اتفق مختصون في قطاع الفن والإبداع على أن زيادة حجم الاستثمارات في الصناعات الثقافية بما فيها جمع وبيع المقتنيات والتحف الفنية يعزز من النمو المستدام للاقتصاد الإبداعي بما يزيد من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
وأكدوا أنه بالرغم من أن سوق المقتنيات الفنية لم يصل إلى مرحلة النضج الكاملة، إلا أن المبادرات والاستراتيجيات الطموحة التي يتم التخطيط لها في الإمارات تعزز من التوسع في ذلك المجال الإبداعي، خاصة أن عائدات الاستثمار من جمع وبيع المقتنيات والتحف الفنية يتراوح بين 20 إلى ما يزيد على 100%، وخاصة في ظل العصر الرقمي، الذي يتيح عملية الاقتناء والبيع إلكترونياً.
وتشير إحصائيات الواردات والصادرات غير النفطية عبر المنافذ الجمركية لإمارة أبوظبي والصادرة عن الإدارة العامة للجمارك في دائرة المالية خلال العام الماضي «2020»، إلى أن إجمالي الواردات بلغ 102.5 مليار درهم من بينها 6.7 مليار درهم للتحف الفنية والقطع الأثرية بما يشكل 6% من إجمالي الواردات.
ويرى البعض أن الاستثمار في جمع وبيع المقتنيات الفنية يندرج ضمن الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية، فيما تشير إحصائية صادرة عن هيئة دبي للثقافة خلال يونيو الماضي «2021» عن ارتفاع إسهام الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي لدبي من 2.6% في 2018 إلى 2.7% في 2019، علماً أن استراتيجية الاقتصاد الإبداعي لـ دبي ترتكز على مضاعفة مساهمة الصناعات الإبداعية في الناتج المحلي بنسبة 5% بحلول 2025، ومضاعفة عدد المبدعين ليصلوا إلى 140 ألف مبدع في الفترة المقبلة.
ومن جانب آخر، كشف تقرير عالمي صادر في نهاية 2014 عن شركة «نايت فرانك» وشركة «دوغلاس إليمان» عن أن العائد على الاستثمار في التحف الفنية بلغ 5%، كما حققت عائدات بنسبة 17% مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها ونسبة 226% مقارنة بـ العشر سنوات التي سبقتها.
وتؤدي المعارض والمتاحف دوراً بارزاً في تشجيع ثقافة اقتناء الأعمال الفني، كما تشهد تزايداً في أعداد الزوار والجهات المشاركة سنوياً، فيما تشير إنجازات دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي إلى ارتفاع أعداد الزوار للمتاحف الفنية والمناطق الثقافية والأثرية المحلية بنسبة 27% بين عامي 2018 و2019.
وبلغ أعداد الزوار في عام 2019 نحو 2.12 مليون زائر لـ6 مناطق ثقافية وتراثية وفنية بأبوظبي، تضمنت كلاً من متحف اللوفر ومنارة السعديات والمجمع الثقافي وقصر الحصن ومتحف قصر العين وواحة العين، علماً أن الدائرة تتولى إدارة ورعاية أكثر من 40 ألف عمل وقطعة فنية ضمن مقتنياتها المنتشرة في مختلف المواقع الثقافية، كما تعمل على رقمنتها.
وأبانت إحصائيات الدائرة أن أعداد زوار معرض فن أبوظبي بلغ ما يقارب 10 آلاف زائر خلال النسخة الواقعية للمعرض بعام 2019، بينما بلغ أعداد زوار النسخة الافتراضية للمعرض في عام 2020 خلال جائحة كوفيد-19 نحو 20 ألف زائر من مختلف أنحاء العالم.
من جهتها، استطلعت «الرؤية» آراء خبراء ومسؤولين عن صالات العرض المحلية وهواة جمع الاقتناء، حول مدى أهمية الاستثمار في المجال الفني والإبداعي.
