وفي غواليغوايتشو الواقعة شمال غرب بوينس آيرس والتي تمثّل إحدى المراحل الأخيرة للرحلة إذ تبعد بضع ساعات و230 كم عن المحطة النهائية، يحار هيرمان زاب بين القول "انتهى حلمي" أو "حققت حلمي". ويضيف "كل شيء كان أجمل مما تخيّلنا"، وهذا هو الأهم بالنسبة إليه.
عندما انطلق الزوجان في رحلتهما، كانا يبلغان 31 و29 عاماً، وكانا مرتاحَين مادياً، ويملكان منزلاً في ضواحي بوينس آيرس، ويرغبان في إنجاب الأطفال.
لكنهما أرادا قبل ذلك تحقيق حلمهما القديم المتمثل في القيام برحلة برية بالسيارة لستة أشهر، من الأرجنتين إلى ألاسكا، وهكذا بدأت المغامرة، وكان بحوزتهما في بدايتها مبلغ قدره 4000 دولار.
وعرض عليهما أحد الأشخاص سيارة قديمة للبيع من طراز "غراهام-بيج" من طراز 1928 ذات إطارات مغلّفة بالخشب وبالكاد قادرة على السير، ولا تصلح لرحلة كهذه. إلّا أنّها أعجبت الزوجين، فقررا استخدام هذه المركبة "الأثرية" في رحلتهما.
وعرّف آل زاب نفسيهما بملصق وضعاه على السيارة يشير إلى أنّهما "عائلة تجول العالم". وبالـ"غراهام-بيج" التي باتت السيارة نجمة الرحلة، بلغ عدد الدول التي جالاها 102.
واجتازت السيارة 362 ألف كم رغم أنّها لم تكن تسير إلّا بضعة ساعات في كل محطة، وليس بوتيرة يومية، نظراً إلى ِقِدمها.
سيارة تفتح الأبواب
ويقول هيرمان إنّ السيارة "لا تحوي أفضل مقاعد ولا أفضل ممتصات صدمات وتفتقر إلى مكيّف. إنّها تجعل سائقها متنبهاً لكنّها كانت مذهلة".
ويلاحظ أنّها كانت تعبر إلى قلوب الناس، فشكّلت مصدر فرح لهم، ودفعتهم إلى مدّ يد العون له ولزوجته.
وأدخلت تغييرات على السيارة منذ الكيلومترات الأولى للرحلة التي اقتصرت في يوم انطلاقها في 25 يناير 2000 على 50 كم، قبل أن تتعطّل للمرة الأولى... واضطرت العائلة إلى إخضاعها لعدد من التصليحات، ثم أجرت تغييراً كبيراً فيها تمثل في تكبير
حجمها وإضافة 40 سنتمتراً إليها لأنّ العائلة كبرت، وأصبحت تضم بامبا البالغ حالياً 19 عاماً والمولود في الولايات المتحدة، وتيهيو (16 عاماً) المولود خلال إحدى الزيارات إلى الأرجنتين، وبالوما (14 عاماً) التي وُلدت في كندا، والابي (12 عاماً) المولود في استراليا، من دون أن ننسى تيمون الكلب وهاكونا القطة.
وغالباً ما مثّلت السيارة "مسكناً رئيسياً" للعائلة، إذ كان الأطفال ينامون داخل خيمة على سطحها بينما ينام الأبوان في الداخل، فيما تُغطى السيارة بأكملها بالقماش حفاظاً على الخصوصية.
ويقول هيرمان ممازحاً إنّ "المنزل صغير لكنّ الحديقة واسعة، مع شواطئ وجبال وبحيرات. وإذا لم يعجبك المكان، يمكنك تغييره!".
ولكن في الواقع، كانت عائلة زاب تنام في الغالب لدى سكان في المناطق التي تحلّ فيها، إذ استضافتهم أكثر من 2000 عائلة في العالم، على ما يوضح هيرمان.
ويقول "لم نكن يوماً لنتخيّل أن الناس في العالم يمكن أن يكونوا بهذا اللطف. إنّ البشرية التي ننتمي إليها رائعة"، مضيفاً أنّ "كثيراً ساعدونا لأنهم أرادوا أن يكونوا جزءاً من حلمنا."
الناس الاكتشاف الأهم
ولم تكن الرحلة جميلة ومثالية دائماً، إذ واجهوا صعوبات كبيرة بعدما شهدوا نزاعات وأزمات، واختبروا إنفلونزا الطيور في آسيا، وإيبولا في أفريقيا، وحمّى الضنك في أمريكا الوسطى، وأصيب هيرمان بالملاريا.
وكانت العائلة تعود كل 3 سنوات إلى الأرجنتين لشهرين أو 3 أشهر بهدف زيارة الأقرباء، ثم يغادرون لا لانجذابهم فقط للمناظر الطبيعية التي تسود المناطق والبلدان من ناميبيا إلى إيفرست ومن مصر إلى البيرو، بل لأنّ اكتشافهم الأهم تمثل بالناس.
ويصعب تكهّن المستقبل بعد عقدين مليئين بتفاصيل ذُكرت في سلسلة من 3 كتب بعنوان "التقط حلمك"، بيعت منها 100 ألف نسخة، وساهم جزء من عائداتها في تمويل المغامرة.
وبينما يلفت هيرمان إلى "آلاف الخيارات"، يشير إلى إمكان القيام برحلة بحرية حول العالم. ولا يبدي الأطفال حماسة لفكرة التعلّم الحضوري في مدرسة بعدما أمضوا سنوات وهم يتعلمون من خلال المراسلة أو بمساعدة والدتهم، ولم يكن لدروس الجغرافيا خلالها مثيل.
لكنّ تأخيراً قد يواجه العائلة في ظل ما يشهده العالم من أزمات متتالية تدفع الناس إلى المكوث في بلدانهم. ويرى هيرمان أنّ ما من سبب يفترض أن يدفع إلى تغيير الخطط، ويقول "نخرج من كوفيد لندخل في حرب ضخمة، فإذا بقينا ننتظر اللحظة المناسبة، سيكون ثمة دائماً سبب لعدم تحقيق أحلامنا".