نظمت ندوة الثقافة والعلوم أمسية شعرية بمناسبة المولد النبوي الشريف ألقى فيها المستشار إبراهيم بوملحة مستشار صاحب السمو حاكم دبي للشؤون الثقافية والإنسانية، رئيس اللجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم قصيدة بعنوان «البردة».
حضر الأمسية علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة الندوة د. صلاح القاسم المدير الإداري للندوة ود. رفيعة غباش ود. سعيد حارب، ود. سليمان موسى الجاسم، ود. أحمد الهاشمي ود. محمد عبدالرحيم سلطان العلماء ونخبة من المهتمين.
وقدم علي عبيد الهاملي الأمسية ذاكراً أنها أول نشاط حضوري وتفاعلي بعد الجائحة والتي ستتعافى منها الدولة إن شاء الله قريباً، وأضاف أنه في مولد سيد الأنام ليس هناك بعد القرآن الكريم أجمل من الشعر وخصوصاً إذا كان في مدح رسول الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأكد الهاملي أن الشعراء تسابقوا في القصيد، فأضافوا إلى أغراض الشعر العربي غرضاً جديداً له خصوصيته، وهو مديح الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهم قصائد مدح النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة «البردة» لكعب بن زهير بن أبي سلمى في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي ومطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها يفكر مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
حتى يصل إلى البيت الذي يطلب فيه من النبي الكريم الصفح بقوله:
أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
وأشار الهاملي إلى قصيدة نهج البردة وهي أشهر القصائد في مدح النبي محمد (صل الله عليه وسلم)، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الـ11 الميلادي والتي قال فيها:
أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دماً جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق في الظلماء من إضم
وانتهاءً بقصيدة أمير لشعراء أحمد شوقي بين القرنين الـ19 والـ20 الميلاديين بعنوان نهج البردة ومطلعها:
عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ
بالإضافة إلى قصيدة أحمد شوقي في مدح الرسول بعنوان ولد الهدي وقال فيها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء
ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
وعلى هذا النهج ينحو شاعر أمسية اليوم سعادة المستشار إبراهيم بوملحة من قصيد في حب الرسول.
وأوضح المستشار إبراهيم بوملحة أن الإنسان يتضاءل حين يسمح لنفسه أن يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عظماء البشر على الإطلاق، بل أعظم خلق الله أجمعين، ويبلغ ذلك التضاؤل غايته ومنتهاه حين يتجرأ لأن يصوغ حديثه شعراً بين كثير من رواد الشعر وأمرائه كصاحب البردة الأصلية كعب بن زهير التي ألقاها أمام حضرة المصطفى فأعجب بها وخلع عليه بردته المباركة والشاعر البوصيري الذي تغنت الدنيا ببردته والشاعر أمير الشعراء أحمد شوقي صاحب البردة ذات القدر والجاه والمنزلة.
وأضاف: ماذا عساني أن أكون بين أفراد هذه الكوكبة المتميزة من الشعراء المحبين والمجيدين وغيرهم من جموع الشعراء الذين اقتفوا آثارهم وقلدوهم وأبدعوا في ذلك أي إبداع، ولكنني سأسمح بأن أفتح لنفسي كوةً في هذا المجال ابتغاء الأجر والمثوبة:
يَا رَبِّ صَلِّ عَلى النَّبيِّ وَآلِهِ
مَا هَلَّ غَيْثٌ في الرُّبوعِ وَأَمْطَرا
