الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

ليوم آخر..

ليوم آخر..
مريم الشكيلية كاتبة - سلطنة عُمان

كيف لك أن تتخيل أنني الآن أسير في شوارع مهجورة وتحت سماء ملبدة بغيوم سوداء وبين الحين والآخر أسمع دوي سقوط الشجر.

حتى أصل إلى الضفة المجاورة وأعبر حدود وهمية بخوف أنثى آخذك معي وأتسلل إلى داخل كهوف الورق وأكتب إليك حتى أختبئ من هذا الضجيج وهذا الظلام المعتم.


الآن أنا في منتصف ورق ورعب أحاول فك أزرار حديث طويل معك وأحادثك بأبجدية الكلمات لا عبر ذبذبات هواتفنا الجامدة.. تعال نخترق صوت الرعد الممطر ونحشو آذاننا بمفردات رسائلنا.


وَصفتَني مرة بأنني أنثى الوقت الهاربة من الحياة وأنني أرتدي معاطف الكلمات حتى في حرائق حزيران و أركن الواقع في الزوايا الفارغة وأرتمي في شذرات الخيال.. لا يا سيدي كنت أنثى أتوق إلى ذاك الضوء الآتي من خلف الأحلام الملونة.. و أرتدي الفصول لا الأثواب وإنني أقيم كناسكة في صومعة الورق.

أنصت إلى الصوت الآتي من خلف "الشبابيك" ورأسي يطفو فوق سطح السطر أحاول أن أجعل أحرفي تصل إليك خالية من رائحة الصمت وشبح المدن المهجورة هل تتخيل مدى تعلقي بحرف كطوقُ نجاةٍ صغير؟ وأنا أَكتُبكَ هنا وكأننا عالقين بين الورق والرمق.

أحتاجُ إلى قواي الورقية الآن أكثر من أي شيء آخر حتى أطفئ بها أدخنة المداخن وأستبدلها بأبخرة القهوة ونحن نزاحم مقاهي الطرقات وعلى نوافذها دموع المطر لا دموع البشر.

أَتَذكرُ حين أخبرتك عن البحيرات المجمدة والأزهار التي تتفتح ببطئ وعن زفرات الحياة الناعسة في رسالتي إليك من نافذة القطار؟ الآن يا سيدي لم تعد الحياة تتنفس إلا تحت الورق ليوم آخر.

وصلتُ بعد خريف سطر ورأيت زحام من الوجوه المنتظرة .. أخرج الآن من أبواب الورق لعبور سطر آخر ويوم آخر وألتقيك في الجانب الآخر.