المدينة منبع الشرور في مسلسل المخرج يسري نصرالله «منورة بأهلها» الذي أنتجته منصة "شاهدVIP".
فكرة قديمة، طالما تناولتها السينما والدراما التليفزيونية المصريَّتان منذ نشأتهما، لكنها مصوغة هنا في قالب غرائبي يبدو جديداً وأكثر قتامة.
في الحلقتين الأولى والثانية من المسلسل يفِد إلى القاهرة شاب (محمد حاتم) وفتاة (ناهد السباعي) من مدينتين ساحليتين محملين بآمال عظمى في النجاح وتحقيق الذات، كل من الشاب والفتاة يلتقيان بشخصية أخرى ترحب بهما قائلة «نورت القاهرة»، فيجيب كل منهما: «القاهرة منورة بأهلها»، وهو عنوان وثائقي شهير للمخرج الراحل يوسف شاهين (يعرض أيضاً على منصة «شاهد»). في الغالب قام صناع مسلسل «منورة بأهلها» باقتباس العنوان كنوع من التحية لاسم شاهين، رغم أنه يبدو، بالنظر إلى مضمون العمل، كما لو كان سخرية من التعبير العامي الشائع.
بمجرد وصولهما إلى القاهرة يسقط الشاب ثم الفتاة في شرك عصابة دولية خطيرة تتكون من شخصيات غريبة، ويفقدان براءتيهما «الريفية» لينتهي الأمر بالأول مقتولاً (مرتين) والثانية تعتزل العالم في دير راهبات وتُتهم بقتل الأول.
تجارة الأطفال والأعضاء فكرة قديمة أخرى سبق تناولها في العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية، تضاف هنا إلى فكرة «المدنية أصل الشرور» فتعطيها بعداً إضافياً يؤكد فكرة المدينة التي تقتل البراءة والطفولة!
في ثاني تجاربه التلفزيونية (بعد إخراج حلقة ضمن مسلسل «نمرة اتنين» العام الماضي)، وفي عمل مختلف تماماً عن عالمه السينمائي، ينجح يسري نصرالله في إضفاء شكل وأسلوب وخلق جو عام مفعم بالغموض والتوتر، ينضح بالعنف والشر والتلوث الأخلاقي، ومن أفضل عناصر المسلسل الـcasting «اختيار فريق الممثلين» ويبرز بشكل خاص شخصيات الأشرار التي يؤديها النجوم ليلى علوي وغادة عادل وباسم سمرة، في أدوار مختلفة عن صورهم المعتادة.
يلفت النظر أيضاً أحمد السعدني في دور ضابط المباحث الذي يحقق في قضية القتل، وزوجته التي تؤديها كريمة منصور، وسلوى محمد علي في دور كبيرة الراهبات التي تحاول إنقاذ الفتاة المتهمة.
يعتمد المسلسل في بنائه على قالب التحقيق البوليسي، وراوحت الأحداث ذهاباً وعودة خلال فترة زمنية طويلة تمتد من تسعينات القرن الماضي حتى 2010، ورغم أن النوع البوليسي الذي يعتمد على مشاهد العودة بالزمن سهل على الورق، إلا أنه صعب في التنفيذ بسبب ضرورة مراعاة «فروق التوقيت» بين المشاهد، حيث تتعدد الخلفيات والملابس والأدوات وأعمار الشخصيات ومكياجهم وتصفيف شعورهم، وإلى حد معقول، بالنسبة للدراما العربية، ينجح صناع العمل في ضبط هذا التوقيت.
يساهم التصوير والديكورات، كما تساهم موسيقى تامر كروان، في دعم الجو المتوتر والإحساس بالخطر الذي يلف المسلسل، بالرغم من وجود بعض اللحظات يبدو فيها وكأن صناع العمل يضعون خطوطاً مشددة تحت جمل الحوار أو أداء الممثلين أو الملابس أو المكياج زائدة عن الحد أحياناً.
«منورة بأهلها» مسلسل صعب، جريء بمقاييس الدراما المصرية الآن، ومكلف إنتاجياً، بالنظر إلى أسماء وعدد النجوم المشاركين فيه، ويعود الفضل الأول في خروجه للنور للقائمين على اختيار الأعمال في منصة شاهد، الذين تحمسوا لإنتاج العمل، غير هيابين من العوائق، أو العواقب!