أو مَا زَكى زَرْعُ المحَبَّةِ يانِعاً
أَو ما تَفتَّحَ في الرَّبيعِ وَأَزْهَرا
أو مَا أَضاءَ الْبدْرُ آفاقَ السَّما
أَو عَمَّ نورُ الشَّمْسِ في دُنْيا الْوَرى
تَغْشاكَ يا خَيْرَ الأنامِ جَمِيعِهِمْ
يا خَيْرَ مَنْ صَلَّى وصامَ وأَفْطَرا
أنْتَ الَّذي جَعَلَ الحياةَ نَفَائِساً
مِنْهَا يَفُوحُ الْمِسْكُ عِطْراً أذْفَرا
قَدْ جِئْتَنا بالْـحَـقِّ أَبْلَجَ ناصِعاً
مُتَلَأْلِئاً كالْفجْرِ هَلَّ وأسْفَرا
ومَـحَـجَّةً بَيْضاءَ تَلْفِتُ أَعْيُناً
لِلنُّورِ لِلْهَدْيِ المُبِينِ بِذا السُّرى
اللَّيْلُ فِيها كَالصَّباحِ ضِياؤُهُ
لَا لَبْسَ فِيهَا لِلْبَصيرِ إِذا دَرى
غَرَّاءَ تَسْبِي مِنْ نَصاعَةِ لَوْنِها
كالْوَرْدِ أَنْفَحَ في رُباهُ وأعْطَرا
تَحْدو رِكابَ الدِّينِ فِيها رَحْمَةٌ
عَمَّتْ وسالَتْ كالْـمَعينِ إِذا جَرَى
يُعْطَى الشَّفاعَةَ إِنْ تَعَذَّرَ مِثْلُها
يَهَبُ الْخَلائِقَ مِن شَفاعَتِهِ قِرَى
في يَوْمِ لَا يُعْطى لِغَيْرِكَ مِثْلَما
أُعْطِيتَهُ مِنْ شافِعٍ بَلَغَ الذُّرى
يَا ابْنَ الْـمَكارِمِ مَن بِهِ اكْتَملَ الْهُدى
يَسْقي الْبَرِيَّةَ مِن يَدَيْهِ الْكَوْثَرا
مَهْما أقولُ فأنتَ فَوْقَ الْقَوْلِ ما
قَدْ قُلْتُهُ أَوْ ما أقولُ مُحَبَّرا
طَهَ الَّذي قَدْ شَعْشَعَتْ أنْوَارُهُ
كالشَّمْسِ كالْقمَرِ الْبَهِيِّ وَأنْوَرا
مَا الشَّمْسُ مَا الْقَمَرُ الْـمُنيِرُ إزاءَهُ
إلَّا كمِصْباحٍ ذَوَى وتَغَبَّرا
عَمَّ الْوَرى نُوراً تَسامى في الْـمَدى
في يَوْمِ مَوْلِدِهِ الشَّريفِ وأَزْهَرا
وَانْشَقَّ بَدْرٌ في تَمامِ كَمالِهِ
أعظِمْ بِربَّكَ قادِراً ومَقَدِّرا
حتَّى رآهُ النَّاسُ مِلْءَ عُيونِهِمْ
في مَكَّةٍ في الشَّامِ في كُلِّ الْقُرَى
فَرَحاً بِمَوْلِدِهِ الْكَريمِ وَآيَةً
كُبْرى لأفْضَلِ مَن مَشى فَوْقَ الثَّرى
يَا سَيِّدي يا إبْنَ آمِنةَ الَّتي
وَلَدَتْكَ أطْيَبَ مَا تَكونُ وعَنْبَرا
نَفحَ الَملا مِنْ طِيبِهِ وخِصالِهِ
فَغَدا بِهِ الْكَوْنُ الفَسيحُ مُعَطَّرا
وَلَدَتْهُ مَـخْتُوناً وَمَكْحُولاً بِهِ
آيٌ مُبَارَكُ مِن لَدُن مَن بَشَّرا
وَلَدَتْهُ مِثْلَ الْبدْرِ أوْضَحَ ما بِهِ
نُورُ الْـحَقِيقةِ إِذْ أطَلَّ وأَسْفَرا
وَتَناقَلَ الرُّكْبانُ موْلِدَهُ الَّذي
عَمَّ الْبلَادَ بَوادِياً وحوَاضِرا
في يَوْمِ مَوْلِدِهِ الشَّريفِ تسَاقَطتْ
شُرُفاتُ إِيوانٍ هَوى وَتَكسَّرا
غَاضَتْ بُحَيْرَتُهُ وَجَفَّ حِيَاضُها
وغَدتْ يَباباً يابِساً مُتَحَجِّرا
كَرَماً لأحْمَدَ إنَّهُ في ذا الدُّنا
أزْكى الورَى نَسباً وَذاتاً أطْهَرا
حَتَّى الحِجارَةُ إِنْ دَنا قَالتْ لَهُ
مِنِّي السَّلامُ عَلَيْكَ يَا فَخْرَ الْوَرى
وَانْسابَ سَيْلُ الْخَيْرِ يَطْفَحُ بِالمُنى
في كُلِّ نَاحِيَةٍ غَدا مُتَحَدِّرا
فَازَتْ حَلِيمَةُ بِالغِنى مِن يَوْمِها
إِذْ قَدْ تَبَدَّلَتِ الْيتيمَ بِذا الثَّرا
فَانْجابَ عَنْها مَـحلُّ كُلِّ ثَنِيَّةٍ
إِذْ قَدْ كساهَا الْقَطْرُ ثَوْباً أخْضَرا
وَتَنَزَّلَ الْـمَنُّ الْكَريمُ بِأَرْضِها
حَتَّى غَدَتْ فَيْحاءَ تَسْبِي النَّاظِرا
سَمِنَتْ مَوَاشِيها وَفاضَ لِبانُها
كَرَماً لِطِفْلٍ ساقَهُ رَبُّ الْبَرا
كُسِيَتْ ثِيابَ الْـخَيْرِ أَسْبَلَ حُلَّةٍ
تَخْتالُ فِيها عِزَّةً وَتَبَخْتُرا
أزِفَ الْفِراقُ وَعادَ يَحْضُنُ أُمَّهُ
تِلْكَ الَّتِي وَلَدَتْهُ طِيباً أذْفَرا
وَحَلِيمَةٌ في حُزْنِ دَهْرٍ مُطْبِقٍ
أنَّى لَها السِّلْوانُ فِيما قَدْ جَرى?
