المهدرة في علاج المدمنين وتأهيلهم ودمجهم بالمجتمع، كما أن الجهود الأمنية المبذولة من إدارات المكافحة والفرق الأمنية لضبط التجار والمروجين للمخدرات وإحباط عمليات التهريب، تتطلب رصد ميزانيات مالية ضخمة.
ولفت إلى تسجيل 750 حالة وفاة حول العالم سنوياً بسبب تعاطي المخدرات ووفاة 166 شخصاً بسبب تعاطي جرعات زائدة منها، بينما يصاب 11 مليون شخص حول العالم كل عام بأمراض نقص المناعة والتهاب الكبد الفيروسي بسبب استخدام نفس الأدوات أو الحقن بين المدمنين أثناء التعاطي.
وأشار «وظف تجار المخدرات وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير عن بعد على الفئات المستهدفة من أجل الترويج لبضاعتهم، وتخصصت بعض المنصات الافتراضية في التعلم السلبي عبر نشر مقاطع فيديو لطرق تصنيع المواد المخدرة وزراعتها والمتاجرة فيها».
وسائل مزدوجة
وقال رئيس منظمة الأسرة العربية جمال البح: «أصبحت المخدرات تجارة رائجة لبعض الحكومات على مستوى العالم يقدر مردودها المادي بالمليارات ويستهدف القائمون عليها البلدان الغنية التي حباها الله بالثروات منها دول الخليج العربي، مستخدمين وسائل مزدوجة عبر ترويج المواد المخدرة في المدارس والجامعات والأندية الرياضية، مشيراً إلى أن الأسرة هي البوابة الأولى التي يمكنها التصدي لخطر المخدرات عبر الترابط والرقابة المستمرة على الأبناء».
وعن أسباب انجراف بعض طلبة المدارس لتعاطي المخدرات قال البح «يعتبر انفصال الوالدين من الأسباب الرئيسية التي تدفع الأبناء لهذا العالم، لا سيما في حال تم استخدامهم كأداة ضغط وتصفية حسابات بين الطرفين الأمر الذي يؤدي لإهمالهم، بالإضافة إلى أن العنف الواقع على الأبناء من الأسرة يدفعهم للهروب من الواقع فتتلقفهم أيدي المروجين»، لافتاً إلى أن الأسر التي يكون فيها الأب مسجوناً بسبب قضية ما فإن أبناءها أكثر عرضة للانتكاسة الأخلاقية وتعاطي المخدرات، لافتاً إلى أهمية تعاون الأسر التي تكتشف أن لديها ابن متعاطٍ مع الشرطة باعتبارها جهازاً مجتمعياً وثقافياً يسهم بشكل مباشر في توجيه الأسر بالطرق الصحيحة للأخذ بأيدي أبنائهم.
اختلاف ثقافات
وقالت المستشارة الأسرية عائشة البيرق: "نلاحظ أن المدارس بدأت تواجه خطر المخدرات خلال الفترة الماضية لأسباب عدة أهمها خلل بالمحيط الأسري ناتج عن غياب الوعي وفقدان الحوار بين الآباء وأبنائهم وعدم احتواء الوالدين لأطفالهم، ما أوجد أبناء بشخصيات ليس لديها أي مؤهل ثقافي لمواجهة العقبات والتحديات، وعند توجههم للمدرسة يلتقون بزملاء من بيئات وثقافات وعادات مختلفة، الأمر الذي سهل دخولهم عالم المخدرات لا سيما في حال توافر مساحة من الحرية والرغبة في التجربة وغياب الرقابة الأسرية، مشيرة إلى أن بعض الطلبة يتعاطون المخدرات باعتبارها عنصراً مساعداً على التركيز يزيد من استيعاب دروسهم بحسب ما يقنعهم به المروجون الذين يستغلون انخفاض مستوى وعيهم.
وحول أبرز العلامات التي تظهر على طلبة المدارس عند تعاطيهم للمواد المخدرة قالت البيرق: «تتمثل الأعراض بالتأخر الدراسي وسيطرة سلوك التنمر على تصرفاتهم، بالإضافة إلى اعتداءات الطلبة على المعلمين».
«وصمة عار»
وحدد مدير إدارة الأبحاث المجتمعية والتوعية والعلاقات العامة بمركز إرادة للعلاج والتأهيل بدبي عبدالله الأنصاري، التحديات التي تقف بطريق علاج المدمنين، في الأسر غير القادرة على التعامل مع ابنها في حال اكتشافها إدمانه للمواد المخدرة، نظراً لأن المواد التي يتعاطاها المدمنون اليوم أضحت ذات تركيبات كيميائية تؤدي لتدمير العقل بسرعة أكبر مقارنة بتأثير المخدرات المتداولة سابقاً، وعلى الرغم من توافر أفضل مراكز العلاج والتأهيل للمدمنين في الدولة والتي تقدم أفضل الخدمات والبرامج العلاجية، إلا أن غياب الوعي لدى معظم الأسر جعلها تخضع للمفاهيم الخاطئة مثل «وصمة العار» التي يعمل لها ولي أمر المدمن ألف حساب ويتستر خوفاً من الفضيحة أمام الأقارب والأصدقاء، ما يحرم ابنه من العلاج.
وأضاف: «ترفض معظم المؤسسات توظيف المتعافين من الإدمان على الرغم من أنهم يحملون شهادات علمية ويمتلكون خبرة مهنية، دون رجوعها لمراكز الاختصاص التي أنهوا برامج علاجهم وتأهيلهم فيها».