الاحد - 22 ديسمبر 2024
الاحد - 22 ديسمبر 2024

صور | «حصان و5 أفراس».. تاريخ الخيول العربية الأصيلة



تعد الفترة الذهبية للخيول العربية على أرض مصر خلال فترة حكم السلطان الناصري محمد بن قلاوون في القرن الـ13 الميلادي.



مخطوطات ورسومات تاريخية تعود إلى العصر المملوكي في مصر، تكشف مدى الاهتمام الكبير بالخيل، عبر ظهور أمراء المماليك ممتطين خيولاً موشاة بأجمل السروج و«الكنابيش»، وتتدلى سيوفهم على جنباتهم، فيما تنقر سنابك الخيل الأرض من تحتها- بحسب رئيس نادي ركاب خانة في منطقة «شبرامنت» بالقاهرة، أحد أقدم المتخصصين في صناعة الخيل، الكابتن طيار حسام رستم.

يُخرج رستم لـ«الرؤية»، من جعبته صفحات التاريخ، متحدثاً عن تاريخ الخيول ونشأتها وأشهر السلالات حتى الوقت الحاضر، وتحديداً يوم الجمعة الذي كان موعداً محدداً لكرنفال الفروسية ومهارات الخيول، كان يقام بميدان الرميلة أسفل قلعة محمد على بالقاهرة «منطقة السيدة عائشة» حالياً، إذ يخرج الناس على صوت منادٍ يصدح معلناً موعد الحفل بحضور السلطان متابعاً فرسانه يتألقون في ساحة الاستعراض، ثم يبدأ مزاد وعرض الخيول التي ينتقي منها السلطان أولاً، ثم الأمراء، يتبعهم عِلية القوم والتجار.



«القرطة» أغلى مهرة

كانت الفترة الذهبية للخيل في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، تاسع السلاطين المماليك، إذ فاقت كل عصور السلاطين من حيث الاهتمام بالخيول العربية واعتناؤه بها وشراء أجودها وأغلاها ثمناً، هادفاً إلى جعل مصر وطناً للخيل العربي- وفقاً لرئيس نادي ركاب خانة، مؤكداً تمكُّن بن قلاوون من شراء أطيب الجياد القادمة من مناطق نجد والأحساء والقطيف والعراق، حتى أنه لم يكن يتردد في دفع أي مبالغ إذا كان الحصان عربياً أصيلاً، جازماً بأن السجلات الرسمية أظهرت شراءه لمهرة عربية مشهورة كان يطلق عليها «القرطة» بمبلغ 64 ألف دينار، وهو رقم باهظ بذلك الوقت.

فكانت الدنانير في عصر المماليك تصنع من الذهب الخالص ووزن الدينار الواحد 4.25 جرام، فيما قال مسؤول بقسم المسكوكات «المسؤول عن العملة» في المتحف الإسلامي بالقاهرة خلال تصريحات سابقة، إنه يعادل عيار 24، ووفق سعر الجرام اليوم فإن «القرطة» تقدر بـ244.5 مليون جنيه مصري.

لكن الاهتمام لا يقتصر على الخيل فحسب، بل يمتد إلى شكل الإسطبلات ومساحتها وخدمتها، يقول حسام رستم، إن السلطان الناصر شيد الكثير من الإسطبلات الفسيحة والميادين الكبيرة للسباق، كما عين فريقاً من الذين يتمتعون بالمهارة لتدريب الخيل والاعتناء به، وكان يشرف بنفسه على ولادة الأمهار وتسجيلها في سجلات خاصة.



الإدارة الأهم بالقصر السلطاني

لم تنتهِ الفترة الذهبية للخيل عند عهد «بن قلاوون»، فيما انتقل المتخصص في صناعة وتربية الخيل إلى عهد الملك الظاهر سيف الدين «برقوق» في نهاية القرن الـ13 الميلادي، وتجدد الاهتمام بالخيل، بعد أن سلك «برقوق» طريق سالفه، وعمل على إنتاج الآلاف من الخيول العربية الأصيلة.