تَهْفو لَهُ وَالْقَلْبُ يَسْبِقُ وَجْدَهُ
شَوْقاً بِأَعْماقِ الْفؤادِ تَجَذّرا
فَانْسَابَتِ الدَّمَعاتُ مِنْها تَشْتَكي
وَلَهَ السّنِينَ وَزَفْرَةً لَن تُقْهرا
لمـا خَطى عَهْدَ الشَّبابِ وَصارَ في
سِنِّ الرُّجولَةِ إِذْ بِجِبْرِيلُ انْبَرا
وَتَلَا لَهُ الْقُرْآنُ غَضّاً لَيِّناً
مِن عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأخْبَرا
مِنْ أنّهُ الْـمَبْعوثُ خَيْرُ وَسيلَةٍ
يَهْدِيهِمُ الْـحَقَّ الْـمُبينَ النَّيِّرا
عَادُوهُ شرَّ عَداوَةٍ وَتَعاضَدوا
ضِدَّ الْأَمِينِ تَعَصُّباً وَتَكَبُّرا
أضْحى لَهُ الأَهْلُونَ سَدّاً مَانِعاً
كَانُوا السُّيوفَ الُمشْرَعاتِ بَواتِرا
يَحْمُونَهُ مِن كَيْدِ أعْدَاءٍ غدَوْا
مِن قَوْمِهِ الطَّاغينَ ظُلْماً مُفْتَرى
قَاسَى الشدَائدَ صَعْبَةً مِن بَعْدِهِمْ
وَتَحَمَّلَ الْكَيْدَ اللَّئِيمَ الْـماكِرا
قَدْ ذَاقَ مِنْهُمْ شِدَّةً وَقَسَاوَةً
وَأَذىً وَحِقْداً شَائِناً وَتَجَبُّرا
عَانَى العداوةَ وَالْـمَرارةَ مِنْهُمُ
سَلُّوا سُيوفَ الْغَدْرِ حِقْداً مُشَهْرا
نَصَبوا لَهُ كَيْدَ الْعدَاوَةِ جَمْرَةً
تُصْليهِ في جَنْبَيْهِ وَقْداً أحْمَرا
آذُوهُ ثُمَّ تَتَبَّعوا أَصْحَابَهُ
يَصْلَوْنَهُمْ شَرّاً وَظُلْماً جائِرا
كَمْ صَوَّبوا مِنْ حِقْدِهِمْ وَسِهامِهِمْ
لَكِنَّهُمْ خَابوا وَعادوا القَهْقَرى
كَمْ قَدْ أَذَاقُوا الُمسْلِمِينَ شُرُورَهُمْ
مُتَنَمِّرِينَ كَأَنَّهُمْ أسْدُ الشَّرَى
لَكِنَّهُمْ في الصَّبْرِ كانوا آيَةً
عُظْمَى يَتِيهُ بِهَا الْعِبادُ وَمَفْخَرا
يَا أيُّها الُمسْرى بِهِ لَيْلاً إلى
أَرْضٍ أُعِدَّتْ لِلْخَلائِقِ مَحْشَرا
صَلَّى بِرُسْلِ اللهِ فِيها قُدْوَةً
لِلْعَالَمِينَ وَلِلْوُجودِ وَما ذَرا
صَلُّوا جَمِيعاً خَلْفَهُ في مَحْفَلٍ
مِنْهُ يَكادُ الْقَلْبُ أَن يَتَفطَّرا
شَوْقاً لَهُ وَالْعَيْنُ تَذْرِفُ دَمْعَها
مِنْ فَرْحَةٍ وَالزَّهْرُ يَنْفَحُ عاطِرا
وَالرُّسْلُ والْـمَلَأُ المَلائِكُ كُلُّهُمْ
مِن دُونِهِ في كُلِّ مَا قَدْ أُوْثِرا
يَعْلُو عَلَيْهِمْ صاعِداً نَحْوَ السَّما
لِمـقَامِ عِزٍّ جَلَّ أَن يُتَصَوَّرا
إخْتَارَهُ الْـمَوْلى الْعَلِيُّ كَرَامَةً
فَأرَاهُ مِنْ مَلَكُوتِهِ مَا لَا يُرَى
إِلَّا لِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ حُظْوَةٌ
يَحْظَى بِها كَرَماً وَحُبّاً غَامِرا
جُزْ يَا نَبيُّ فَأنْتَ في مَلَكوتِ مَنْ
خَلَقَ الوجودَ وَكُلَّ أَمْرٍ قَدِّرا
وَغُمِرْتَ بِالنُّورِ الْـمُبِينِ هديّةً
لَيْسَتْ لِغَيْرِكَ سَابِقاً وَمُؤَخَّرا
أُعْطِيتَ مَا لَمْ يُعْطَ غَيْرُكَ مَوْقِفاً
قَدْ خَصَّكَ الْـمَوْلَى بِهِ فَوْقَ الذُّرَى
مَاذَا أَقُولُ فَتِلْكَ خَيْرُ شَهادةٍ
مِنْ أنّكَ الْـمُخْتارُ مِن بَيْنَ الْوَرى
لَكنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوكَ سَفاهَةً