120 ألف درهم قيمة مقتنيات فنية
وأشارت عائشة العبار، مؤسسة غاليري «عائشة العبار» في الإمارات إلى أن السنوات الـ15 عاماً الماضية شهدت ارتفاعاً في الوعي بشأن الاستثمار في المقتنيات الفنية على المستوى المحلي، ما دفع الكثيرين من المستثمرين وهواة الاقتناء إلى الدخول إلى ذلك القطاع بقوة، منوهة إلى أنه تم تأسيس غاليري «عائشة العبار» في عام 2018، فيما يطرح أعمالاً فنية تتراوح قيمتها بين 8 و120 ألف درهم، كما حرصت صالة العرض ضمن مشاركتها في الدورة الأخيرة من معرض فن أبوظبي إلى تسليط الضوء على أعمال الفنانة الإماراتية منى الخاجة، وتم عرض بعض من تلك الأعمال مقابل ما يزيد على 100 ألف درهم.
ولفتت رئيسة معرض «فن أبوظبي» العنود الحمادي إلى أن المعارض الفنية تسهل على هواة الاقتناء عملية البحث وتتيح لهم فرصاً سريعة للحصول على اللوحات والتحف الفريدة والقطع الفنية النادرة، علماً أن تزايد أعداد الزوار ودور العرض المشاركة في معرض فن أبوظبي سنوياً يعد مؤشراً على زيادة الثقة في المعرض العالمي والرغبة في بيع واقتناء الأعمال والتحف الفنية، سواءً بهدف الاستثمار أو للامتلاك الشخصي، مشيرة إلى أن النسخة الـ13 من المعرض شهدت عرض أكثر من 600 عمل فني فريد من نوعه، وشارك في الحدث ولأول مرة 14 صالة عرض جديدة من مختلف أنحاء العالم.
أرباح بالأضعاف
وأشار المختص في جمع وبيع العملات والمقتنيات والتذكارات الفنية والأدبية، محمد الجنيبي، والذي استطاع أن يجمع أكثر من 5 آلاف قطعة نادرة خلال 12 عاماً، إلى أنه سيعلن خلال الأيام المقبلة عن مشروع ضخم في مجال اقتناء وبيع المقتنيات الفنية، لافتاً إلى أن صفقات التحف الفنية تحقق أرباحاً طائلة تصل إلى ضعف سعر القطعة الأصلي وتتراوح بين 20 وما يزيد على 100% وخاصة في ظل التطور التكنولوجي والتقني، مؤكداً أن الرابح الأكبر في تلك العملية الاستثمارية هو «المنسق» أو دار المزادات أو المنصات المختصة في شراء وبيع تلك الأعمال، منوهاً إلى أن بعضاً من هواة جمع المقتنيات يتجهون إلى إنشاء متحف عام أو خاص في منازلهم لتحقيق ربح إضافي والترويج لمقتنياتهم.
من جهة أخرى، قالت مديرة «اتحاد آرت غاليري»، تقوى صبري «نحرص على المشاركة في المعارض المحلية لتسليط الضوء على المقتنيات والأعمال الإبداعية الفريدة وتعزيز الاستثمار في القطاع الفني، علماً أن مبيعات بعض اللوحات تصل إلى أكثر من مليون درهم، كما يتوجه الكثير من المهتمين بالاستثمار في القطاع إلى اقتناء الأعمال الفنية من خلال المعارض الفنية تحديداً، علماً أننا نمزج بين تقديم أعمال فنية محلية وعالمية، فيما تشكل نسبة الراغبين في اقتناء الأعمال الفنية نحو 40% من الإمارات و60% من الزوار من مختلف أنحاء العالم».
توصيات لتعزيز الاستثمار الفني
أوصى خبراء بالحذر عند الاستثمار في ذلك القطاع، مؤكدين أن الاستثمار في مجال جمع المقتنيات الفنية يتطلب خبرة وذكاءً معرفياً واطلاعاً على متطلبات واحتياجات السوق المحلي والعالمي، داعين إلى اقتناء القطع الفنية والإبداعية النادرة التي يمكن أن تحمل طلباً وقيمة مضاعفة مع مرور الوقت.
وحددوا 4 توصيات لتعزيز النمو في ذلك القطاع، أولها إجراء مزيد من الدراسات والإحصائيات من الجهات المعنية لتسليط الضوء على مدى النمو في ذلك القطاع سنوياً، وثانياً إنشاء سوق شعبي للمزايدات شبيه بسوقي المباركية في الكويت أو الأوزبكية في مصر واللذين يعدان قبلة لعشاق جمع وبيع المقتنيات الفنية والأدبية القيمة والنادرة.
