الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

قرقيعان في الخليج.. و«ماجينا» في العراق: تقليد يأبى الاندثار

ليلة منتصف رمضان تعتبر من بين الليالي الخاصة والقريبة لقلوب العديد من الخليجيين وتحديداً الكويت والبحرين العراق أيضاً، حيث يحتفل أهالي هذه الدول بما يسمى «القرقيعان» من خلال التغني بأهازيج وأناشيد معينة، حيث يلف الأطفال على الأحياء السكنية وقرع الأبواب لأخذ حصتهم من الحلويات أو النقود أيضاً.

طقوس خاصة

وفي احتفال «القرقيعان» تبدأ محال الحلويات والمكسرات بالتحضير والاستعداد لليوم الرمضاني المُميز منذ وقت مبكر، لتلبية طلبات المواطنين الذين ما زالوا مُهتمين بالحفاظ على هذه العادة التراثية، وشراء القرقيعان إما بالكيلو ثم تعبئته، أو بعبوات مغلفة وجاهزة.

العراقية عبير القبيسي تحكي لـ«الرؤية» طقوس الاحتفال بيوم «القرقيعان» بالعراق، وتقول إنه يوم مُميز يجعلنا نستعيد ذكريات الأجداد، التي لم تتأثر بزحف المدنية.

وتضيف إن من تقاليد هذا اليوم تقليد «الماجينا»، وهو تجمع الأطفال الصغار في ليالي رمضان، ويطرقون الأبواب على أهل الحي والجيران للحصول على الحلوى والمكسرات.

ويُردد الأطفال بعض الأهازيج منها: «ماجينا يا ماجينا حلي الكيس وانطينا.. تنطونا لو ننطيكم بيت مكة نوديكم.. ربي العالي ينطيكم تنطونا كل ما جينا».

ومع إعطاء الأطفال الحلوى والمكسرات من أهل البيت ينطلقون في غناء: «الله يخلي راعي البيت.. آمين بجاه الله. الله يخلي أم البيت آمين.. بجاه الله.. آمين».

وتتابع: «في بغداد العاصمة يُطلق على تلك العادة (الماجينا) أما في جنوب العراق وتحديداً البصرة يطلقون عليها (الجرجيعان) أو (الكركيعان) أو (القرقيعان)، ونفس الطقوس والعادات يتم تنفيذها بجميع أنحاء العراق، ومازالت شوارع بغداد العتيقة تحتفظ بتلك العادة التراثية التي ورثناها عن الآباء والأجداد».

وتستطرد عبير: «أما السلة التي يطوف بها الأطفال فتسمى القرقاعون أو القرقيعان، وهي عبارة عن سلة مصنوعة من سعف النخيل».

أما في الكويت فيتم ترديد:

قرقيعان وقرقيعان، بين قصير ورميضان

عادت عليكم صيّام، كل سنة وكل عام

يالله تسلّم ولدهم، يالله خله لأمه يالله



تراث يأبى الاندثار

ومن العاصمة بغداد إلى مُحافظة الديوانية يخصص الصحفي والمدون العراقي تحسين الزركاني ركناً خاصاً داخل منزله للاحتفال بيوم «القرقيعان» يتم فيه وضع الحلوى والمكسرات بشكل يومي طوال شهر رمضان، وخصوصاً في اليوم الخامس عشر منه لإعطائها للأطفال الذين يطرقون الأبواب.

ويُتابع الزركاني في حديثه مع «الرؤية» أن تلك العادة التراثية لم تندثر في محافظته، وما زالت مُحتفظة بطقوسها، وعن خلفية تسمية هذه المناسبة بـ«القرقيعان»، فإن الآراء تختلف، البعض يقول إن الاسم مأخوذ من اللغة العربية «قرع الباب»، إذ كان الأطفال قديماً يقرعون الأبواب للحصول على هديتهم، وهناك من يعيد أصل الكلمة إلى «قرة العين» تعبيراً عن شعور الصائمين بالفرح لانتصاف شهر رمضان.

ويشرح: «الأطفال ينتظرون الحلوى والمكسرات أو الأموال إن كان أهل البيت ميسورين، وفي حال ذلك فبعض الأسر الميسورة تجعل أطفالها يقومون بتوزيع الأموال على الأطفال الذين طرقوا بابهم».

يوم العطاء

أما الباحث العراقي عماد الشرع فيقول لـ«الرؤية» إن الاحتفال بتلك العادة هو بمثابة العودة لكل ما هو تراثي وشعبي، ولا يوجد دليل عن مكان بدأها، لكنه يعتقد أن الاحتفال بها في أيام 13 و14 و15 من رمضان هي أيام مُباركة ليست في رمضان فحسب ولكن في كل الشهور الهجرية خصوصاً في رمضان.

ويشرح الشرع: «الأقرب إلى المنطق ففي الموروث الإسلامي أن هذه الأيام هذه العطاء وتختلف في التسميات من بلد لبلد، فمثلاً انتصاف شهر شعبان في دولة الإمارات يُطلق عليه حق الله أو الطُلبة».

ويُتابع: «احتفالات ضخمة جداً تتم في منطقة الزبير بالبصرة وهي أكثر المُحافظات العراقية التي تحتفل بتلك العادة بأشبه ما يكون مهرجاناً كبيراً، يجوب في الأطفال الشوارع بالأغاني والموسيقى والأهازيج الشعبية».

تأثير السوشيال ميديا

الأخصائية النفسية الكويتية بشرى الحسن تقول لـ«الرؤية» إنه في الماضي كان الاحتفال أكثر بهجة رغم قلة الإمكانيات وقتها، وتحكي بشرى: «كنا نلبس لباس شعبية يعني الصبيان يلبسون «دشداشة» أو «الجلابية» وطاقية على الرأس، وفي يده كيس ملون مُشابه للطاقية التي يرتديها، أما البنات الصغار فكن يلبسن الفساتين الشعبية أو «الدراعة» وكيس قماش نفس لون الفستان، ويلفون على البيوت ويطرقون الأبواب وأهل البيت يعطونهم قرقيعان أو حلوى ومكسرات».

وتُتابع: «حالياً أو بالأحرى بالسنوات الأخيرة قلت فكرة اللف في الشوارع، في أطفال يلفو بس مو قد زمان، والآن يتم الاحتفال داخل بيوت العائلات وتقوم كل أسرة بتوزيع أكياس الحلوى على أطفال الأسر الأخرى، لكن طبعاً تغيرت المحتويات، مثلاً في الماضي كانت الحلويات بسيطة مكسرات وبسكويت ومصاصة وكم حبة حلويات فقط».

وتختم: «أما حالياً فأصبح الأمر متطوراً أكثر، وتتباهى الأسر لاختيار أغلى وأفخم علب الحلويات بأشكال وأكياس مختلفة، وحتى الحلويات أصبحت من أفخم الأنواع، والكل يتصارع لتنفيذ أجمل شيء، وكل هذا بفضل التكنولوجيا الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي خصوصاً سناب شات فالبعض يُريد التفاخر بما اشتراه للأطفال ونشر مقاطع فيديو عبر تلك المنصات».