وَجَهالَةً وَحَقارَةً وَتَكَبُّرا
سَدُّوا بِوَجْهِكَ كُلَّ بَابٍ لِلْهُدى
وَتَجَبَّروا بَغْياً وَكَانُوا الْأخْسَرا
يَنْوُونَ قَتْلَكَ مِنْ فَتِيِّ شَبابِهِمْ
في ضَرْبَةٍ تُرْضِي العدوَّ الغادِرا
ظَلُّوا نِيَاماً حَوْلَ بَيْتِكَ لَيْلَةً
حَتَّى شُروقِ الصُّبْحِ عَنْهُمْ أَخْبَرا
ثُمَّ انْسَلَلْتَ وَحَالُهُمْ يُرْثَى لَها
إِذْ قَدْ حَثَوْتَ عَلَى رُؤوسِهِمُ الثَّرَى
وَخَرَجْتَ بَيْنَ صُفوفِهِمْ في حِفْظِ مَنْ
بَرَأ الْـخلَائِقَ في الْوُجُودِ وَقَدَّرا
فَاضْطرَّ يَهْجُرُهُمْ وَيَبْعُدُ عَنْهُمُ
تَرَكَ الدِّيارَ إِلَى الْـمَدينةِ مُجْبَرا
وَاخْتَارَ صَاحِبَهُ لِـهِجْرَتِهِ الَّتي
تُرْدِي بِسَطْوَتِها الْقَوِيَّ الماهِرا
وَاخْتَارَ في وَسَطِ الطَّرِيقِ مَغارَةً
أَضْحَى بِها التَّارِيخُ يَنْفَحُ عَنْبَرا
وَافَى الْـمَدِينَةَ مِنْ ثَنِيَّاتٍ غَدَتْ
أُنْشُودَةً لِلْحُبِّ تَحْدُو الْأَعْصُرا
غَنَّتْ بِها قَيْناتُ يَثْرِبَ في الضُّحَى
يَصْدَحْنَ بِالصَّوْتِ الْـجَمِيلِ مُعَبِّرا
يَسْرِي بِآفَاقِ الْـمَدِينةِ رَائِعاً
فَيُحيلُهُ نَغَماً نَدِيّاً آسِرا
يَضْرِبْنَ بِالدَّفِّ الْبَدِيعِ سَماعُهُ
فَيُثِرْنَ شَوْقاً في الْفُؤادِ مُسَعَّرا
يَهْتِفْنَ بِالْبَدْرِ الْـمُنيرِ طُلوعُهُ
شَرُفوا بِمَقْدِمِهِ وَأَضْحَوْا مَفْخَرا
وَالشُّكْرُ أَوْجَبَهُ دُخولُ مُحمَّدٍ
حَرَمَ الْـمَدِينةِ ظافِراً وَمُظَفَّرا
وَالنَّاسُ يَزْدَحِمونَ حَوْلَ نَبِيِّهِمْ
وَيَرَوْنَهُ الْـحَدَثَ الْعَظِيمَ الْأَكْبَرا
بُورِكْتَ مِنْ حَدَثٍ تَوَسَّدَ ذِكْرُهُ
نَبْضَ الْقُلُوبِ مَحبَّةً وَمشَاعِرا
بَدأَتْ بِهِ بُشْرى السَّلامِ تَفُوحُ مِنْ
جَنَبَاتِ يَثْرِبَ كَالْعَبِيرِ إذَا سَرى
نَزَلَ النَّبيُّ مُكرَّماً في دارَةٍ
صَارَتْ بِدُنْيا النَّاسِ ذِكْراً عاطِرا
جَاءَ الْـمَدِينةَ هَادِياً يَدْعو إِلى
تَوْحِيدِ رَبِّ الْعالَمِينَ مُبَشِّرا
فَأَجَابَهُ خَلْقٌ كَرِيمٌ مِنْهُمُ
كَانُوا لِدَعْوتِهِ الْبَيانَ النَّيِّرا
حَمَوُا الرَّسولَ وَحُقَّ أَنْ يَحْموهُ مَـــ
مَّنْ كَذَّبوهُ تَعَنُّتاً وَتَجَبُّرا
كَانُوا لَهُ حِصْناً مَنيعاً جابَهوا
فِيهِ الْـمَصاعِبَ وَالْـخُطوبَ الْأَخْطَرا
بَذَلُوا لَهُ أَمْوَالهُمْ وَدِماءَهُمْ
وَغَدَوْا بِهِ في حَالَةٍ لَنْ تُقْهَرا
نَشَرَ الرِّسالَةَ سَمْحَةً فِيها الْـهُدى
تَشْدُو السَّلامَ مَشاعِراً وَشَعائِرا
يَبْنِي حَضَارَةَ أُمَّةِ الدِّينِ الَّتي
تَغْدُو بِهِ في الْكَوْنِ دَوْحاً أَخْضَرا
يَا سَيِّدَ الثَّقلَيْنِ يَا نَبْعَ التُّقى
يَا طَيِّباً مِنْ طِيبِهِ طابَ الْوَرى
أرْسَى قَواعِدَ لِلسَّلامِ تُبِينُ عَنْ
فِكْرٍ بَقى في الْعَالَمِينَ مُنَوَّرا
مَدَّ الْأَيادِيَ لِلتَّعاوُنِ صَادِقاً
