تمر الأفلام الأجنبية في مهرجان «الجونة» الذي يعقد حالياً من 14 إلى 22 أكتوبر، بسلام وأمان إلى بر الأمان، تقيم نقدياً وتلقى إشادة بمستواها العالي في معظم الأحيان، أو يرى البعض أنها لا ترقى لمستوى المهرجان.
الأفلام العربية وحدها، والمصرية خاصة، تثير الجدل أينما حط رحالها، إذ ينظر إليها دائماً من منظار سياحي، يرى أن أي فيلم يجب أن يكون واجهة مشرفة لبلده، ولا يتعرض لأي ظاهرة اجتماعية بشكل يمكن أن يفهم منه أنه يسيء لسمعة الوطن.
من فيلم «ريش» المصري إلى «كوستا برافا» اللبناني إلى «علي صوتك» المغربي وغيرها، لا يكاد يمر فيلم عربي إلا ويختلف عليه الحاضرون والمتابعون، لا فنياً، ولكن اجتماعياً.
«ريش»
حصل فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيري على القدر الأكبر من الجدل، لدرجة أنه صار حديث وسائل الإعلام ومواقع التواصل. بدأت القصة بانسحاب بعض الحاضرين من عرض الفيلم، ومنهم الممثل شريف منير، الذي أدلى بتصريح صحفي ساخن ضد الفيلم، قبل أن يتوجه لحضور الحفل الذي نظمه أصحاب الفيلم، لتحيتهم والاحتفال معهم.
لكن التصريح الذي أدلى به تناقلته وسائل إعلام أخرى، وقام عدد آخر من الفنانين وغيرهم بإبداء رأي سلبي في الفيلم، يرى أنه يشوه سمعة مصر بالتركيز على مظاهر الفقر والقبح.
وخلال ساعات كبرت كرة الثلج حتى هددت بابتلاع الفيلم وصنّاعه ومهرجان الجونة وحتى جهاز الرقابة ووزارة الثقافة التي سمحت بعرض الفيلم.
«كويتا برافا»
إذا كان «ريش» يدور في زمن ومكان غير محددين، فإن الفيلم اللبناني «كويتا برافا» لمؤلفته ومخرجته مونيا عقل يدور في زمن محدد هو الحاضر، وينتقد المسؤولين بوضوح، خاصة فيما يتعلق بظاهرة انتشار القمامة وتلوث البيئة وإساءة استخدام المعونات الدولية وخداع الناخبين.
يدور الفيلم الذي يلعب بطولته صالح بكري ونادين لبكي حول أسرة تهرب من العاصمة بيروت للسكن في منطقة جبلية، تعتبر آخر بقعة خضراء في العاصمة، ولكن ذات يوم تصل الحكومة بمعدات الحفر والبناء لتشييد مطعم حديث، وتعد بالقضاء على ظاهرة القمامة، وبعد تدمير المكان يتبين أن المشروع وهمي.
«علي صوتك»
وإذا كان فيلم «علي صوتك» للمغربي نبيل عيوش يتناول صراع الجيل الجديد في مواجهة طيور الظلام والرجعية من خلال فريق من طلبة الفنون يعشقون الرقص وموسيقى الراب، فإن فيلم «نور شمس» لمؤلفته ومخرجته السعودية فايزة أمبة يطرح قصة بسيطة حول سيدة عاملة وأم عزباء لديها ابن يعشق موسيقى الراب ويستخدمها للتعبير عن الذات.
«أميرة»
أما الفيلم المصري «أميرة» للمخرج محمد دياب فيتناول موضوعاً خطيراً وحساساً للغاية، وهو نقل نطف المساجين الفلسطينيين إلى زوجاتهم في الخارج للإنجاب منهن.
يتناول الفيلم قصة فتاة تكتشف أن والدها السجين ليس أبيها البيولوجي، وأن النطفة تم استبدالها أثناء عملية التهريب، وهناك شك أنها نطفة الحارس الإسرائيلي الذي ساهم في نقلها.
هل الأبوة والبنوة مجرد نطفة؟ وهل نحن ضحايا «الدي إن دي» كما تقول إحدى شخصيات الفيلم؟ هل الوطن هو النسب البيولوجي؟ أسئلة كثيرة يثيرها الفيلم الذي يشارك في بطولته صبا مبارك وعلي سليمان وصالح بكري، ولكنه لا يجيب عن أي منها، ويترك المشاهدين مرتبكين كل منهم يفسر الفيلم كما يشاء.
«أميرة» أثار أيضاً اختلافات وخلافاً في الرؤى بين من شاهدوه في «الجونة» وصلت إلى مواقع التواصل.
«كباتن الزعتري»
مخرج مصري آخر وقضية عربية أخرى يطرحها الفيلم الوثائقي «كباتن الزعتري» للمخرج علي العربي الذي يتناول حكاية مراهقين سوريين يقيمان مع أسرتيهما في مخيم «الزعتري» يحلمان باحتراف كرة القدم.
الفيلم متوسط فنياً، والقصة ليست من النوع الذي يختلف بشأنه الناس، لكن الجدل ثار حول تمويل الفيلم والجهات المشاركة فيه، خاصة أن جزءاً كبيراً منه تم تصويره خارج سوريا وبدا كدعاية مباشرة لسوريين مقيمين في الخارج.
هذه هي السينما والفنون، تشبه الطفل المزعج الذي لا يكف عن الأسئلة، ولا عن البوح بما يفكر فيه، ويزعج الكبار بثرثرته التي لا تتوقف، ويزداد الأمر صعوبة كلما حاول الكبار إسكاته أو تقييده.