في تلك الحقبة، كانت مصر تدار من القلعة، وكان بداخلها عدد من الإدارات كان يطلق عليها «البيوت السلطانية» تتبع السلطان مباشرة، ومن بينها إدارة «الركاب خانة» أي بيت الركاب، وتشمل عدداً كبيراً من معدات الخيل والسروج والكنابيش والمراكيب والمخالي واللجام، ومنها السروج الذهبية والفضية، حيث تقع جميعها تحت مسئولية «مهتار الركاب» وهو الشخص الذي يُعيّن على رأس هذا البيت- وفقاً لشرح رستم عن مسيرة ومكانة الخيل في مصر ولدى العرب.



وأضاف أن تلك الإدارة بهذه الفترة، كانت تضم وظائف عديدة منها «الركابدارية» وهم الذين يحملون الغاشية بين يدي السلطان في المواكب، و«سنجقدارية» أي حاملي الرايات خلف السلطان، و«مهمزادية» وهم مستقبلو الرسل، و«قراغلامية» بمعنى الخدام، وغلمان، ومماليك، ونقباء، وغليمان.



إسطبلات السلاطين

يكشف رستم أن الإسطبلات كانت تنقسم إلى قسمين، الأولى تسمى الإسطبلات السلطانية، ويعبر عنها بالإسطبلات الشريفة، ولها ديوان وناظر وحراس، والثانية «إسطبلات الأمراء» وكان يعبر عنها بالإسطبلات السعيدة، ولها أيضاً ديوان ونظار، كما شهد هذا العهد وجود عدد من الإسطبلات غير التابعة للسلطان أو الأمراء، كان إسطبل يطلق عليه «الحجورة»، يضم الخيول التي تستخدم في سباقات الكرة، وآخر يسمى «الجوق» وفيه الخيول الخرج، وإسطبل آخر يطلق عليه «البيمارستان»، مختص بالخيول الضعيفة والمعتلة التي لا تقوى على فعل شيء، وإسطبل «الدشار» وهذا للخيول التي تجاوز عمرها الـ20 عاماً، وإسطبل البريد، وغيره للبغال.



يذكر أن القائم على إدارة إسبطل الخيول السلطانية كان أحد أهم رجال السلطنة، ويطلق عليه حينها «الأمير آخور»، أي أمير المعلف، ويتم التعامل معه على أنه القائم والمتحدث باسم السلطان، خاصة أن عملية اختياره تخضع لعدة شروط، ووصلت أهميته إلى أنه كان مصرحاً له بمصاحبة زوجات السلطان في رحلة الحج.

اختيار السائس أيضاً ليست عملية عشوائية - بحسب الطيار والخيال رستم - بل كانت وفق محددات وشروط واجبة، قائلاً: «من بينها معرفته الجيدة بصفة الخيل وأوجاعها وأمراضها، وما ينفعها من الأدوية والدهانات، علاوة على كونه رجلاً قوياً ذا شخصة، ويتمتع بالآداب والسمعة الطيبة، ويحفظ أجزاء من القرآن».



أشهر خيول العرب

روايتان يجيب بهما ضيف «الرؤية» عن أشهر الخيل العربي، وأسمائها، الأولى تقول إنه عندما انهار سد مأرب بعد تعرضه للسيل والفيضان العارم، هرب الجميع حتى الحيوانات، وكانت مجموعة من العرب الشباب قرروا جمع أفضل وأقوى وأمهر 5 أمهات للحفاظ على النسل الأصيل، ومنها تمت تسمية الخيول، فاطلق على الأولى اسم «سقلوية» لثقل شعرها، وعلى الثانية «كحيلان» لأنها مكحلة العيون، فيما سميت الثالثة بـ«عبيان»، لأن من يمتطيها كانت تتدلدل عبايته من فوق رأسه حتى ذيل الفرسة، والرابعة «دهمان» وهي تميل للسواد، فيما أطلق على الخامسة اسم «هدبان».