فَبَنَى مَنَاقِبَ تَسِتَطِيلُ إِلَى الذُّرى
كَانَتْ لَهُ (إِقْرَأْ) بِدَايَتهُ الَّتي
جَعَلتْ لِدَوْرِ العِلْمِ شَأْناً آخَرا
شَادَ الْعلُومَ مَنارَةً لَا تَنْطَفي
أنْوَارُها الُمثْلَى تُنِيرُ السَّائِرا
يَحْدُو مَسِيرَتَهُ المُهَيْمِنُ جَلَّ مَنْ
يَهْدِي إِلى وَضَحِ الطَّرِيقِ الْـحائِرا
وَتَوَالَتِ الْأَحْدَاثُ تَرسُمُ سِيرَةً
عُظْمَى يَتِيهُ بِها الزَّمانُ مُفاخِرا
يَا سَيِّدِي يا ابْنَ الـمَـنَاقِبِ كُلِّها
يَا ابْنَ السَّجايا الطَّيِّباتِ نَوادِرا
يَا طَيِّباً في ذِي الْـحَياةِ وَبَعْدَها
قَدْ صارَ تَاجاً لِلْعُلا وَأساوِرا
نَشَرَ التَّآلُفَ بَيْنَ كُلِّ فِئَاتِهِمْ
فَغَدَوْا بِهِ رَغْمَ التَّعَدُّدِ مَعْشَرا
كَانُوا بِهِ خَيْراً تَعَدَّى نَفْعُهُ
عَمَّ الْـمَدائِنَ وَالْـحَواضِرَ وَالْقُرى
عَاشُوا حَيَاةَ طَابتِ الدُّنْيا بِها
موصولةً بالدّينِ راسخةَ الْعُرى
يَا سِيرةً أَرْسَتْ قَوَاعِدَ نَهْضَةٍ
إِذْ مِثْلُها في ذِي الْـحَياةِ تَعَذَّرا
شادَتْ مَبَادِي لِلْعَدالَةِ في الدُّنا
أضْحَى لَها فَهْمُ الْحَقِيقَةِ مَصدَرا
صارَ النَّبيُّ لِكُلِّ فَضْلٍ آيَةٌ
يَحْدُو حُقُوقَ الْخَلْقِ سَمْحاً خَيِّرا
رَفَعَتْ يَدَاهُ لِوَاءَ كُلِّ فَضِيلَةٍ
بَيْضَاءَ تَسْبِي في الرِّجَالِ بَصائِرا
لَا مِثْلُهُ مَنْ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ
قَدْ صَارَ فَرْداً في الْوُجُودِ وَمَفْخرا
كَمْ ذَا حَمَلْتَ العِبْءَ وَحْدَكَ صابِراً
تَخْشَى فُؤَادَكَ مِنْهُ أَنْ يَتَفطَّرا
يَا سَيِّدِي يا نَسْلَ كُلِّ كَرِيمَةٍ
حَسْنَاءَ تَغْدُو في الْعُيونِ الْأزْهَرا
أنْتَ الْحَبِيبُ وَأنْتَ نَبْضُ قُلوبِنا
فَيْضُ الْـمَكارِمِ بالشَّذى كمْ عُطَرِّا
أنْقَذْتَنا مِنْ شَرِّ كُلِّ خَطْبٍ عَاصِفٍ
يَا مَنْ غَدوْةَ من الشُّرورِ َمُحَذِّرا
ودَعَوْتَنا لِلْحَقِّ دَعْوَةَ صادِقٍ
تَبْغِي لَنا الْفِرْدَوْسَ سالَتْ أَنْهُرا
قَدْ جِئْتَ بِالْإسْلامِ دِينَاً قَيِّماً
تَدْعُو إِلَيْهِ الْعَالَمِينَ مُبَشِّرا
قَدْ عَادَ يَفْتَحُ مَكَّةَ الْأَرْضَ الَّتي
لَا لَمْ يَذُقْ في بُعْدِهَا طِيبَ الْكَرى
دَخَلَتْ جُيوشُ الْحَقِّ تَحْتَضِنُ الْـمَدى
وَتُقَبِّلُ الْـجُدْرانَ طَوْراً وَالثَّرى
وَتُعَانِقُ الذِّكْرى الَّتي ذَابُوا بِها
مِنْ فَرْطِ حُبٍّ جَلَّ أَنْ يَتَكَرَّرا
بَاتَ الذُّهولُ مُسَيْطِراً لَمْ تَدْرِ ما
قَدْ كَانَ أَوْ سَيَكونُ أَوْ مَا قَدْ طَرا
في مَوْقِفٍ فِيهِ الْعُقُولُ بِحَيْرَةٍ
وَالْعَيْنُ فِيهِ تَكَادُ أنْ لَا تُبْصِرا
والْكُلُّ يَنْتظِرُ الْقَصَاصَ عَدالَةً
مِنْ مُجْرِمِينَ عَتَوْا عُتوّاً أكْبَرا
فَإذا الرَّحيمُ الْـحُرُّ يَنْضُو جَانِباً
ظُلْمَ السِّنِينَ الْكَالِحَاتِ بِلَا مِرا
قَالَ اذْهَبوا طُلَقَاءَ في أرْجَائِها
صَارَتْ بِسَمْعِ الدَّهْرِ لَحْناً ساحِرا