وتضمنت التوصيات، أن يتم إنشاء مركز ترميم ولتأهيل القطع والتحف الفنية والحفاظ عليها من عوامل الزمن، فضلاً عن إنشاء مركز «وصاية» يتولى عملية حصر المقتنيات لهواة جمع المقتنيات وتقييمها وإدارتها في حالة الوفاة بحسب «الوصية».
«المزادات الفنية»
تشكل دور المزادات المتواجدة في الدولة دوراً بارزاً في دعم حركة الاستثمار في المقتنيات الفنية، وتحرص «الإمارات للمزادات» على عقد أكثر من 200 مزاد علني وإلكتروني في العام الواحد، بينما تنظم دار كريستيز نحو 350 مزاداً فنياً سنوياً على المستوى الدولي، علماً أن حصيلة مزاداتها العالمية بلغت نحو 7.4 مليار دولار خلال 2015.
وتحرص دار سوذبيز في دبي على عقد مزادين ضخمين سنوياً لبيع قطع الفن الحديث والمعاصر، وفي 2019، نظمت دار سوذبير مزاداً بمجموعة نادرة من اللوحات التي تعود إلى الفن الحديث والمعاصر، وكذلك الفن الهندي، والاستشراقي والمخطوطات الإسلامية، إلى جانب المجوهرات القيمة وذات الأحجار النادرة.
ومن بين الأعمال الفنية التي عرضتها الدار في أحد المزادات لوحة لـ الفنان محمود سعيد بعنوان «بعد المطر» لعام 1936، وتراوح سعرها التقديري بين 366 ألفاً و488 ألف دولار، كما قدمت الدار إحدى اللوحات الأغلى ثمناً والأكثر ندرة بعنوان «لاعبا الشطرنج» للفنان لودفيغ دوتيش، والتي تراوحت قيمتها التقديرية بين 500 و740 ألف دولار.
وفي مارس الماضي، شهدت الإمارات بيع أكبر لوحة فنية على القماش في العالم بعنوان «رحلة الإنسانية»، بحجم 4 ملاعب للرابطة الوطنية لكرة السلة وذلك في مزاد خيري بمنتجع أتلانتس النخلة بدبي مقابل نحو 228 مليون درهم، ما يجعلها من بين أغلى الأعمال الفنية على الإطلاق.
شراء حصص في المقتنيات النادرة والفخمة
كشف تقرير نشرته إحدى المنصات الرقمية العالمية حول بدائل استثمار الأموال بعيداً عن أسواق الأسهم، عن توجه بعض المستثمرين والشركات الناشئة إلى شراء حصص صغيرة وملكية جزئية في لوحات فنية ومقتنيات نادرة وفخمة مقابل ما يتراوح بين 10 و20 دولاراً وخاصة خلال جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى بيع بعض الأعمال الفنية في ساعات قليلة من بينها قطعة فنية بلغت قيمتها 1.51 مليون دولار، كما تمكنت إحدى الشركات من بيع 15 عملاً فنياً مقابل 31.8 مليون دولار في أقل من عام.
ومن بين تلك المنصات العالمية التي تتيح ذلك، منصة «MyRacehorse»، ومنصة «روبين هوود ماركيتس»، ومنصة «Acquicent» و«أوتيس»، ومنصة شركة «Masterworks» التي تتيح التملك الجزئي في الأصول الفاخرة من الفنون الجميلة والمقتنيات الفاخرة والسيارات الكلاسيكية وكذلك الأحصنة المشاركة في سباقات الخيول مثل المهر «أوثينتك»، الفائز بسباق «كنتاكي ديربي»، علماً أن الشركة تمكنت من جذب 10 آلاف مستخدم جديد شهرياً خلال جائحة كوفيد-19.
وتفرض بعض الشركات رسوماً إدارية سنوية على المبيعات بقيمة 1.5% وتحصل على 20% من الأرباح عند بيع القطع الفنية في النهاية.