أما الرواية الثانية، فتحكي - وفق رستم - عن مجموعة من الأعراب اليمن الذين سافروا إلى الجزيرة العربية واستضافهم النبي سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ وجلسوا عدداً من الأيام في ضيافته، وعندما قرروا الرحيل طلبوا خيلاً ليركبوها، فأهداهم النبي سليمان حصاناً كان يطلق عليه «زاد الراكب»، قالت عنه الأعراب إن زاد الراكب لو خرج في قنص لا يعود إلا منتصراً، لم يتوقف المتحدث عند هذه المعلومات مكملاً بأن «زاد الراكب» أعظم الخيل في الجزيرة العربية لسرعته وقوته وجماله، مؤكداً أن الكتب التاريخية المعتبرة أشارت إلى أن «زاد الراكب» كان أبا الخيول العربية كلها، معلقاً بأن الروايتين مشوقتان ولا مجال لتكذيب أو التشكيك بأي منهما.



حب من الطلة الأولى

انتقل رئيس نادي ركاب خانة، إلى أسعار الخيول الأصيلة، مؤكداً أن الحصان شأن اللوحات الفنية التي تختلف أسعارها وفق وجهات النظر، فهناك ما يعرف بالطلة أو النظرة الأولى، فمن يهوى الخيل لو ذهب لمزاد ونظر في عين حصان ونظر له الحصان ذات النظرة، فإن حالة من الحب قد ولدت بينهما، وسيدفع ما يطلب منه من أموال دون نقاش.

وتفسيراً لحالة المبالغة في الأسعار.. يقول «كان هناك خيل غير عربي يطلق عليه (سيجار) وهو خيل ذاع صيته لقوته وجماله وقدرته على حسم السباقات، حتى أنه استطاع حسم 16 سباقاً متتالية.. وحضرت بنفسي في نيويورك حفل تقاعده وكان حفلاً أسطورياً للحصان الذي تجاوز سعره الـ15 مليون دولار».

لم يكتفِ بذلك مشيراً إلى العديد من الخيول العربية التي بيعت بأرقام كبيرة للغاية، بعد أن شهدت تنافساً بين الأمراء وعدد ممن لديهم هواية اقتناء الخيل الأصيل، حتى أن بعض الخيل العربي تجاوز سعره مؤخراً الـ10 ملايين دولار في مزادات أوروبا.



خيول المنطقة العربية



وصل رستم إلى المنطقة العربية وغرامها بالخيول، معتبراً هذه المنطقة تشهد مؤخراً طفرة هائلة في صناعة الخيول، ففي المملكة المغربية يمتلك الملك محمد السادس عدداً من الإسطبلات التي تجمع عدداً من الخيول الجميلة، وفي ليبيا مزارع عربية مبهرة، وفي مصر أكبر مزرعة وهي «الزهراء» وتتبع الحكومة المصرية وفيها أجمل وأقيم الخيول، علاوة على 1500 مزرعة أهلية.

وأكد أن المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين، بها خيول وإسطبلات في منتهى الجمال، خاصة المملكة السعودية والتي لا تخلو مدينة فيها من مزرعة ضخمة لتربية الخيل الأصيلة.

«طفرة كبيرة تشهدها صناعة الخيل».. يصف حسام رستم حالة الخيول بدولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل اهتمام هائل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالخيول والفروسية، والحقيقة أن هذه الطفرة ظهرت منذ عهد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.



عن الداخل الإماراتي يجزم بأنه لا توجد إمارة في الدولة تخلو من مزارع وإسطبلات وسباقات الخيول، خاصة دبي التي أقيم بها عدد من مرابط الخيول، وأندية الفروسية، وتحتضن أجمل وأقوى الخيول العربية، حتى أن حكام الإمارات يشاركون في السباقات العالمية، ويحسب لهم ألف حساب، لمهارتهم وقدرتهم على الفروسية- وفقاً لتأكيده.