أضْحى يُرَدِّدُها الْأنامُ حِكايَةً
مُثْلى يَتِيهُ بِهَا الزَّمَانُ نَوَادِرا
أطْلَقْتَهُمْ في أَمْنِ عَهْدِكَ مِنَّةً
أمَّنْتَهُمْ مِنْ كُلِّ مَا قَدْ يُجْتَرا
قَدْ كُنْتَ أَصْدَقَ قَائِلٍ مِنْ بَيْنِهِمْ
حتّى غَدَوْتَ بِذِي الْخِصالِ الْأَشْهَرا
تَحْدُوهُمُ لِلْحَقِّ قَوْلاً صَادِقاً
مَا فِيهِ مِن زِيفٍ وَكذْبٍ يُفْتَرى
أوْلَاكَ رَبُّ الْعَرْشِ فَيْضَ عنايَةٍ
يَا صادِقاً حُرّاً أَميناً طاهِرا
هُمْ لَقَّبُوكَ بِذاكَ لَـمّا أَنْ رَأَوْا
خُلُقَ الْإِبا وَالصِّدْقِ فِيكَ تَجَذَّرا
يزهو بِشَخْصِكَ يَا وَحيدَ زَمانِهِ
مَا مَرَّ مِنْهُ وَما أتى مُتَأَخِّرا
أنْتَ الَّذِي نَسَجَ الْحَياةَ بَديعَةً
بِالدِّينِ تَعْلُو فَوْقَ هاماتِ الذُّرى
قِيَمُ الْـمَكَارِمِ في حَيَاتِكَ أَثْمَرَتْ
فَيْضاً مِنَ الحُبِّ النَّبِيلِ مُعَطَّرا
حَتّى تَبَدَّتْ فيكَ أَنْبَلُ غَايَةٍ
في سِيرَةٍ كَالدُّرِّ تَحْكِي الْجَوْهَرا
يَا صُورَةَ الْحُبِّ الَّذي لَا يَنْتَهي
فِينَا وَيَبْقَى في الزَّمَانِ مُعَمِّرا
تَحْيا بِهِ أَعْمارُنا طُولَ الْـمَدى
ذِكْراً عَلى صَفْحِ الْقُلوبِ مُسَطَّرا
يَا مَنْ بِهِ الْأَكْوانُ تَزْهو كُلَّما
ذُكِرَ اسْمُهُ في ذَا الْوُجودِ وَكُرِّرا
يَا أَيُّهَا النَّفْحُ الْـمُزَكَّى مِنْ لَدُنْ
رَبٍّ حَبَاهُ مِنَ السّجَايَا أَنْهُرا
مَلَكَ الْقُلوبَ بِخُلْقِهِ وخِصالِهِ
وكمالِهِ سبَحانَ ربّاً قدْ بَرا
أُعْطِي جَمالَ الْكَوْنِ فَوْقَ جَمالِهِ
فَأتَى كَأَجْمَلِ ما يَكونُ وَأنْضَرا
فَرْداً وَحيداً قَدْ تَميَّزَ شَخْصُهُ
بَيْنَ الْخَلَائِقِ لَا شَبِيهَ لَهُ يُرى
طَابَتْ لَهُ الْأَخْلاقُ رقّ صفاؤُها
كالدُّرِّ أنقى ما يكونُ وأبْهَرا
أصْفى من الياقوتِ أغْلى مَعْدَناً
لا لاتُسامُ ولا تُباعُ وتُشْترَى
أسَرَتْ قلوبَ الناسِ قَبْلَ عُيونِهِمْ
فَغدَتْ بهِ في ذي الحياةِ الأنْدَرا
ولقدْ أشارَ الحقُّ في تفضيلِهِ
بكَريمِ أخْلاقٍ تَبَدَّتْ جَوْهَرا
زانَتْ بِهِ الدُّنْيا وَفاضَ نَعِيمُها
وَتَهَلَّلَتْ فَرَحاً بِهِ وَبَشائِرا
مَاذَا أُوَصِّفُ فِيكُمُ يَا سَيِّدِي
كَالْبَحْرِ يُهْدِي مِنْ غِنَاهُ جَوَاهِرا
مِنْ أيِّ بابٍ جِئْتَهُ لَوَجَدْتَهُ
مِثْلَ الَّذِي تَبْغِيهِ فِيهِ وَأَكْثَرا
أغْنَى مِنَ الْبَحْرِ الْكَريمِ عَطَاؤُهُ
أيْنَ النُّجُومُ السَّاطِعَاتُ مِنَ الثَّرى؟
مَا الْبَحْرُ مَا أَمْوَاجُهُ مَا فَيْضُهُ
إِلَّا كَقَطْرَةِ كَفِّهِ إِنْ أمْطَرا
اَلْجودُ فِيهِ سَجِيَّةٌ دَفَّاقةٌ
يُهْدِي بِهَا يَوْمَ الْحِسابِ الْكَوْثَرا
يُهْدِيهُمُ غُصْنَ الشَّفاعَةِ يَانِعاً
بِالْعَفْوِ وَالرَّحَماتِ يُونِقُ مُزْهِرا
بَعَثَ الرَّسَائِلَ وَالْمَرَاسيلَ الأُلى
يُهْدونَ لِلْأَقْوَامِ خَيْراً وافِرا
يُهْدُونَهُمْ قِيَمَ الْحَيَاةِ جَليلَةً
دِيناً كَريماً طَيِّباً مُتَحَضِّرا
هَذَا الَّذي يَهْدِي الْقُلُوبَ إِلى التُّقَى
فَتَفيضُ وَجْداً نَابِضاً وَمَشاعِرا
حَمَلُوا شُعاعَ النُّورِ هَدْياً طافِحاً
بِالـْمَـكْرُماتِ كَدَفْقِ شَلَّالٍ جَرى
هَبّوا جَميعاً حَامِلينَ قُلُوبَهُمْ
وَعُقُولَهُمْ وَمَشاعِراً لَنْ تُخْفرا
وَالْحُبَّ وَالْإِيمانَ وَالْفِكْرَ الَّذي
نَادى بِهِ الْهَادي الْأَمينُ مبَشِّرا
كانُوا هُداةً صادِقِينَ مَحَبَّةً
لِلْخَيْرِ في طُولِ الْـمَدى أَنْ يُنْشَرا
فَتَهافَتَ الْخَلْقُ الْكَريمُ يَعُبُّ مِنْ
هَذَا الْـهُدى الدَّفاقِ مَوْثوقِ الْعُرى
وَذَوُوا النُّهى شَّدُّوا لهُ أبْصارَهُمْ
إِذْ أُذْهِلوا في الْعَقْلِ مَاذَا أَبْصَرا
وَجَدوا السَّماحَةَ وَالْأَمانَةَ وَالنَّدى
وَالْفَضْلَ أَيْنَعَ بِالْخِصالِ وَأَزْهَرا
لَـمَسوا سَجايا الْحُسْنِ عَامِرَةً بِهِ
وَالطَّيْرُ غَرَّدَ لِلْجَمالِ مُعَبِّرا
لَفَتَ انْتِبَاهَهُمُ وَشَدَّ عُقُولَهُمْ
حَتَّى انْجَلَى في الْفِكْرِ مَا قَدْ حَيَّرا
مَا شَاهَدوهُ بَدَا لَهُمْ حَقّاً بِهِ
يَدْعوهُمُ لِبَيانِ مَا قَدْ أُضْمَرا
شَأْنُ الْـحَقيقَةِ في مَدى تَأْثيرِها
في الْعَقْلِ حِينَ الْعَقْلُ يَغْدو الْـمَصْدَرا
وَانْسابَ شَرْعُ اللهِ سَهْلاً وَاضِحاً
يَهَبُ الْقُلوبَ الْـحَائِراتِ بَصائِرا
يُهْدِي جَوَاباً في الْـمَسَائِلِ كُلِّها
فِيما يَكونُ الْفَهْمُ فِيهِ مُحَيَّرا
حَتَّى غَدا الدِّينَ الْأَهَمَّ لَدَى الْـمَلَا
يَحْدُو عُقُولَ الْفَاهِمِينَ وَنَاظِرا
إِذْ ما هُنا مِنْ مِلَّةِ شَبَهٌ لَهُ
إسْمٌ غَدا في الْخَافِقينَ مُسَطَّرا
أنْعِمْ وَأَكْرِمْ بِالنَّبيِّ مُحمَّدٍ
ذَاكَ الَّذي قَدْ صارَ خَيْراً وَافِرا
أَضْحَتْ تَعَاليمُ السَّماحَةِ شُعْلَةً
تَحْدُو عُقولَ الْـمُنْصِفِينَ تَحَضُّرا
وَتُزِيلُ عَنْ سِتْرِ الْعُيونِ غِشاوَةً
حَجَبَتْ ضِياءَ الْـحَقِّ عَنْها أَدْهُرا
اللهُ أَكْبَرُ في الْوُجودِ تَناغَمَتْ
أصْدَاؤُها تَحْدو الْجَمالَ الآسِرا
وَتَرُفُّ في وَضَحِ النَّهارِ وَلَيْلِهِ
آيَاتُ يُمْنٍ نَافِحاتٍ أَذْفُرا
قَدْ كُنْتَ فَرْداً في الْبِدايَةِ وَاحِداً
وَالْيَوْمَ غَيْثُ الْـحَقِّ عَمَّ وَأَمْطَرا
وَتَجَاوَزُوا المِلْيارَ في تَعْدَادِهِمْ
يَنْدَى بِهِمْ صَوْتُ الْأَذَانِ مُكَبِّرا
يَا قُرَّةَ الْعَيْنَيْنِ يَا بَدْرَ الدُّجى
يَا مَنْ غَدا وَجْداً وَرقَّ مَشاعِرا
يَا سَيِّدِي أَشْكو إِلَيْكَ مَواجِعاً
أدْمَتْ شِغافَ الْقَلْبِ جُرْحاً أَحْمَرا
مِنْ حَالِ أُمَّتِنا الَّذِي وَصلَتْ لَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا كَانَتْ سِراجاً في السُّرى
كَانَتْ تَطالُ الشَّمْسَ في وَضَحِ الضُّحى
وَتَنادَمُ الْقَمَرَ الْبَديعَ الْـمُنْوِرا
كَانَتْ كنَجْمٍ في الدُّجى مُتألِّقٍ
وَالْيَوْمَ داعَبَ جَفْنَها طِيبُ الْكَرى
كَانَتْ تَسوقُ الْفَخْرَ رَهْنَ إِشارَةٍ
مِنْهَا وَتَحْدو لِلْمَكارِمِ ناظِرا
حَطَّتْ رِحالَ الْـمَجْدِ عَنْ أَكْتافِها
وَغَدَتْ مُشاعاً تُسْتَباحُ وَتُزْدَرى
اللهُ أكْبَرُ يا مُحمَّدُ جِئْتَنا
بِالْـحَقِّ سَمْحاً طَيِّباً وَمُعَطَّرا
فَاهْنَأ فَإِنَّ دِيانَةً قَدْ شُدْتَهَا
أمْسَتْ بِثَوْبِ اللَّيْلِ بَدْراً مُسْفِرا
لَا لَنْ يَقِضْ جُفُونَنَا وَضْعٌ بَدا
في غَيْرِ مَوْضِعِهِ عَجَاجاً أَكْدَرا
نَبْقى نُراوِحُ في الزَّمانِ مَكَانَنا
سُنَنُ الطَّبيعَةِ أَنْ نَكونَ كَما نُرى
لَكِنَّنا في وَاثِقٍ مِنْ أَمْرِنا
لَا بُدَّ نَرْجِعُ في الْحَياةِ غَضَنْفَرا
في كُلِّ يَوْمٍ نَرْتَقي دَرَجَ الْعُلا
لَا لَنْ نُبَاعَ كَسِلْعَةٍ أَوْ نُشْتَرى
لَا بُدَّ يَرْجِعُ صَوْتُ أُمَّتِنا الَّتي
بَنَتِ الْحَضارَةَ مَعْهَداً وَمَنابِرا
حتى إِذَا بَلَغَ النَّبيُّ سِنِينَهُ
وَأنَارَ بِالْهَدْيِ الْـمُبِينِ وَأسْفَرا
أدَّى الرِّسالَةَ شَاهِدينَ لَهُ بِها
فَأَضاءَ كَوْناً بِالْهِدَايَةِ مُقْمِرا
حَانَ الرَّحيلُ وَحانَ وَقْتُ ودَاعِهِ
قَدْ فَاضَ شَوْقاً لِلْإِلَهِ مُسَعَّرا
وَترَدَّدَ الْخَبَرُ الْحَزينُ بأنَّهُ
قَدْ مَاتَ خَيْرُ الْخَلْقِ في هذَا الْوَرى
رَحَلَ الرَّسُولُ وَضَجَّ حُزْنٌ بَعْدَهُ
وَالدَّمْعُ فَاضَ مِنَ الْـمَآقِي زَاخِرا
وَتَقاطَرَ الصَّحْبُ الْكِرامُ لِبَيْتِهِ
وَالْعَقْلُ صارَ مِنَ الْـمُصِيبَةِ حَائِرا
جَاؤوا لَهُ وَالْحُزْنُ يَعْصِرُ ذَاتَهُمْ
يَبْغُونَ رُؤْيَتَهُ الْكَرِيمَةَ آخِرا
وَسَماءُ طَيْبَةَ أَظْلَمَتْ لِفِراقِهِ
مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَتْ ضِيَاءً مُنْوِرا
وَطُيورُها ما عادَ فِيهَا رَغْبَةٌ
تَشْدو بِهَا لِلْفَجْرِ لَحْناً آسِرا
وَالْبُلْبُلُ الصَّدَّاحُ أَبْكَمُ حَائِرٌ
وَالْقَلْبُ أُذْهِلَ مِنْ حَقيقَةِ مَا جَرى
دَفَنُوهُ في نُورٍ أَحَاطَ بِذَاتِهِ
وَأَرِيجُ مِسْكٍ فَاحَ مِنْهُ عَلَى الثَّرى
هَالُوا عَلَيْهِ مَعَ الثَّرى خَلَجَاتِهِمْ
وَقُلُوبَهُمْ وَعُقُولَهُمْ وَمَشاعِرا
وَتَسَمَّروا وَتَجَمَّدوا وَعُيُونُهُمْ
سَكَبَتْ دُمْوعاً كَالْغَديرِ إِذَا جَرَى
في مَوْقِفٍ صَعْبٍ شَديدٍ شَائِكٍ
فِيهِ يَهابُ الْـمَرْءُ أَنْ يَتَصَوَّرا
فِيهِ يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ حَسَرَاتِهِ
وَتَكَادُ تَزْهَقُ رُوحُهُ مِمَّا يَرى
قَدْ وَدَّعوهُ وَوَدَّعوا أَرْوَاحَهُمْ
وَالدَّمُ مِنْ جُرْحِ الْفُؤادِ تَحَدَّرا
مَنْ ذَا يَرومُ يَرى النَّبيَّ مُحمَّداً
قَدْ فارَقَ الدُّنْيا نَقِيّاً طّاهِرا
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ مَا داعٍ دَعا
بِالْعَفْوِ أَوْ لَبَّى وَطافَ وَكَبَّرا
أوْ ما حَبا الْقُرْآنُ تَالِي ذِكْرِهِ
أَجْراً كَذرَّاتِ الشُّروقِ وَأَكْثَرا